مقالاتمقالات المنتدى

المجلات العربية في الهند “مجلة النهضة نموذجا”

المجلات العربية في الهند “مجلة النهضة نموذجا”

 

بقلم صبغة الله الهدوي “محرر مجلة النهضة العربية” (خاص بالمنتدى)

 

للهند تاريخ عظيم وطويل مع اللغة العربية، لقد عانقت الهند لغة الضاد بكل إجلال واحترام لتشهد ميلاد كتب ضخمة ومكتبات فخمة ومعاهد بحوث وكليات وجامعات عربية ومجلات تتغنى بمجد الضد، ولقد كانت اللغة العربية همزة وصل لا تنقطع بين الشعب الهندي والعربي منذ القدم، فمما يدل على نفوذ اللغة العربية على اللغات الهندية ما ترى من الألفاظ المتداولة والكلمات والتراكيب بل الخطوط والرسوم واللهجات التي نشأت من رحم لغة الجلالة، فلغة عربي مالايالم التي تبنت خطوط اللغة العربية  والألفاظ المليبارية معا كما نسجت عربي تامل من العربية والتاملية، فكل هذه النقلات اللغوية شواهد على مدى عمق اللغة العربية في الثقافة الهندية.

وقد شهدت الهند ميلاد مجلات عربية، لكن أكثرها توقفت وتلاشت للظروف القاسية التي اعترتها على مدى الأيام، إلا أن بعضا منها قامت على سيقانها تقاوم ضروب الدهر، وتصمد دون الرياح الهوجاء، وتستمر مسيرتها مع لغة الجلالة، فمن أبرزها مجلة البعث الإسلامي التي أصدرها الشيخ أبو الحسن علي الندوي في الوقت الذي كان البعث الاشتراكي يزحف نحو الحواضر الإسلامية ويغزو قلوب الشباب العرب، ففكر الشيخ في بعث روح إسلامي خالص يمنح للنشأ والشباب عزما وإرادة.

أما في القرن الواحد والعشرين، في القرن الذي ازدادت فيه التفاعلات الحضارية الهندية مع العالم العربي أصدرت مجلة النهضة العربية في بيئة غير ممهدة، فكانت كلية سبيل الهداية الإسلامية التي كانت مقر مجلة النهضة والتي هي من أبرز الكليات التابعة لجامعة دار الهدى الإسلامية مشنغلة بأمورها التربوية والتعليمية، كافلة لمئات الطلبة والأستاذة سكنا وتغذية وتسهيلا، فالمغاورة كإصدار مجلة تكلفها آلاف الروبيات الهندية أمر لا يرحب به تماما، لأن الكلية كعادة المعاهد الدينية في مليبار كانت توفر السكن والغذاء بشكل مجاني لمئتي طالب على مدار عشر سنوات، وقتها كانت الكلية فقد تعتمد على التبرعات التي تسدي إليها أصحاب الخير، فكانت مهمة إصدار المجلة وسط هذه الضجات أمر عسير تماما لولا تلك الجهود الجبارة والأيادي العاملة والأفكار النابضة التي عملت وراء تحقيق هذا الحلم من قبل الطلبة والأساتذة لظلت فكرة المجلة موؤودة، لكن شاء الله أن تلد هذه المجلة، أن تحقق هذه المبادرة،  فكانت الولادة أجمل وأحلى، حيث هبت مليبار العرب لتتلقى هذه المجلة بكل حب واحترام، وفي أغسطس عام 2006م تم تدشين المجلة في حفل علمي كبير عقد في مدينة كوتاكل بمديرية مالابورام، وحضر الحفل عدد من العلماء والسادة والباحثين، وقد اختزلت المجلة همة عشرات من الطلبة القادرين على افتعال جو عربي في بلد عجمي.

ومرت المجلة بمراحل شتى، كان زادها الوحيد هو الهمة العالية والإرادة القوية التي كمنت في قلوب الطلبة، لم يمروا أصلا بالتجربة الإعلامية ولم يتدربوا فنون الكتابة الصحفية ولا المنهج العلمي لإعداد المقالات والبحوث، لكنهم كانوا في غاية من الثقة، لأن منهج الكلية أكسب فيهم نبض  الإبداع  وروح الإنشاء، وعلى تلك الخطوات الصغيرة خاضوا هذه التجربة المهمة، فجاء العدد الأول انعكاسا لهذه الصور المضيئة لتعبر النهضة أفكار القراء ولتدخل إليهم من أوسع الأبواب.

وتبنى في رحلتها شعار “إسلامية دعوية فكرية”، وسجلت في صفحاتها قضايا الأمة الساخنة، وكانت القدس الشريف عنوان غلافها،  ورحبت بكل المبدعين حول العالم إلى جانب ما كانت تهتم بتطوير مهارات الطلبة المبتدئين في اللغة العربية لا سيما طلبة الكلية والآخرين من شتى الجامعات الهندية ،وكانت في المجلة أعمدة خاصة تتناول شتى الموضوعات كما كانت فيها واحة النهضة التي تنشر فيها المساهمات المنتخبة من إبداعات الأطفال المبدعين، وقد لاقت المجلة قبولا واسعا لدى القراء والباحثين وخطفت أضواء الأوساط الثقافية المليبارية، فمما صدمت الجميع أن المجلة استمرت بقوة في مسيرتها ولم تتوقف رغم التحديات التي حاصرتها بينما كانت المجلات العربية المدعومة من قبل جهات غنية تتعثر وتتدحرج في مهب الرياح، وهذا الجهد الكبير الذي قام به الطلبة أبهر الجميع لتتجمع حولهم الأنظار والأسماع وليطير صيت الكلية بكونها حاضنة اللغة العربية.

وحضور مجلة النهضة في الكلية وسعت مساحة شاسعة للطلبة للتعرف على اللغة العربية، وللخوض في مغمار الضاد بآلياتهم ومهاراتهم لتنشأ هناك منافسة جميلة من أجل الضاد.

وتميزت المجلة بحواراتها الرائعة التي أجراها المحررون لا سيما د. زين العابدين الهدوي ود. منصور الهدوي  مع قيادات عدة من مجالات مختلفة، بما فيهم سفراء الدول العربية والأدباء والعلماء وغيرهم من أهل الخبرة، ونوقشت في هذه الحوارات قضايا عدة مهمة، تطرقت إلى موضوعات لها قيمة وقامة على المستوى الدولي لتعلن من خلالها المجلة أنها لا تقف عند حدود الحاجز الإقليمي بل أبعد من ذلك إلى رؤية عالمية، وفي سنة 2014م عقدت المجلة ندوة دولية تحت عنوان الأدب العربي الصوفي الحديث في الهند والعالم العربي الذي شهد فيه نخبة من الباحثين والأكاديميين، وكانت الندوة علامة فارقة في جبهة المجلة لتظهر من خلالها إرادتها وصمودها واستمرارها في خضم الحروف، وبعد الندوة بقليل انتقلت المجلة إلى مرحلة جديدة، بل تركت الندوة آثارا وأفكارا جميلة وثقيلة على إدارة المجلة لتوجيه بوصلتها نحو عالم بلا حدود وتحويلها من الشكل الصحفي إلى شكل المجلات العالمية مع زيادة الأوراق وإضافة أعمدة وقوالب رائعة لجذب القراء، وهذا الانتقال كان بالنسبة للمجلة أشبه بالمغاورة، لأنها تعودت على إصدار أربعة وعشرين صفحة وأنها كانت لا تكلف سوى مبلغ زهيد لكن هذا الانتقال من صورة الجرائد إلى صورة المجلات العالمية تصميما وتنظيما كلفها ميزانية باهظة، لكن المجلة آمنت بضرورة هذا الانتقال فاستمرت كذلك لتصدر المجلة أنيقة ورشيقة على صور المجلات العالمية إلى جانب ما قامت المجلة على هامش الندوة بتدشين موقع جديد لتفتح بوابتها إلى كل العالم، والموقع أكسب لها قراء جديدة من المناطق العربية، وفي عام 2021م تبنت المجلة شعارا جديدا يستلهم من وحي الحاضر ويستشرف على حراك المستقبل “نبض الواقع والإبداع” كما أعادت صياغة المجلة وتصميم الموقع الداخلي بل امتدت إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي فتحت فيها مساحات كافية للموهوبين والمبدعين، وإلى الأن تقف مجلة النهضة بكل هيبة ووقار على ثغور الضاد، تظل تجمع الشباب والأطفال تحت راية اللغة العربية وتمنح لهم جوا رائعا من الإعلام والصحافة ليكونوا غدا أعلام الإعلام وصناع القرار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى