بقلم رئيس هيئة العلماء والدعاة بألمانيا
من 76 مدينة ألمانية، ومن دول أوروبية عديدة، انطلقت وفود القرآن العظيم صوب مدينة بون الألمانية لتُجَسد مشهداً قرآنياً فريداً قَلَّ نظيره في أوروبا، جاءت تلك الجموع التي اقتربت من 400 متسابق نصفهم تحت 18عاماً، قطعوا مسافات بعيدة، واصلوا السفر بالليل والنهار، خالفوا مألوف عاداتهم في النوم والطعام والشراب، قاوموا الصوارف والشواغل حتى حطت بهم الرحال إلى مقر المسابقة بمسجد المهاجرين، من يوم الجمعة 6 أكتوبر إلى الساعة السابعة مساء يوم الأحد 8 أكتوبر الماضي حيث انتهى الحفل الختامي، عشنا مع القرآن العظيم ساعات من الجنة، فما ترى ولا تسمع في أروقة المسجد وقاعاته المتعددة إلا مشاهد حلقات القرآن للمراجعة والتثبت تهدر بالنور والهدى.
ما أسعدنا عندما نكون من أسباب تحقيق موعود الله تعالى بحفظ كتابه العزيز «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون».
وإلا فما الذي يدفع مئات الأطفال والشباب إلى بذل هذا الجهد لحفظ كلام الله رغم ما يواجهونه من صعوبات عديدة نظراً للبيئة الأوروبية، فاللغة التي يتحدثونها ويسمعونها غير العربية، والوقت المتاح لهم للحفظ والمراجعة قليل إذا ما قورن بالأطفال الذين يعيشون في بلاد عربية، إنه التعلق بالقرآن العظيم.
وعلى الرغم من كل تلك الصعوبات، فقد أذهلنا هذا العام فتية القرآن بإتقان التلاوة وجمال الأداء وعذوبة الصوت، وقد قال لي د. خالد بركات، ود. كمال قدة، وهما ممن يشاركون في التحكيم الدولي للمسابقات القرآنية: هؤلاء الشباب والأطفال حجة على المسلمين الذين يعيشون في البلاد العربية، ويسهل عليهم حفظ القرآن الكريم.
إن من أهم أهداف المسابقة المحافظة على تواتر القرآن الكريم، وأن تتمكن الأجيال الجديدة في ألمانيا وأوروبا من قراءته كما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما نرنو إلى تحقيق الكفاية من حفظة القرآن الذين يخدمون رسالته في واقع الوجود الإسلامي الألماني، ولا نريد أن نقصر اهتمامنا على الحفظ فقط، بل نعطي للفهم والتدبر أهميته ومكانته، ولهذا أضفنا فرعاً جديداً في مسابقة هذا العام وهو فرع التفسير في سور “النور”، “يوسف”، “الحجرات”؛ ليعيش الشاب مع القرآن ويستنبط آياته ما ينهض به عقلاً وروحاً وقلباً وسلوكاً.
هذا وقد فاز بالمركز الأول شاب في العشرين من عمره لأم ألمانية وأب عربي، وقد حفظ القرآن الكريم في مدينة كولن، وكذلك الفائز الأول في فرع 20 جزءاً فتاة من مواليد ألمانيا، وكثير من المتسابقين تألقوا وأجادوا واستحقوا أعطر الثناء من جمهور المسلمين الذين ازدحم بهم أركان المسجد وقاعاته، وهذا نجاح كبير ورسالة مهمة لمسلمي ألمانيا في مدى إمكانية الجمع بين التفوق الدراسي وحفظ القرآن العظيم رغم حجم الصعوبات المتنوعة.
إن من أعظم المكاسب للمسابقة هذا العام هو إعلان أول مؤسسة متخصصة ترعى شؤون القرآن حفظاً وتلاوة وفهماً، وهي الهيئة الألمانية للقرآن الكريم التي يقوم عليها ثلة مباركة من الشباب أصحاب الكفاءة والتميز والنضج والوعي، ويسعدنا أن تكون مسابقة العام القادم كذلك برعايتها وتنظيمها، وندعو الله تعالى أن تكون أكثر تطوراً وتميزاً ونجاحاً.
الله نسأل أن يشرفنا بخدمة كتابه، ولا يحرمنا بركته وهداه في الدنيا، وأُنْسَه وشفاعته في الآخرة، إنه سميع مجيب.
(المصدر: مجلة المجتمع)