المجلس الأوروبي للإفتاء يبحث العلاقات الاجتماعية في أوروبا
إعداد حامد العطار
ختتم المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث دورته التاسعة والعشرين في السابع من شهر ذي القعدة 1440ه، الموافق للعاشر من يوليو )- تموز- 2019م في مدينة باريس بفرنسا.
وكان عنوان هذه الدورة: “أحكام العلاقات الاجتماعيّة في أوروبا ودور المسلمين في تعزيزها” وقدمت لهذه الدورة عدة بحوث في هذا السياق الاجتماعي، هي:
تصحيحٌ وتأصيلٌ لبعض المفاهيم. للأستاذ الدكتور/ علي القره داغي.
القواعد والمبادئ الأصوليّة والفقهيّة المؤسِّسة للعلاقات الاجتماعيّة للدكتور/ خالد حنفي.
أسس العلاقات الإنسانيّة بين منظورات مختلفة للأستاذ الدكتور/ ساري حنفي. ضيف المجلس.
الحريّة أساسًا للعلاقات الإنسانيّة بين الفكر الإسلامي والفكر الوضعي للأستاذ الدكتور/ عبد المجيد النجار.
مقصد احترام الكرامة الإنسانيّة وأثره في تعزيز العلاقات الاجتماعيّة للأستاذ الدكتور/ أحمد جابالله.
تحقيق مقصد الكرامة الإنسانيّة. مقاربة إسلاميّة مقاصديّة للأستاذ الدكتور/ جاسر عودة.
تفعيل مقاصد الشريعة في التنمية الاجتماعيّة للأستاذ الدكتور/ علي القره داغي.
الكفالة الشرعيّة من خلال القوانين الأوروبية للتبنّي المفتوح للأستاذ الدكتور/ جاسر عودة.
وجوه التطابق بين الشريعة والقانون في مسألة التبنّي في بريطانيا للدكتور/ صهيب حسن.
حقوق الأرحام والأقارب غير المسلمين في الشريعة الإسلاميّة للدكتور/ حسين حلاوة.
تنوّع البيئات الإسلامية في أوروبا وتأثيرها على العلاقات الاجتماعيّة للدكتور/ أحمد خليفة.ضيف المجلس.
زيارة المريض: قيمتها الأخلاقيّة والحضارية، وأحكام الدعاء للمريض غير المسلم للشيخ/ نهات جفتجي.
أحكام المشاركة في مناسبات غير المسلمين: الحفلات الدينيّة للدكتور/ محمد أكرم الندوي. ضيف المجلس.
وجرت مناقشات مستفيضة لمضامين هذه البحوث، تمخّضت عن مجموعة من القرارات والفتاوى والتوصيات، كان من أبرزها :
مقصد الكرامة الإنسانيّة
اهتم قرار المجلس في هذا الصدد بالتنصيص على مقصد الكرامة الإنسانية ، حيث قال : “الكرامة مرتبطة بالصفة الإنسانيّة المجردة، دون النظر إلى أيّ اعتبارات أخرى، بناءً على ما قرّرته نصوص القرآن الكريم والسّنّة النبويّة من التكريم الشامل لجميع بني آدم دون استثناءٍ لأحد من البشر. قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا } [الإسراء: 70] ، وفي ضوء هذه الآية الكريمة ينبغي أن تُفهم بقيّة النصوص القرآنيّة والحديثيّة التي تتناول مكانة الإنسان في الإسلام”
وأكد المجلس على أن العلاقات الإنسانية تبنى على أربعة مبادئ : التعارف، والعدل، والرحمة، والحكمة.
الحريّة أساسًا للعلاقات الإنسانيّة
دعا المجلس الأوربي إلى تحقيق الحريّة الفرديّة والعامة كونها حقًّا ثابتًا لا يتغيّر على الدوام، وحقًّا للناس كافّة دون انتقائيّة على أساسٍ من لون أو جنس أو دين، ويدعم نضال الأفراد والأمم والشعوب من أجل الحريّة بالوسائل المشروعة ، وبالضوابط التي تحول دون الفتنة والفوضى.
القواعد والمبادئ الأصوليّة والفقهيّة المؤسِّسة للعلاقات الاجتماعيّة في السياق الأوروبي
الكلي والجزئي في العلاقات الاجتماعية
وازن المجلس بين الأدلة الكلية والأدلة الجزئية في استنباط الأحكام، فقرر أن الكليّات التشريعيّة والأصول الكليّة هي الحاكمة على الفروع الجزئيّة والضابطة لها؛ لأنّ الكليّات مُحكمةٌ، كما أنّها تكوّنت من مجموع النصوص الجزئيّة، والجزئي لا يحكم على الكلّي، فضلًا عن أن يُقدَّم عليه، والنصّ الجزئيّ قد يعرض له من العوارض ما يمنعه من العمل به حتى لو كان ثابتًا صحيح النسبة إلى الشارع؛ إذ لا تلازم بين صحّة الدليل والعمل به، وإنّما يجب العمل بما صحّ بعد تحقق شروط أخرى مضافة إلى صحة نسبته، وليس كذلك الكلّي.
وذكر المجلس أن من هذه الكليات:
البرّ والعدل: ويدلّ عليها قوله تعالى: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الممتحنة: 8].
التعاون على البرّ والتقوى: ويدلّ عليه قوله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [المائدة: 2] وهو أمرٌ لجميع الخلق بالتعاون على البرّ والتقوى، وعدم التعاون على الإثم والعدوان، وإن وُجدت دوافعه.
الفطرة الإنسانيّة: ويدلّ عليها قوله تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30] وعليه ،فلا يصحّ التشويش على مقتضيات الفطرة الصحيحة بالفُهوم الخاطئة للنصوص الجزئيّة أو الأقوال الفقهيّة التراثيّة.
الإحسان: ويدلّ عليه قوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [البقرة: 195] وهو خطاب عامّ لا يكتفي بمجرّد الصّلة، وإنّما يدعو إلى تقديمها في أعلى درجات الرقي والجمال.
وحذر المجلس من تغليب جانب الحظر والنهي والتشدّد على فقه العلاقات الاجتماعيّة في المجتمعات الأوروبيّة ، وإنّما يتعيّن الاعتناء أكثر بالمأمورات والمندوبات، ولا يقتضي هذا بالضرورة إغفال جانب المنهيّات؛ لأن نصوص القرآن الكريم والسنّة النبويّة تدل على ذلك، وهو مذهب كثير من الأصوليين.
محرّمات الوسائل ومحرّمات المقاصد
كما نبه المجلس على الأئمة والدعاة الأوروبيّين أن يراعوا في خطابهم واختياراتهم الفقهيّة حاجات النّاس وأعذارهم، وأن يفرّقوا بين محرّمات الوسائل ومحرّمات المقاصد، وأن يفيدوا من القاعدة الأصوليّة المقرّرة: ما حرّم لذاته لا يباح إلّا للضرورة، أمّا ما حرم سدًّا للذريعة فيباح عند الحاجة، وللقاعدة تطبيقات كثيرة في باب العلاقات الاجتماعيّة في السياق الأوروبي.
تصحيحٌ وتأصيلٌ لبعض المفاهيم
وفي هذا الإطار، اهتم المجلس بتصحيح بعض المفاهيم التي أسيء فهمها، فمن ذلك:
مفهوم الولاء والبراء : أكد المجلس على أن الأصل في التعامل بين المسلمين هو توسيع دائرة ، والتضييق في دائرة البراء ، بل إن هذا المصطلح ( الولاء والبراء) لم يكن سائدًا بين الصحابة الكرام وفي ظل الخلافة الراشدة، وإنّما أبرزه الخوارج ضدّ الخليفة الراشد علي بن أبي طالب- رضى الله عنه- حتى قتلوه ظلمًا وعدوانًا؛ ولذلك يقول الإمام أحمد في كتابه السنة (2/479) : ” الولاء والبراء بدعة…” ، فالبراء المحرّم شرعًا: هو البراء من الله ورسوله، ومن المؤمنين، أو من الثوابت والقطعيّات في الإسلام.
وأوصى المجلس بقوة أن لا ينشغل المسلمون بهذه المسألة، ولا يطلقون البراء فيما بينهم أبدًا، بل عليهم أن ينشغلوا بالدعوة إلى نشر الخير وقيم المحبة والرحمة والأخلاق السامية، والبعد عن كلّ ما يؤدّي إلى الكراهية والنُّفور.
خطاب الكراهية : ذكر المجلس أن الأصل أنّ الإسلام يدعو إلى خطاب التقارب والوئام، وينفر من خطاب الكراهية والصدام. وأن خطاب الكراهية المبني على انتقاص ألاخر يتعارض تمامًا مع رسالة الإسلام التي هي رحمة للعالمين، وتعاليمه القاضية بالمساواة في الأصل والخلقة.
حقوق الأقارب والأرحام من غير المسلمين : بين المجلس أن الإسلام ينظر في نظره إلى حقوق الأقارب والأرحام لم ينظر إلى اختلاف الدين، وإنّما نظر إلى ما يجمع بين النّاس من أواصر القربى وأصل الإنسانيّة.
وذكر أنه ينبغي للمسلمين في إطار العناية بحق الجوار أن يراعوا حقوق جيرانهم في السكن، وكذلك جيران المساجد، وأن يتجنّبوا كل ما يؤذيهم خصوصًا عند الحضور بكثافة إلى المساجد أيام الجمع والأعياد، وفي الصلوات المبكّرة والصلوات المتأخّرة، وأن يتحلّوا بالسكينة ويمتنعوا تمامًا عن إزعاج الآخرين ورفع الصوت دخولًا وخروجًا، وأن ينتهوا عن كلّ الصور غير الحضاريّة والمرفوضة شرعًا وذوقًا: مثل إغلاق الطريق على المارّة بسياراتهم، أو وضعها في أماكن لا يُسمح بها قانونًا، أو التعدّي على حقوق الآخرين في صفِّ السيارات ورصّها.
الفتاوى
وأجاب المجلس عن أحد عشر استفتاء رفع إليه في الموضوعات التالية :
حكم استهلاك اللّحم البيولوجي، وحكم ترك صلاة الجمعة بسبب العمل، وحكم العمل في شركة برمجيّات بعض أعمالها محرّم، وحكم العمل مبرمجًا في شركة تنتج لحم الخنزير والدجاج، وحكم إنشاء شركة لتوفير مستلزمات المتوفّى، وحكم خصم الضرائب من أموال الزكاة، و حكم دراسة الطبخ والعمل في طهو لحم الخنزير، و التكييف الفقهي لصورة وسطاء بين الشركات، وحكم تغطية وجه المرأة، وحكم استعمال زيت القنب لعلاج بعض الحالات المرضيّة، وحكم تأجير محطّة وقود يباع فيها الكحول والسجائر؟
(المصدر: إسلام أونلاين)