بقلم طارق الحمودي
استدعى العالم Philip E.Johnson في سنة 1993 م مجموعة من العلماء والفلاسفة لبيت في Dunes de Pajaros على ساحل كاليفورنيا لأجل مدارسة صريحة وصادقة لواحدة من أشهر النظريات الإلحادية في العالم، وقد كان الأمر الجامع بين المدعوين أنهم كانوا جميعا قد بدؤوا يشكون في صحة نظرية دارون التطورية .. وكان السبب هو المعطيات ونتائج الأبحاث العلمية الجديدة، والتي كانت جادة وصادمة. . بل مزلزلة !
كان من بين هؤلاء عالم بيولوجي يدعى Michael J.Behe صاحب كتاب ( الصندوق الأسود لدارويين – Darwin’s Black Box ) والذي كان واحدا من هؤلاء الذين صدمتهم نتائج أبحاثهم، والتي دفعتهم إلى إعادة النظر في مسلماتهم العلمية، فقد لفت انتباهه شيء صغير جدا لا يرى إلا بالمجهر الإلكتروني، لفت انتباهه محرك متطور كان مركبا بطريقة عجيبة على البكتيريا ((flagelle bactérien))، كان ما لاحظه بحق بداية الهدم لنظرية داروين من أساساها…وبأدواتها.
لاحظ العلماء ومنهم ميكيل بيهي أن هذا المحرك مركب من نحو أربعين جزءا بطريقة دقيقة باهرة، وأن كل هذه الأجزاء متكاملة كأن جهة ذكية ما وضعتها بهذا التنسيق اللطيف، كانت النتيجة الاعتقاد بأن نقص جزء واحد يعني عدم عمل المحرك، وهو ما يستبعد أي تفسير تطورية لظهوره، وكان هذه الآلة البيولوجية الجزيئية ملهمة لمايكل بيهي إلى ابتداع مفهوم جديد في الوسط العلمي سماه (La Complexité irréductible)) أو “التعقد غير القابل للاختزال” ويمثله هؤلاء العلماء بمثال ساذج لكنه كاف للقياس عليه قياس الأولى وهو مصيدة الفئران المكونة من خمسة اجزاء، فلا يمكن للمصيدة أن تكون فعالة إلا بوجود كل أجزائها، وافتقاد واحد يعني أن الفأرة ستأخذ قطعة الجبن وتنصرف راضية! ويبدو أن التطوريين وقعوا في مصيدة “التعقيد غير القابل للاختزال”..ولن يفلتوا.
كان من دقيق صنعة المحرك أن بعض أنواعه يدور 100 ألف دورة في الدقيقة ويتوقف عند ربع دورة ليعكس تجاه الدوران بنفس السرعة مع وجود مادة مبردة !! وثم حقيقة صادمة أخرى هي أن هناك عملية صيانة ذاتية وإعادة ترميم بل وصناعة من الألف إلى الياء للمحرك من الداخل إلى الخارج بتعليمات تصنيع معقدة في وقت واحد بتناغم دقيق وترتيب صارم ذكي مما يدل على تصميم مسبق للعملية كلها كما يفعل المهندسون قبل وعند بناء منزل… كما أنه تتوقف عملية الصناعة عند أدنى خطأ بسبب خارجي !
ما يثير الاهتمام حقا هو أن النظرية الداروينية تهدم نفسها بسبب هذه الاكتشاف من وجهين:
الوجه الأول: أن النظرية التطورية قائمة على أن كل تغير ناتج عن الانتخاب الطبيعي يجب أن يكون مفيدا عمليا ووظيفيا،ومثل هذا لا يمكن تطبيقه على هذا المحرك، لأن فقدان أو تأخر جزء واحد عن التركب في الآلة يعني أنها غير مفيدة ولا يمكن أن يكون لها وظيفة !
الوجه الثاني: من قواعد النظرية أن كل تغير غير نافع يعني إعدام الآلة وزوالها، لكن المحرك موجود وفعال بكل تعقيده الباهر.
صرح دارون في كتابه أنه إن وجدت آلة معقدة التركيب لم تكن نتيجة تغيرات متتالية متراكمة فإن نظريته ستكون ساقطة كلها ،وهذا يعني أن هذا المحرك كاف لإسقاطها ! وهذا الذي ينبغي اعتقاده بلا تردد، وهو ما يعتقده دعاة نظرية جديدة اليوم تدعى “التصميم الذكي” والتي تؤول في نهاية الأمر إلى الاعتقاد بوجود خالق صانع خبير لطيف.
حاول التطوريون الإجابة عن هذا ولا يزالون.
ومن تلك المحاولات زعمهم أن تلك الأجزاء مستعارة بالصدفة أيضا من آلات أخرى كبعض المضخات الجزيئية لكنهم صدموا حينما وجدوا أن غالب تلك الأجزاء لا يمكن أن تكون جزءا إلا من ذلك المحرك ولم توجد في غيره ولم تكن جزءا في غيره !
على الذي يؤمن بالتفكير العلمي أن يسلم بأن نظرية التصميم الذكي هي أفضل تفسير لوجود مثل هذه الآلات البيولوجية الميكروسكوبية إلى حين ظهور تفسير أقوى،لكنه لا يجوز له أبدا أن يصر على صلاحية نظرية التطور الداروينية على تفسيرها، فلا يفعل ذلك إلا متعصب مقلد.
(المصدر: مركز يقين)