المذبحة الأكبر في تاريخ السيسي، رابعة أم كورونا؟
بقلم شرين عرفة
رُغما عن أطنان الأكاذيب التي نسجتها حكومة السيسي حول جائحة كورونا ونسب انتشار الفيروس في مصر، التي يستحيل معها رؤية الحقيقة أو الوقوف على أبعاد المشهد، يظل مؤشر وحيد يعطيك الحقيقة ناصعة، لا يقبل الشك، ولا يحتمل التأويل، إنها إحصاءات الوفيات بين الأطباء المصريين، وأعداد المصابين به من المشاهير.
فالنسبة التي تعتمد على تقديرات دقيقة للغاية (وفيات الأطباء) قيل إنها الأعلى في العالم، لا يكاد يمر يوم واحد في مصر دون خسارة عدد من الأطباء، آخرهم وفاة 20 طبيبا في أسبوع واحد (وهو الأسبوع الثالث من شهر يناير هذا العام)، بالإضافة إلى نسب الإصابة به لدى المشاهير، من يعلنون على الملأ إصابتهم، وتتابعهم عن كثب وسائل الإعلام، وجميعها دلائل صادمة ومرعبة لأبعد الحدود، حيث تم الإعلان عن إصابة 11 بين ممثل وممثلة مصرية خلال يومين فقط بنهاية ديسمبر الماضي.
وفي ذات الشهر ، أظهرت مسحات طبية أُجريت على منتخب الشباب المصري في تونس، إصابة 14 لاعبا منه، إضافة إلى مديره الفني، مما أدى لاعتبار المنتخب المصري خاسرا، لعدم امتلاكه عدد كافٍ من اللاعبين لخوض المواجهة الأولى في البطولة، كذلك سجلت الكرة المصرية أكبرعدد إصابات للاعبين بالفيروس يوم 21 يوليو من العام المنصرم، بعد إعلان خمسة نوادي مصرية عن إصابة لاعبيها، بعضهم أعلن عن إصابة غالبية لاعبي الفريق، مثل الإنتاج الحربي 18 لاعبا، والنادي المصري 16 لاعبا، بخلاف العاملين في الأجهزة الفنية والمدربين (آخرهم المدير الفني للنادي الأهلي، والقادم من جنوب أفريقيا “موسيماني” )
مما دفع بتقارير صحفية لتقدير أعداد الوفيات المصرية بما يتجاوز المئة وخمسين ألف مصري
جميع ما سبق، يؤكد لمن له عقل: أن انتشار الفيروس في مصر وصل لمرحلة كارثية، وأن أعداد الوفيات بين الشعب المصري ربما تكون الأعلى عالميا..
تقرير “بي بي سي” عن عدد وفيات كورونا في مصر، خلال الموجة الأولى للوباء، والذي اعتمد على بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (مؤسسة حكومية)، يشير إلى 60 ألف حالة وفاة زيادة عن المعدل الطبيعي، في ثلاثة شهور فقط، هي مايو ويونيو ويوليو، منهم 40 ألف حالة وقعت في شهر واحد هو يونيو، وللعلم، التقرير تحدث عن وفيات مرحلة الذروة وحسب في الموجة الأولى للوباء، لم يتطرق لبقية شهور العام، أو مرحلة التفشي في الموجة الثانية بنهاية العام المنصرم، مما دفع بتقارير صحفية لتقدير أعداد الوفيات المصرية بما يتجاوز المئة وخمسين ألف مصري، ولأننا في دولة، لا يمكن فيها معرفة الحقيقة مطلقا من بياناتها الرسمية، دولة منهجها في التعامل مع الكوارث: امنعوا التصوير، واحظروا الجوالات فليس أمامنا سوى التقديرات التي تعتمد فقط على ما نرصده أو ما نراه …
والنظرة الأولية والبسيطة للمواطن المصري الذي يشاهد حالة أو أكثر أصيبت بكورونا من عائلته، بل وكافة العائلات التي يعرفها في محيط (أصدقائه، جيرانه، معارفه) وحالة على الأقل توفيت بالفيروس، أو تم الاشتباه فيه، تجعلنا نظن أن الإصابات والوفيات كثيرة جدا.
ما يدفعنا لنعيد ونكرر، أن أكبر مذابح السيسي على الإطلاق، طوال تاريخه الدموي لحكم مصر، ليست رابعة أو النهضة أو الحرس الجمهوري، بل مذبحة كورونا. وأن الأعداد الهائلة من المصريين الذين قضوا نحبهم بالفيروس، لم يقتلهم المرض وحسب، بل قتلهم كذلك اهمال النظام وتقصيره.
والسبب:
1- أن السلطات المصرية تعمدت الكذب والتضليل والفبركة في أرقام الإصابات والوفيات (مصر لم تعترف حتى الآن سوى بتسعة آلاف حالة وفاة، ومنظمة الصحة العالمية اتهمتها رسميا بالكذب، حيث اعتبر “ريتشارد برينان” مدير الطوارئ الصحية بالمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية أن عدد الإصابات بكورونا التي تسجلها الصحة المصرية، “لا يعكس العدد الحقيقي للإصابات في البلاد، وذلك في تصريح له في الثامن من ديسمبر 2020)
مع انتهاج سياسات متراخية تماما (وأحيانا متواطئة) تجاه محاصرة المرض، لم يتم غلق البلاد إلا بعد انتشار الفيروس، وخشيت الدول الأخرى على أبنائها من زيارة مصر، حتى في الموجة الثانية لتحور الفيروس، واعتبار بريطانيا بؤرة هذا التحور، ظلت مصر من الدول القليلة التي استمرت في فتح حدودها مع الأولى، على الرغم من إغلاق الدول الأوربية حدودها مع بريطانيا.
2- كذلك رفض النظام تطبيق إجراءات حظر ناجعة كما فعلت دول أخرى تهتم بشعوبها، واستجاب لتهديدات رجال الأعمال، ومطالبهم بعودة النشاط الاقتصادي (كلنا يتذكر تهديد رجل الأعمال “نجيب ساويرس” بالانتحار مطلع أبريل الماضي، واستجابة الحكومة له، بعودة النشاطات الاقتصادية لسابق عهدها، وإنهاء الحظر، دون اتخاذ أي اشتراطات صحية لحماية العمال).
3- الفيروس الذي هاجم بلادا أخرى بضراوة، لم يقتل منها مثلما قتل من المصريين (عدد وفيات إيطاليا حتى مطلع العام الحالي، يقدر بسبعين ألف حالة وفاة)
4- استمرت الدولة في إنكار ونفي أي عجز أو تقصير تجاه المرضى، رغم كل الاستغاثات والصرخات التي ضجت بها مواقع التواصل، ولم تكتف بذلك، بل تعمدت إهدار ما لديها من مخزون طبي وأدوية، وارسالها (أكثر من عشر مرات) لدول أخرى، على شكل معونات (آخرها في شهر يناير من هذا العام، حيث ارسلت طائرة مساعدات ثالثة للبنان، وقبلها بأيام للمملكة الأردنية الهاشمية) بينما واجهت فضيحة نقص الأكسجين، الذي تسبب في موت عدد من المرضى، بمنع التصوير في المستشفيات (تحت شعار موتوا في صمت).
5- كما واصلت الدولة سياساتها، في تبديد مدخولاتها وأموال دافعي الضرائب (من المواطنين)، وأموال القروض الهيسترية، في مشاريع غير ربحية ولا إنتاجية، ولا يحتاجها المواطن في الوقت الحالي (بناء كباري، فنادق، طرق، مشروعات سكنية، قطار سريع لا يخدم سوى أغنياء مصر)، فاضطر الملايين من المصريين للنزول لسوق العمل والاختلاط (دون أي ضوابط أو محاذير)، مما نتج عنه زيادة مطردة في أعداد الإصابات، كذلك رفضت الدولة الاتجاه نحو بناء مستشفيات أو شراء المعدات الطبية، أو توفير خدمات صحية جيدة للمواطنين بأسعار رمزية (بل قامت السلطات المصرية في يونيو الماضي بتفكيك مستشفى ميداني مخصص للعزل الطبي لمصابي كورونا شيده مواطنون بالجهود الذاتية في محافظة البحيرة)
ثأرُ لدى كل عائلة مصرية، في شرق مصر وغربها، وشمالها وجنوبها
لم يعد هناك بيت من بيوت المصريين، إلا وذاق عاقبة وصول السيسي لحكم مصر، لا يقتصر الأمر على نتائج سياسية أو اقتصادية (انهيار لمكانة مصر، فقدان لثرواتها وأراضيها ومقدراتها، فقر، غلاء، تردي في مستوي المعيشة) بل تعدى ذلك كله للدماء.
(المصدر: الجزيرة)