مقالات

المرأة القائدة في ميزان الإسلام

نماذج من قيادات نسائية حول الرسول صلى الله عليه وسلم..

بقلم مسعود صبري

لعل كثيرا ممن ينكر أن تكون للمرأة قيادة يستند إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها قيادة، وكان ذلك شأنها أيضا في العهد الراشد الذي يمثل العصر الذهبي للإسلام.

وهذه محاولات للإطلالة على قيادة المرأة كما صورتها السنة النبوية.

فمن أمثلة القيادة الدينية في عصر النبوة ما ورد في السنة والسير من أن السيدة خديجة، وهي أول امرأة تقابلنا في السنة النبوية بوصفها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، كانت تقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعضده في حياته، وكانت تبادر بمحاولات قيادية بما في ذلك مصلحة النبي والأمة.

فلما نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاف النبي منه؛ لأنه لم يكن له سابق عهده به، وعاد طالبا من خديجة أن تغطيه، هدأت من روعه، وطمأنته أن الله لن يخزيه أبدا، لما يتصف به من صفات النبلاء، من صلة الرحم، وإقراء الضيف، ومعاونة المحتاج، والوقوف مع الضعيف، وغير ذلك من الصفات المحمودة.

ولم تكتف السيدة خديجة بذلك، بل بادرت بأخذه صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان رجلا عنده علم التوراة والإنجيل، وقالت له: يا ابن عم، انظر محمدا وما يشتكي. فها هي خديجة تأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ورقة، وتدير دفة اللقاء، بما في ذلك من علامات القيادة والريادة.

ويتحدث النبي صلى الله عليه وسلم إلى ورقة، فيستبشر ورقة أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو نبي هذه الأمة، فتسارع السيدة خديجة بالإيمان به، لتكون أول من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم على الإطلاق من الرجال والنساء، فلم يؤمن قبلها أحد، ولم تستأذن خديجة عمها أو أحدا من أقاربها، بل لم تراجع الرسول في ذلك، فتؤمن به بمجرد أن عرفت أنه نبي هذه الأمة، بل تقوم معه بدور قيادي في حمايته وجعل مالها تحت أمره، كما لم تنس المواساة النفسية لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وحين حاصر المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين وآل طالب وغيرهم من أقارب الرسول صلى الله عليه وسلم في شعب أبي طالب، بعد أن تحالفوا فيما بينهم ألا يبيعوا للمسلمين وأقارب الرسول شيئا، ولا يشتروا منهم شيئا، ولا يزوجوهم ولا يتزوجوا منهم، وأن تقطع كل العلاقات بينهم وبينهم.. تنجح خديجة في قطع الحصار، وترسل بجمال محملة طعاما وشرابا للرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه، وواضح من خلال السياق أن خديجة كان لها من الحماية ما لم يكن لغيرها من الرجال والنساء.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم دائم الاستشارة لها فيما يخصه من أمور، حتى كلل الله تعالى جهادها وقيادتها بما أعد لها في الجنة من المنزلة العظيمة، بل ينزل جبريل عليه السلام يبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يقرئ خديجة السلام، ويبشرها ببيت في الجنة، وكفى بذلك تقديرا لعملها وجهادها.

القيادة العلمية

ومن القيادات التي تميزت بها النساء، وشاركن فيها الرجال القيادة العلمية؛ فكان للمرأة في العصر النبوي نصيب كبير في حفظ ورواية حديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ بل مما يذكر للمرأة في هذا الميدان ما حكاه الإمام الذهبي، وهو من كبار المحدثين بقوله: “لم يؤثر عن امرأة أنها كذبت في حديث” أ.هـ. بل المحفوظ أن بعض الرجال هم الذين كذبوا على الرسول في رواية الحديث.

وقد اشتُهر من النساء عدد بالعلم النافع؛ فقد كانت السيدة عائشة علما في الفقه والحديث والتفسير والأدب والشعر والطب وغير ذلك من العلوم التي روتها للصحابة والتابعين.

كما اشتهرت أم المؤمنين أم سلمة برواية الحديث والتفسير، وكان يرجع إليها في هذا.

وغير أمهات المؤمنين عدد من النساء عرف عنهن روايتهن للحديث وعلوم الشريعة.

المشاركة السياسية

وفي عصر الراشدين لم تكن المرأة بعيدة عن الحياة السياسية، بل كان لها دور، وحرص على أن يوضع الأمر في نصابه بحقه، فلما طعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخلت حفصة ابنته على أخيها ابن عمر، وقالت له: أعرفت أن أباك لن يستخلف أحدا بعده؟ فقال ابن عمر: إنه لن يفعل. ولكن حفصة ألحت في الطلب على أخيها عبد الله بن عمر أن يدخل عليه، وأن يطلب منه أن يستخلف أحدا بعده، من باب حرصها على حالة الدولة الإسلامية، وأن تبقى مستقرة دون زعزعة أو زوبعة.

ولما قامت الفتنة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن سفيان -رضي الله عن الجميع- خرجت عائشة رضي الله عنها بقصد الإصلاح السياسي بين الفريقين، ومع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر نساءه ألا يخرجن من البيت، وهو أمر خاص بأمهات المؤمنين أزواج النبي، فإن عائشة اجتهدت وخرجت من بيتها للإصلاح بين أكبر حزبين من المسلمين، ولما روجعت في هذا ردت فعلها إلى المصلحة العامة التي تقدم على أمر البقاء في البيت، بل قادت السيدة عائشة مواقف قيادية في هذه الأحداث، وكان الرجال خلفها، مع أنها زوج الرسول المأمورة بالبقاء في بيتها.

القيادة الطبية

ويلاحظ في العصر النبوي أن المرأة كان منوطا بها القيام بأعمال التداوي والكشف الطبي، بل اشتُهر منهن عدد بهذا، فكانت النساء يقمن في الغزوات مع الرجال بأعمال الإسعافات الأولية والتمريض، فتحكي أم عطية الأنصارية ذلك بقولها: “غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى” رواه مسلم.

وحين أصيب سعد بن معاذ في غزوة الخندق جعل النبي صلى الله عليه وسلم له خيمة في المسجد، وقامت على علاجه إحدى الصحابيات اسمها رُفيدة، بل قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: “اجعلوه في خيمتها، لأعوده من قريب”.

امرأة تنقذ الأمة

وقد عرف عن النبي صلى الله عليه وسلم استشارته لغيره من الصحابة، لكن من اللافت للنظر أن يختص الرسول صلى الله عليه وسلم بعض النساء؛ ففي عمرة القضاء حين أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يذبح الهدي، ثم يتحلل من العمرة بالحلق أو التقصير، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بهذا، فتباطؤوا في تنفيذ أمره، فعاد وقد أصابه هم وغم خوفا على الصحابة أن ينزل بهم عذاب من عند الله تعالى، فدخل على أم سلمة رضي الله عنها، وحكى لها ما تخوف منه، فاقترحت عليه أن يقوم هو بالذبح، ثم ينادي حلاقه، فإذا فعل هذا، ورأوا، قاموا يفعلون مثل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فخرج الرسول وذبح، ونادى حلاقه، فحلق له، فتسارع الصحابة يذبحون الهدي، ويحلقون رؤوسهم، حتى كادوا يجرح بعضهم بعضا لمسارعتهم في تنفيذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أشارت إليه أم سلمة، وهذا يدحض قول القائلين: “شاوروهن وخالفوهن”، بل يشاور الإنسان من يراه أهلا للشورى، لا غيرهم، من النساء والرجال.

خطيبة النساء

وإن كان أشيع أن المرأة لا تظهر في المجتمع متحدثة أو مرشدة، فإن السنة النبوية تكذب هذا، بل لقد ظهر من النساء في عصر النبي صلى الله عليه وسلم من عرفت بخطيبة النساء، وهي أسماء بنت أبي السكن، وقد أتت غير مرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في جمع من الصحابة تسأله فيما يخص شؤون النساء، بل كانت تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحاوره وتجادله أمام أصحابه؛ فقد سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة تقوم بمسئوليتها في البيت، فهي تربي الأولاد وتخدم الزوج، وتفعل كذا وكذا، وقد فضل الرجال عليهن بحضور الجمع والجماعات والخروج جهادا في سبيل الله تعالى، فبشرها النبي صلى الله عليه وسلم أن قيام المرأة بمسئوليتها يعدل ذلك كله.

الشفاء.. قائدة شرطة

بل يصل الأمر في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يولي امرأة اسمها الشفاء الحسبة على السوق، لتأمر وتنهى، وتتابع منهج الإسلام في السوق، فتمنع الغش والتزوير وغير ذلك، مما هو محرم في البيع والشراء، بل وتعاقب كل من خالف القوانين الشرعية الخاصة بالسوق، وقد كانت الشفاء من قوم عمر رضي الله عنها، والقيام بأعمال الحسبة يستلزم أن يكون معها رجال يعملون معها، لمراقبة الأعمال في السوق، بل اللافت للنظر أن كثيرا من أهل السعودية يسمون متاجرهم التجارية باسم الشفاء، أخذا من اسم الشفاء مسئولة السوق، أو قائدة الشرطة التموينية.

والمتتبع لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وللعصر الراشد يجد أن للمرأة مكانة قيادية تتماشى مع طبيعتها، وهذا يدعو إلى تصحيح كثير من المفاهيم التي غلبت عليها العادة والبيئة، غير أن هذا لا يعني أن تزاحم المرأة الرجال في القيادة، بل إذا وجدت امرأة في مكان أكفأ من الرجل، فهي أحق به منه، وللناس أن تتخير ما يناسب حالها وزمانها ومكانها.

المصدر: الاسلام أون لاين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى