المدخلية .. منهج في خدمة “إسرائيل”
(خاص بالمنتدى)
نشر موقع “THE TIMES OF ISRAEL” الصهيوني، يوم 28 ديسمبر الماضي، مقالا عنوانه: “هل المداخلة أصدقاء لإسـرائيل؟” يثني على ما يقدّمه التيار المدخلي من خدمات في العالم الإسلاميّ، تصبّ في مصلحة إسرائيل، وقال كاتب المقال صراحة إنّ “المدخلية هي تيار الفكر الإسلامي الأكثر ملاءمة للأهداف والغايات التكتيكية والعملياتية والاستراتيجية لإسرائيل”، بل إنّه يتفوّق في خدماته على التيارات العلمانية والقومية والليبرالية!
الحقّ يقال إنّ المقال المشار إليه بما تضمّنه من حقائق صادمة لغير العارفين بالأسس الفكرية التي يقوم عليها المنهج المدخليّ، لم يضف أيّ معلومات جديدة للعارفين بحقيقة المداخلة والدّور الذي تأسس منهجهم لأدائه، ويكفي التذكير بأنّ المهمّة التي أنيطت به في بداية بروزه كانت تبرير الاستعانة بقوات التحالف الغربيّ لحرب العراق المسلم، وكانت المهمّة الثانية والأهمّ التي أسندت إليه هي شرعنة التطبيع مع الكياني الصهيونيّ المحتلّ، وقد قام بالمهمّة خلال الثلاثين سنة الماضية بخطى متثاقلة رسمت له، حتى لا تفتضح الأمور وينكشف المستور، منطلقا من فتاوى شاذة صدرت عن علماء يوصفون بالكبار (!) تبيح عقد صلح مع اليهود المحتلين، وتستدلّ بالصلح العابر الذي أبرمه النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- مع المشركين في الحديبية، غير مراعية للفرق الكبير بين وقعة الحديبية، وبين واقع الأمر في فلسطين، حيث إنّ اليهود طارئون على الأرض ومحتلون لها!
كما مهّد المداخلة لمسار التطبيع بالتأسيس لمغالطة أنّ العلاقات الدولية، ومنها التطبيع مع الصهاينة، من اختصاص ولاة الأمر (الحكّام) الذين يقدّرون المصالح والمفاسد، ولا دخل فيها لعامّة النّاس الذين لا يعلمون ما يعلمه الحكّام! حتّى العلماء ليس لهم حقّ إبداء الرأي والنّظر في قضايا الشّأن العامّ إلا برعايةٍ وتوجيه من ولاة الأمر! ولذلك كان من أبرز المهمّات التي انتدب لها المداخلة مهاجمة العلماء والدّعاة الذين يُبدون رأيهم فيما يقرّره ولاة الأمر ممّا يتعلّق بالشّأن العامّ وقضايا الأمّة، وتبديعهم واتّهامهم بإثارة الفتن! حيث كانت البداية بالعلماء الذين عارضوا الاستعانة بالتحالف الذي قادته أمريكا لحرب العراق، ثمّ جاء الدّور على كلّ من يتوسّم فيهم تأييد المقاومة ومعارضة مسار التطبيع! ويضيف المداخلة إلى هاتين الخدمتين خدمة ثالثة تتمثّل في معارضة كلّ دعوة تنادي إلى مقاطعة الشّركات التي تدعم الصهاينة وتمدّهم في غيّهم!
ويتابع كاتب المقال بأنه على عكس تيارات الإسلام السياسي والتيارات الجهادية، التي يتأثر كثير منها بمنهجية الإخوان المسلمين، فإن المداخلة يشكلون ثقلا موازيا، ويساعدون في تأمين المصالح والمثل الديمقراطية العلمانية، وأمن “إسرائيل”.
وأكد أن أتباع هذه المدرسة، يؤمنون بجواز تطبيع العلاقات بين الحكومات الإسلامية و”إسرائيل”، ولا يؤمنون بمقاطعة البضائع والخدمات الإسرائيلية. “إن طاعتهم المطلقة للحكومات، حتى تلك المؤيدة لـ’إسرائيل’ بشكل واضح، مثل الإمارات العربية المتحدة والأردن ومصر والمغرب والسودان وغيرها، تعني أن السياسات الرسمية التي تفيد ’إسرائيل’ لن تعتم معارضتها بل دعمها، لأنه على حد تعبيرهم يعود القرار للحكام”.
وأضاف: “علاوة على ذلك، فإن هذا المبدأ اللاهوتي، المعروف باللغة العربية باسم طاعة ولي الأمر، هو حجر الأساس للاستقرار في دول الشرق الأوسط المؤيدة لـ’إسرائيل’ “.
ولفت إلى أن الشيخ ناصر الدين الألباني، أفتى بجواز خروج أهل فلسطين منها، واعتبر ذلك مثل هجرة الرسول محمد عليه السلام من مكة إلى المدينة، قائلا: “أضفى الألباني الشرعية على سلطة ’دولة إسرائيل’ على كل من الضفة الغربية وغزة”.
ونوه إلى أن الداعية المعروف شمسي بن صافي المقيم في المملكة المتحدة لم يعارض التطبيع مع “إسرائيل”.
وعن الفرق بين الجهاديين والمداخلة، قال إن التهديد الجهادي يمكن القضاء عليه من خلال الترويج الواسع النطاق للمدخلية حيث إن أتباعها يسعون إلى التعرف على “التهديدات” وإبلاغ السلطات عنها.
وتابع: “من المؤكد أن المداخلة سوف يدينون ما وقع في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي في “إسرائيل””
وبالفعل فإن مع الأحداث الأخيرة في قطاع غزّة، كان الاصطفاف المدخليّ لصالح الصهاينة واضحا، وإن لم يكن معلنا ولا حتّى مقصودا، وهو ما أثار إعجاب الإعلام الصهيونيّ، وجعل كثيرا من الكتاب والمدوّنين الصهاينة يشاركون المقاطع التي يهاجم فيها شيوخ المداخلة حماس ويحمّلونها مسؤولية ما يحصل للمدنيين في غزّة، إضافة إلى المقاطع التي يؤكّد فيها شيوخ التيار أنّ أمور السياسة من اختصاص ولاة الأمر وحدهم، وأنّ النصيحة لهم لا تكون على المنابر وفي مواقع التواصل، إنّما تكون سرا لمن استطاع إليها سبيلا، وولي الأم حقّه أن يدعى له ويُثنى عليه خيرا وتنشر محاسنه، ومن يرفض الدّعاء له ونشر محاسنة، فهو في منظور هؤلاء الشيوخ يحمل مرضا في نفسه أو إنّه صاحب بدعة وفتنة!
ما آل إليه واقع التيار المدخليّ، يعطينا مثالا واضحا على أنّ الانحراف عن النهج السويّ والاصطفاف مع الباطل قد يكونان باسم الدّين، وقد تلوى نصوص الكتاب والسنّة وتساق في غير مساقاتها لتبريرهما، وعندما يمتزج هذا مع هوى جامح يملأ النفوس وتعصّب مقيت يغلّف العقول، فإنّ الأصول الثابتة والنصوص القطعية المحكمة، وحتى العقول الراجحة، كلّ هذه لا ينفع، كما قال الله تعالى: ((أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)).. فلو كان شيوخ هذا التيار وأتباعه يقفون عند حقائق القرآن الكبرى ما وصلوا إلى هذا الدّرك السحيق الذي أركسوا فيه، ولكفاهم قول الله تعالى: ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ))، فما دام اليهود راضين عن هذا التيار فهو من دون شكّ على ضلال، وقد آن للمخدوعين به وبشعاراته أن ينفضّوا من حوله ويصطفّوا مع الحقّ.
وقد ختم الكاتب مقاله بالقول: “عندما نراجع جميع الأدلة بشكل موضوعي، فإنه يصبح من الثابت أن المدخلية هي تيار الفكر الإسلامي الأكثر ملاءمة للأهداف والغايات التكتيكية والعملياتية والاستراتيجية لـ’دولة إسرائيل’. وليس لدى هذه المجموعة أي مشاكل مع تطبيع العلاقات معها، كما أنه ليس لديها أي مشاكل مع الدول العربية التي تبيع وتشتري مع ’إسرائيل’، وبالتالي تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي، وتأمين مصالح ’إسرائيل’ في جميع أنحاء العالم الإسلامي وحتى خارجه”.