تحمّلت المسلمات المحجّبات عبء تصاعد رُهاب الإسلام في أستراليا، وتم التعامل معهن باعتبارهن التمثيل المجسد لثقافة دخيلة، وإرهابيات محتملات.
واستطاع الإعلام المغرض نشر فكرة مضللة لدى الإنسان الغربي بشكل عام، بأن المحجبات ضحايا عاجزات في حاجة إلى حماية وإعتاق.
وركّزت الرسالة الإعلامية على تحرير المسلمات من الرجال المسلمين المضطهدين للنساء لكن تطوّر هذا الصوت فلم يعد متعاطفا مع المرأة كما كان يزعم في البداية، وخاصة مع انتشار نماذج نسائية تدافع عن الحجاب، وتطالب بالحق في ارتدائه، وتوصل الأمر إلى ساحات المحاكم، وترد على تصويرهن بأنهن عاجزات، بالتأكيد الواضح والجلي على أن الحجاب مسألة اختيار وهوية. فأصبح هناك تيار عام يواجه المرأة المسلمة المحجبة بتعابير الاحتقار وعدم التسامح.
وعلى الرغم من تركيز المسلمات في أستراليا على أن ارتداء الحجاب هو تجسيد لاعتقادهن الشخصي، وتعبير عن حريتهن لا العكس،إلا أنه قضية المحجبات اكتسبت مزيداً من الاهتمام في سياق الإرهاب والارتباط المفترض إعلاميا وسياسيا بين الإسلام والعنف.
وتمكن اليمين المتطرف في تسيس قضية الحجاب، وربطها بالحفاظ على ثقافة وهوية البلاد، وحماية الأمن أيضًا.
والحقيقة أن المسلمين الأستراليين، بمن فيهم المسلمات المنقّبات بمختلف أشكال النقاب، لديهم الكثير مما يربطهم بسائر المجتمع في سعيهم للتقدّم الاجتماعي والاقتصادي لعائلاتهم.
وصمة في تاريخ أستراليا
وثمة دراسات كثيرة تشير إلى شيوع هذه الطموحات غير أن التركيز على نقاط الاختلاف، والتلميحات إلى المخاطر الأمنية الناشئة عن المسلمين، لا سيما المحجّبات، وصم تاريخ أستراليا الذي يرحّب بالمهاجرين، ويرعى الاختلافات الثقافية عبر ممارسة التعدّدية الثقافية.
وأبرز إطلاق تحالف الحرية الأسترالي التراجع التاريخي في تقبل أستراليا للمهاجرين، فهو يوضح خضوع أستراليا للقوى المعادية للإسلام نفسها التي برزت كثيراً في أوروبا. ويتحدّى الميل إلى اليمين بعض المؤسسات التي تحظى برعاية كبيرة في أستراليا. فلأستراليا تقاليد تدعو للفخر في التعدّدية الثقافية.
وذلك إطار مهمّ للسياسات التي سمحت لأشخاص من مختلف الثقافات والتقاليد بغرس جذورها في أستراليا، والشعور بأنها موضع ترحاب. لكن المخاوف المتزايدة من تدفّق الثقافات الأجنبية أضعف الثقة بالتعدّدية الثقافية.
واستغلّ السياسيون اليمينيون الخوف والقلق العام للقول: إن التعدّدية الثقافية ترعى جيوباً من الممارسات الدخيلة والخطيرة. ويوجد لدى منتقدي التعدّدية الثقافية احتقار خاص للإسلام والمسلمين. بل يبدو أن المعسكر المعادي للإسلام هو محرّك معاداة التعدّدية الثقافية.
يرى تحالف الحرّية الأسترالي أن الإسلام أيديولوجية توسّعية تشكّل تهديداً مباشراً ومتعمّداً لنظام القيم الأسترالي. فهم يصرحون بقولهم إن الإسلام: «أيديولوجية شمولية مرفوضة ذات طموحات عالمية. ويستخدم الإسلام العناصر الدينية بمثابة وسيلة لتقديم نفسه أمام المجتمعات غير الإسلامية، وهو ما يتجلّى في التوسّع التاريخي والمستمرّ للإسلام».
وقف هجرة المسلمين
نتيجة لذلك، فإن الحملة المعادية للإسلام، التي تعزّزت الآن بانتخاب باولين هانسون في مجلس الشيوخ سنة 2016، تسعى لوقف هجرة المسلمين إلى أستراليا. وقد صنعت باولين هانسون اسمها بالاعتراض على الهجرة الآسيوية إلى أستراليا أواخر تسعينيات القرن العشرين، لكنها حوّلت اهتمامها إلى المسلمين في العقد الأخير. وهي تعارض بناء المساجد وتتصدّى بصوت مرتفع لهجرة المسلمين، معتبرة أن مثل هذه الهجرة تقوّض استقرار أستراليا وأمنها.
تشكّل فكرة تقييد الهجرة من البلدان الإسلامية محوراً رئيساً للحملة المعادية للإسلام. فمنع المسلمين من المجيء إلى أستراليا يعالج العديد من مخاوفهم: الحجاب في الأماكن العامة، والطعام الحلال، والمساجد. ويعتبر تحالف حرّية أستراليا والمنظمات ذات الفكر المماثل هذه المظاهر العامة للإسلام بمثابة أسلمة لأستراليا. وذلك مصطلح مثير للعواطف بوضوح، ويهدف إلى رفع القلق بشأن تعرّض أستراليا للخطر.
وعن طريق تعزيز ثقافة انعدام التسامح، يزعم المعسكر المعادي للإسلام أنه يدافع عن التقاليد «الأسترالية» ويقسم المجتمع على طول خط لا يمكن اختراقه لاستبعاد المسلمين. وتتسم عقلية «نحن وهم» التي تؤطّر هذا النهج بخطورة شديدة. وتتمتّع بجاذبية شعبية يجد كثير من القادة السياسيين صعوبة في اجتنابها.
تصريحات معادية لليمن المتطرف
ويعني الانزلاق السياسي نحو اليمين أن رسالة تحالف حرّية أستراليا المعادية للإسلام وجدت صدى في أوساط النخبة السياسية، وخصوصاً الائتلاف الليبرالي الوطني الحاكم (Liberal-National coalition). وساعد هذا الاتجاه في تطبيع عدم التسامح والخوف من الإسلام. بل إن القادة يدركون – في بعض الأحيان- الرسالة التي يبعثون بها.
على سبيل المثال، كان رئيس الحكومة السابق طوني أبوت يتحدّث عادة عن الإسلام في سياق الإرهاب، مما يقيم ارتباطاً واضحاً بين الاثنين. واشتُهر عنه قوله سنة 2015: إن الثقافات ليست متساوية جميعاً، وإن «الثقافة التي تؤمن باللياقة والتسامح أفضل بكثير صراحة من ثقافة تعتقد أن في وسعك أن تقتل باسم الله».
هذا الربط الصريح بين الإسلام والإرهاب مثير للخوف. فقد وجدت الأبحاث أن أبوت أشار في خطاباته بين سبتمبر 2013 ونوفمبر 2014 أكثر من (40) مرّة إلى المسلمين في أستراليا، وذُكرت كل هذه الإشارات في العلاقة بالإرهاب. بعبارة أخرى، لا يجدر ذكر المسلمين الأستراليين إلا في العلاقة بالتهديدات الأمنية والإرهاب. وقد أذكى هذا الربط، الصريح والضمني، رُهاب الإسلام وأضعف العلاقات الاجتماعية.
وفي نهاية 2015، بدا عدم التسامح تجاه الإسلام والمسلمين أمراً طبيعياً للعديد من الزعماء السياسيين، الذين ردّدوا صراحة صدى رسالة اليمين المتطرّف الاتهامية والاستبعادية. وقد وضعت مراعاة عدم التسامح مع الإسلام أستراليا في منزلق خطير. فلم يتورّع النائب عن الحزب الليبرالي، عضو الحكومة، جوش فريدنبرغ (Josh Frydenberg)، عن الإشارة إلى الإسلام مباشرة قائلاً: إن الإرهاب يعكس «مشكلة داخل الإسلام».
أزمة المهاجرين السوريين
وربما كان آخرون أكثر تحفّظاً، لكنهم يعكسون مشاعر مماثلة، وخصوصاً في ما يتعلّق بهجرة المسلمين. برزت القضية أثناء أزمة المهاجرين السوريين. فقد أدّى الصراع في سورية والعراق إلى نزوح ملايين الأشخاص، ووضعَ حجم الأزمة الإنسانية ضغوطاً هائلة على البلدان المجاورة وأوروبا.
وفي النقاش حول دور أستراليا في استقبال المهاجرين، بدا أن أعضاء الحكومة الأسترالية اعتمدوا رسالة اليمين المتطرّف المعادي لهجرة المسلمين. ومثلما دعا تحالف حرّية أستراليا إلى حظر هجرة المسلمين، دعا زعيم الحزب الليبرالي في مجلس الشيوخ إريك أبتز (Eric Abetz) أستراليا إلى منح الأولوية للاجئين المسيحيين.
وقدّم الرسالة نفسها رئيس الوزراء مالكولم تورنبول (Malcolm Turnbull)، الذي خلف طوني أبوت في سبتمبر (أيلول) 2015، ووزير خارجيته جوليان بيشوب. ولاحظ كلاهما أن الأقلية الأيزيدية تستحقّ اهتماماً خاصاً، ويجب منحها الأولوية في عداد المهاجرين الذين تستقبلهم أستراليا.
وبهذا الانزلاق نحو اليمين، فإن من المبرّر أن يتساءل المرء عمّا إذا كان للإسلام مستقبل في أستراليا. فقد سيطر صعود انعدام التسامح ورُهاب الأجانب على الخطاب العام عن الإسلام، وأثبتت النخبة السياسية أنها شديدة الضعف أو غير راغبة في مواجهة هذا الاتجاه.
وفي بعض الحالات، ردّد أعضاء من النخبة السياسية رسالة الخوف، وربطوا بين الإسلام والإرهاب. ويضغط تطبيع انعدام التسامح الديني والثقافي ضغوطاً هائلة على سياسة التعدّدية الثقافية المترسّخة منذ زمن طويل في أستراليا، مما يجعل السكان المسلمين في أستراليا يشعرون بالانزعاج.
(المصدر: موقع رسالة المرأة)