المجلس الإسلامي السوري : إلغاء منصب المفتي وتوسعة صلاحيات المجلس الفقهي خطير على سوريا ومستقبلها
أثار قرار الرئيس السوري بشار الأسد إلغاء منصب مفتي الجمهورية كثيرا من الأسئلة والتكهنات في أوساط السوريين، في وقت عزز فيه الأسد صلاحيات المجلس العلمي الفقهي في وزارة الأوقاف.
ففي خطوة مفاجئة وغير مسبوقة، ألغى الرئيس السوري بشار الأسد، أول أمس الاثنين، منصب مفتي الجمهورية -الذي يشغله أحمد بدر الدين حسون من مدينة حلب- وفق مرسوم حمل رقم 28، ونص على إلغاء المادة رقم 35 من القانون الناظم لعمل وزارة الأوقاف التي يُسمى بموجبها المفتي العام للجمهورية.
وحسب المرسوم الجديد، أصبح من مهام المجلس العلمي الفقهي “تحديد مواعيد بدايات ونهايات الأشهر القمرية، والتماس الأهلّة وإثباتها وإعلان ما يترتب على ذلك من أحكام فقهية متصلة بالعبادات والشعائر الدينية الإسلامية”، مثل “إصدار الفتاوى، ووضع الأسس والمعايير والآليات اللازمة لتنظيمها وضبطها”، وهي مهام كانت على عاتق مفتي الجمهورية حسون.
وحتى هذه اللحظات، لم يوضح النظام السوري أسباب إلغاء منصب مفتي الجمهورية وتوسعة صلاحيات المجلس العلمي الفقهي، لكن القرار جاء بعد أيام من رد غير مباشر من المجلس على تفسير المفتي حسون سورة من القرآن الكريم، عدّه المجلس مغلوطا وتحريفا لمعنى الآية، وجاء “بحسب أهوائه ومصالحه البشرية”، من دون تسمية المفتي.
والمجلس العلمي الفقهي الذي يترأسه وزير الأوقاف في حكومة النظام عبد الستار السيد كان أُحدث في 2018 وفقا للمادة الخامسة من القانون رقم 31 الخاص بالأوقاف، وبدأ أول اجتماعاته التحضيرية في 20 من نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بحضور رجال دين وعلماء من مختلف المذاهب الدينية.
“تمزيق سوريا”
من جهته، وصف المتحدث الرسمي باسم المجلس الإسلامي السوري مطيع البطين إلغاء منصب المفتي في سوريا وتوسعة صلاحيات المجلس الفقهي العلمي بأنه خطير على سوريا ومستقبلها، معتبرا أن المجلس لم يعد سوريًّا بل أصبح خليطا من السوريين وغير السوريين “لا سيما أن وزير الأوقاف في حكومة النظام السوري يسمي من يشاء للعضوية في المجلس”.
وقال البطين -في حديث للجزيرة نت- إن المجلس بشكله المطروح هو اعتداء على السوريين السنّة بشكل أساسي، وولوج في الطائفية وتمزيق سوريا وجعلها بلون آخر وهوية أخرى تتناسب مع ما قام به النظام السوري من تغيير في التركيبة السكانية، وقتل وتهجير ديمغرافي يهدف إلى مسخ الهوية السورية، حسب قوله.
واستبعد البطين أن يكون سبب إلغاء منصب المفتي بسوريا ما تحدث به حسون في عزاء الفنان صباح فخري بمدينة حلب وتحريفه سورة من القرآن الكريم (التين)، رادا الأمر إلى خلاف قديم بين المفتي حسون ووزير الأوقاف عبد الستار السيد الذي يترأس المجلس العلمي الفقهي.
وخلال كلمته في المناسبة ادّعى حسون أن خريطة سوريا مذكورة في القرآن الكريم بسورة التين، وتساءل: “وين خريطة سوريا بالقرآن الكريم؟ موجودة بسورة منقراها كتير بصلاتنا وهي (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ﴿۱﴾ وَطُورِ سِينِينَ ﴿۲﴾ وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ﴿۳﴾ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)”.
وأضاف “لقد خلقنا الإنسان في هذه البلاد في أحسن تقويم، فإذا تركها رددناه أسفل سافلين”، ويقصد بذلك اللاجئين خارج سوريا، وتابع “ثم يكمل (الله) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات (في هذه الأرض) فلهم أجر غير ممنون، أي الذين بقوا في سوريا”، وقصد حسون في تصريحاته المعارضين واللاجئين، ووجه حديثه إليهم قائلا “عودوا إلى بلادكم، في الخارج لن تجدوا من يصلي عليكم”.
مفتي سوريا الشيخ أحمد بدر الدين حسون (يسار) متحدثا في ندوة بالعاصمة الإيرانية طهران (الأناضول-أرشيف)
ووفق المتحدث باسم المجلس الإسلامي السوري، فإن منصب المفتي في سوريا يحمل رمزية ومكانة كبيرة لدى السوريين، وكان يُنتخب من العلماء قبيل حكم حافظ الأسد وابنه بشار لسوريا، مبديا في الوقت ذاته عدم أسفه على عزل حسون، كونه “لم يترك وسيلة إلا استخدمها لإيذاء الشعب السوري، ولوقوفه مع أعدائه”.
المفتي والنظام
وعلى امتداد 17 عاما، شغل أحمد بدر الدين حسون (72 عاما) منصب مفتي الجمهورية، وهو من مواليد مدينة حلب ذات الغالبية السنّية، ويحمل إجازة في الأدب العربي ودكتوراه في الفقه الشافعي من جامعة الأزهر، وتولى سابقا الإفتاء في مدينة حلب، كبرى مدن الشمال السوري وعاصمة سوريا الاقتصادية.
وطوال وجوده في المنصب، عرف حسون بمواقفه المؤيدة للنظام السوري ورئيسه بشار الأسد واستغلاله المناسبات الدينية لدعم النظام والترويج وكيل المديح له.
ومع بداية الثورة السورية، انحاز حسون لسلطة النظام ووصف الثورة والحراك الشعبي بمؤامرة تستهدف أمن سوريا يقف وراءها إرهابيون، في حين وصفه معارضو النظام بأنه “مفتي البراميل” بعد دعوته النظام السوري لإبادة الأحياء الشرقية إبان سيطرة المعارضة السورية عليها.
كما شنّ حسون في مقابلات ومناسبات عدة هجومه على اللاجئين السوريين، واصفا إياهم بأنهم خدم وعمال عند الدول الغربية التي استقبلتهم هربا من الحرب التي أشعل فتيلها النظام السوري.
المصدر : الجزيرة