مقالات مختارة

المسؤولية

بقلم فتحي أبو الورد – بوابة الشرق.

المسؤولية كما جاءت في معاجم اللغة هي حال أو صفة من يُسأل عن أمر تقع عليه تبعته.

وهي في السنة تشمل كل من ولاه الله تعالى أمرا، كما جاء في حديث البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها”.

وهي التي حدت برسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن يترك الدثار، ويهبَّ عابدا داعيا بعد أن نزل عليه قوله تعالى: {يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا} وقوله تعالى: {يا أيها المدثر قم فأنذر}.

وهي عند أصحاب الدعوات والمصلحين وقود الحركة، وباعث العمل، ودافع العطاء، وبذل التضحيات، وهي التي تهون الصعاب، وتسخر من العوائق والمثبطات، وقديما قال الشاعر:

إذا كانت النفوس كبارا *** تعبت في مرادها الأجساد

وهي التي تصنع من المقصر مهموما، ومن الفارغ مشغولا، ومن المضيع لأوقاته مغتنما للحظاته، منتبها لخطراته.

والمسؤولية بعامة، ومسؤولية الدعوة بخاصة، هي التي تحيل القلب الشديد قلبا ألطف من الحرير، وهي التي تحرك دمعة العين، وهي كذلك التي خلقت في جسم الحمام الرخو قلوب الصقور والأسود كما يقول محمد إقبال.

وهي التي تشغل بال كل من ولاه الله تعالى أمرا من الأمور، وتملك عليه فكره، وتملأ عليه عقله، فيسهر الليالي، ويكفيه من النوم القليل، ولا يهنأ بنوم إلا بعد أن يطمئن على أداء واجباته، ولا يستريح له جسد إلا بعد أن يرى السعادة في وجوه المهمومين، ولا يجد متعته إلا وهو يسعى في قضاء حوائج أصحاب الحقوق عليه.

وهي التي تغير من يعيش لنفسه لكي يعيش لغيره، وهي التي تجعل ممن يعيش لأسرته الصغيرة، مهموما بأسرته الكبيرة، متيما بأمته وأوطانه.

وهي التي تسمو بالآمال الفردية إلى الآمال الجماعية، ومن الآمال الخاصة إلى الآمال العامة، وهي التي تخرج الإنسان من قضاياه ومعاركه الشخصية إلى رحاب معارك الإسلام وقضايا المسلمين الكبرى.

هي التي جعلت أبا بكر يستشعر أمانة المحافظة على ميراث الوحي والنبوة حين حارب مانعي الزكاة، وقال: “لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة” معللا لذلك بقوله: “أينقص الدين وأنا حيٌّ”؟

وهي التي جعلت عمر بن الخطاب لا ينام الليل، يتفقد أحوال رعاياه، فلا يبتسم إلا بعد أن يبتسم البائس، ولا يأكل إلا بعد أن يشبع الجائع، ولا يسعد إلا بعد أن تأتيه أخبار سارة من هنا أو هناك ينتظرها.

وهي التي غيرت حال عمر بن عبدالعزيز الذي تربى في حجر النعيم، وجعلته ينسلخ من كل مظاهر الترف، بل يتقشف ويحيا حياة البسطاء الفقراء، تسيل دموعه على خديه، يشهق الشهقة يكاد ينصدع قلبه لها، وتخرج لها نفسه، وعندما سألته زوجته عن حاله قال لها: “إني نظرت فوجدتني قد وُلِّيت أمر هذه الأمة، أسودها وأحمرها، ثم ذكرت الفقير الجائع، والغريب الضائع، والأسير المقهور، وذا المال القليل والعيال الكثير، وأشباه ذلك في أقاصي البلاد وأطراف الأرض، فعلمت أن الله سائلي عنهم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيجي فيهم؛ فخفت ألا يقبل الله مني معذرة فيهم، ولا تقوم لي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة”.

فهل يشعر كل صاحب مسؤولية بنحو من ذلك؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى