المحددات الفارقة بين التراجع والمراجعات
بقلم عبد المنعم إسماعيل
حال معايشة أبناء الأمة عامة والحركة الإسلامية خاصة مفردات سنة التدافع مع الحركات المعادية لهذا الدين سواء حركات باطنية رافضية خمينية حوثية أو علمانية ليبرالية اشتراكية ديكتاتورية في زيها الديمقراطي الذي لا يقيم للموروث الشرعي وزناً بل أقصى ما يقدمه له أن يساويه مع حثالات الأفكار والمفاهيم الغربية أو الشرقية المحدثة من تجمعات اجتماعية قبلية أو مدنية حديثة أطلقوا عليها المنتديات الثقافية أو التجمعات القانونية المواكبة لأهواء الأجيال المعاصرة أو العقول البالية التي عاشت تتابع الهزيمة النفسية والعقلية للجنس البشري يوم أن إنقلبت على موروثاتنا العقدية أو الفكرية أو التاريخية يظهر التفكير في أمرين لا ثالث لهما:
الأول: الاستمرار على طبيعة توظيف الآلة الفكرية والمدارس الفكرية العاملة على الساحة بنفس آلية التفكير الموروثة عن المؤسسين أفراد أو جماعات بشرية من القادة الفكريين لكل مدرسة أو رؤية أو مذهب أو جماعة أو حزب أو طائفة قبلت العمل بمسمى أو راية زمانية أو فكرية أو مكانية .
الأخير: التفكير في المراجعات لطبيعة منهجيات الفرق والطوائف أو الجماعات أو الأحزاب العاملة على الساحة خاصة مدرستين مدرسة الإخوان المسلمين كمكون جامع لأكثر الفصائل الإسلامية العاملة على الساحة المعاصرة والتيار السلفي العام بشكله التنظيمي في الدعوة السلفية أو المسميات السلفية الأخرى والتي في غالبها تكونت ردود أفعال عقب تنوع في رؤية سلفية لم تستوعبها العقول إلا في البحث عن راية موازية زعماً أنها تحقق التميز فما كانت إلا حققت التآكل البيني لا التكامل المحمود والمرجو في عالم الواقع ودنيا الحقيقة .
وهنا نبحث عن المحددات الفاصلة بين التراجع والمراجعات أو بين تغيير الأقدام وتغيير الأفهام .
هل كل تفكير في وجوب إعادة النظر في طبيعة مكونات الرايات المكونة لعموم الأمة يمثل تفكيراً في الهزيمة النفسية والاستسلام للخصوم العقديين سواء علمانيين أو ليبراليين أو باطنية حوثية صوفية مغالية أو وسطية كما زعموا؟
لماذا يتم الدمج والربط بين التفكير في المراجعات العاقلة للهوى والحاكمة للتصورات وبين فكرة المؤامرة على الدعوة الإسلامية والحركة الإسلامية المعاصرة؟
هل كلما جاء صوت عالم أو شيخ أو شاب أو مجلس علمي يفكر في منهجية النقد العلمي لطبيعة تعامل القادة المعاصرين لقضايا الواقع لا نجد أمامه إلا الرمي بعقدة التخوين والاتهام لمجرد التفكير في طبيعة عمل القادة هل توازت مع الواقع المعاصر؟ هل حققت الشمولية في تقييم واقع ودراسة مآلات لتصوراتهم الفكرية والسياسية والاقتصادية؟ أم جعلوا من أسبقية الانتماء عاصم من النقد والتفكير في سلبيات قادة أو سلبيات عقول أسرها الهوى الحزبي والتنظيم الجماعي من خلال توريث نظرية صك الغفران لمن دان بالولاء وعايش وعاش الانتماء لجزئيات فكرية في ظاهرها الرحمة وباطنها التأسيس لمفردات التفرق والعذاب؟
للأجيال المعاصرة من أقصى الأرض إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها التفكير في المراجعات الفكرية للتنظيمات الفكرية المعاصرة سواء إخوانية أو سلفية أو جهادية أو صوفية .
المحددات الفاصلة بيت التراجع والمراجعات
الأمة الواعية تعيش الأمل والنظر للمعالي وتخترق حجاب الطموح إلى قمة الهرم المعرفي شرط أن لا تفارق أقدامها الواقع المعاصر الذي تعيش فيه .
التفكير في المراجعات للتفريق بين الموروث المقدس من الدين وبين الرؤى السياسية المعاصرة والتي تراها عقول غير مقدسة فليس من العقلانية والمنهجية في شيء الدمج بين النصوص المقدسة والعقول المعاصرة الغير مقدسة.
فالمراجعات تعمل من خلال صيانة المقدس وإمكانية تبديل أماكن العقول غير المقدسة مثل الأفراد أو القادة سواء لحزب أو جماعة تعمل تحت راية إخوانية أو سلفية كانت.
المشاركة السياسية والاستمرار في آليات وسبل حددتها العلمانية المعاصرة للتنظيمات الإسلامية المعاصرة.. هل التعامل معها ثابت أم متغير؟
طبيعة الزمان والمكان والقوى الحاكمة على الساحة وطبيعة الصف الإسلامي من حيث التنوع الذي يحقق التكامل أو التنوع الذي يؤسس للتفرق للتنازع كلاهما من محددات التراجع أو المراجعات حين يدب الهوى والتيه داخل النفوس وتعمل الأكلة النفسية والعقلية والاجتماعية شتى التصورات والمفاهيم والعقول حينها قد يكون التفكير في المراجعات أولى من التراجع الذي لا نقول به البتة فالإصلاحي الواعي يغير أقدامه ولا يغير عقيدته.
عدم الخلط بين الثابت والمتغير في عالم السياسة الحاكمة للواقع المعاصر من حيث الممكن والمأمول في درجات الحماية والوقاية للأجيال من علل التجمعات العاملة على الساحة فالنجاح قد يكون في تحييد الخصوم لا في استفزازهم.
والنجاح قد يكون في حراسة منهجية تقليل الخسارة لا في زيادة الأرباح والمكاسب
حراسة مفردات الاعتقاد ليس معناها الانغلاق التام وعدم التعامل مع محددات لازمة في المعايشة مع واقع معاصر لا مع خيال علمي تؤسس له أطروحات السابحون في أنهار التيه الفكري عقب تمدد الرؤية الصفرية للنزاع ومن ثم يتم شيطنة كل الدعوات الساعية لتخفيف حدة الصدام والصراع الفكري حتى تجد الدعوة محاضن آمنة تقوم بإعادة القراءة للتاريخ والواقع ووضع منهجية للمستقبل بعيد عن بيئة الاتهام أو المتابعة با تفكير فصك الغفران ملازم لكل من تابع الرؤى السياسية المعاصرة وصك العذاب ملازم للمخالفين ومن ثم أصبح مجرد التفكير في المراجعات عار وهزيمة نفسية تخشى النفوس من التفكير فيها مخافة سيوف الإعلام الموالي للرؤية الغير مقدسة والتي صاحبت عقول مختزلة في مفاهيم أحادية قد يصيب أفراها وقد يلازمهم الخطأ عند رؤاهم حق الرؤية.. أما من جعلوهم سدنة للعصمة فلا يرون فيهم إلا وريثا للقداسة ومن ثم فلا مجال للمراجعات لأنها هزيمة وخيانة ومن ثم تتولد بيئة التكفير لكل من تعايش من التفكير في تقييم تجارب تاريخ أو اجتهادات واقع أو صيانة أجيال في المستقبل من تدافع ظاهره الرحمة ومآلاته العجز والفشل.
المراجعات صيانة للحقوق العقلية في النقد البناء ونقض عرى الباطل المعاصر سواء في حياة الأولياء أو الخصوم والأعداء.
المراجعات ليست طعناً في الجهود السابقة بل تزكية لها ووضعها في إطارها الطبيعي بلا غلو أو تفريط بل هي إعلان ببشرية القادة وإمكانية وقوهم في الصواب أو الخطأ وإظهار لربانية المنهج الإسلامي وتسويق إعلامي للتفريق بين الإسلام كدين معصوم وبين عقول آحاد المسلمين المعاصرين التي ربما تصيب وتخطأ فتصبح المراجعات الاحتمالية والقراءة الهادئة للقادة والزعماء والعلماء فيه إعلان ربانية هذا الدين وإلغاء فكرة الكهنوتية عنه فحين نحب شيخ أو عالم هذا ليس معناه سحب للقداسة الفكرية على كل مفردات عقله كلا وألف كلا بل المقصود ضبط هذا الحب والولاء والنصرة بأصول الاعتقاد الشريعة بثوابتها الأصولية ومتغيراتها المنهجية المنضبضة بمنهجية المصالح المرسلة أصوليا بقبول الاجتهاد والتجديد والمعاصرة لمتغيرات صيانة للثوابت ومن ثم نقول بحتمية المراجعات الفكرية للمدارس العاملة على الساحة خاصة بعد تمدد ظاهرة تكرار التجارب وتتابع الانتكاسات.
آليات التحقيق الفعلي للمراجعات الفكرية
الخروج من نفق الاتهام العشوائي وتوظيف المواقف السياسية للخلاص من كل مخالف للرؤية أو مفارق لها أو خصم لها.
التأسيس للمجامع العلمية الجامعة التي تقبل التنوع وتعيشه في عالم الواقع حياة اجتماعية لأنها تجفف معين الربح للخصوم العلمانيين .
وقف نزيف العشوائية داخل الإعلام المعاصر لأنه يربي أجيال لا تقيم للقادة العلميين وزناً ولا هيبة علمية أو كيانات اجتماعية أو اقتصادية أو أدبية فكرية .
العودة للكليات الجامعة للأمة مع صيانة المفردات الجزئية فما الأمة إلا كيانات جزئية العقل يقول أننا نحافظ عليها لأنها تكون نسيج الكيان الجامع للأمة بشكلها العام فالانشغال بها مضيعة وهجر فائدتها والسعي للقضاء عليها مهلكة فما أجمل أن ندرك الوسطية الحاملة لمنهجية التقييم لجهد فرد وجهد جماعة وجهد أمة تتكون من الجميع .
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)