إعداد سيدي عبد المالك
تعيد التقارير الحقوقية المحلية و الدولية التي تصدر بين الفينة و الأخرى حول ظاهرة استغلال طلاب المدارس القرآنية بالسنغال من طرف مدرسيهم الكثير من الجدل في الأوساط الحقوقية و الاجتماعية و الإعلامية و الدينية.
و تتحدث معظم هذه التقارير عن استغلال بعض مدرسي المدارس القرآنية بالسنغال لآلاف الأطفال في سن الزهور بالبحث عن التكسب عن طريق دفعهم للتسول بالشوارع.
فقد قالت هيومن رايتس ووتش في تقرير صادر عنها إن عشرات الآلاف من الأطفال في المدارس القرآنية الداخلية في السنغال يعانون من أوضاع أشبه بالعبودية ومن انتهاكات جسيمة. ودعت هيومن رايتس ووتش السلطات السنغالية إلى تنظيم أوضاع جميع المدارس القرآنية والتحرك بشكل فوري وفعال من أجل تحميل المعلمين الذين يخرقون القوانين السنغالية ضد التسول الجبري والإساءة للأطفال، المسؤولية.
تقرير المنظمة أعتبر أن التسول الجبري للأطفال وغيره من أشكال الإساءة بحق طلاب المدارس الدينية في السنغال أجبر 50 ألف صبي على الأقل من أطفال هذه المدارس المعروفين بلقب “طالب” على التسول في شوارع السنغال لساعات طويلة، سبعة أيام في الأسبوع، على يد معلمين مسيئين في العادة (معروفون باسم “مرابط”). ويقول التقرير إن الصبية عادة ما يتعرضون لإساءات جسيمة، ولإهمال واستغلال على يد المعلمين.
أحدث الدراسات المسحية الصادرة في الموضوع تتحدث عن وجود 50 ألف و 200 ألف طفل متسول غالبتهم من مدارس قرآنية يتم إجبارهم على التسول تحت يافطة تعليم القرآن، و انتقدت الدراسة هذه الظاهرة، مضيفة أن الأطفال يدفع بهم مدرسيهم بدافع الاستغلال الاقتصادي و تحت غطاء التعليم القرآني.
و تلفت الدراسة المسحية التي قامت بها منظمة سنغالية معنية بالتكفل بالأطفال ضحايا الاستغلال أن المدرس يفرض على الطفل توفير مبلغ محدد يوميا من التسول و في حالة إخفاق الطالب على توفير المبلغ المطلوب يتم ضربه و حرمانه من الأكل.
و تشير الدراسة أن معظم الأطفال الذين يحترفون مهنة التسول تتراوح أعمارهم ما بين 7 إلي 14 سنة، و أن هذه الظاهرة باتت تحرم الأطفال من حقوقهم الأساسية و تحول دون استفادتهم من الحقوق المكفولة للطفل و المتعارف عليها دوليا.
و يعود تأسيس المدارس القرآنية بالسنغال إلي القرن التاسع ميلادي،و تعتبر قومية الفولان أول من أرسي فكرة “دارا”، التي تعني المدرسة القرآنية. و نشأت فكرة دعم المدارس القرآنية بتوفير الطعام لها كنوع من تشجيع المدرسين اللذين يتولون كفالة الأطفال الذين يأتون لتعلم القرآن ، ثم أصبح الطلاب بعد ذلك يخرجون إلي الأهالي بحثا عن طعام يعينهم على مواصلة الدراسة.
ثم انتقلت التجربة لاحقا لباقي المجتمعات الإفريقية بشبه المنطقة، لكن هذه الجهد التكافلي فقد قيمته مع تفشي الأزمة الاقتصادية والقيمية التي أفسدت المنظومة الأخلاقية للمجتمعات فتحولت هذه المدارس من محاضن تنشئة على القيم الإسلامية إلي أوكار للتسول الاستغلال.
فقد كشفت تقرير لمنظمة هيومن رايت ووتش أن مدرس احدي المدارس القرآنية بالعاصمة داكار يدخر سنويا أزيد من 100 ألف دولار من عرق جبين طلابه.
و أمام استفحال هذه الوضعية و في ظل الضغوط المتزايدة على الحكومة السنغالية، تسعي الأخيرة لتشييد مدارس قرآنية عصرية، لتعويض نظيرتها التقليدية، والتي ينحدر منها المتسوّلون الصغار، في محاولة للقضاء على ظاهرة تسوّل الأطفال، التي أضحت تمسّ بشكل كبير بصورة البلاد.
و تهدف الحكومة إلي تشييد 64 مدرسة قرآنية على كامل تراب البلاد، لتعوض المدارس القرآنية التقليدية، و ذلك بتمويل من البنك الإسلامي للتنمية.
و ترمي الحكومة من وراء هذه الإصلاحات إلى اجتثاث ظاهرة تسوّل الأطفال، خصوصا وأنّ طلاّب المدارس التقليدية، هم المعنيون بها، حيث عرف عنهم، منذ سنوات، بأنهم يجوبون شوارع المدن والأرياف، للتسوّل من المارة.
(المصدر: إسلام أونلاين)