مقالاتمقالات مختارة

المثقف المزيف.. لماذا أصبحت الكتب أداة للاستعراض؟

المثقف المزيف.. لماذا أصبحت الكتب أداة للاستعراض؟

بقلم حسين شتيوي

خير جليس في الزمان كتاب.. لعل الكتاب أفضل جليس في هذا الزمن البائس.. تضاف هذه التعليقات مع صورة لمكتبة رثة بجانبها كتاب تكاد العين تبرق من لمعان غلافه وبقربه فنجان قهوة وبخار غليانه يشد لعابك لرشفة منه وكل ذلك بكاميرا تقنية ذات جودة عالية تشترى بمئات الدولارات وتنشر هذه الصورة على وسائل التواصل الاجتماعي ويتم الانتظار ومراقبتها لترقب كم من اللايكات والتعليقات سيجلب وليدور السؤال هل اختياري صحيحا أم سيكون خاطئا هل سيجلب ناس كارهة للكاتب لتعلق على الصورة وأدخل لأدافع عنه لأني اشتريت كتابه متفاخرا به وأنا لا أعرفه أصلا وهذا أول كتاب اقرأه له وأنا لم أبدا به أصلا.

يقول Jonah Berger في كتابه معدي Contagious الكتاب الذي حصل في عام 2014 في مجلة التايم على أفضل كتاب لتعلم التسويق: أول شيء يجب أن تراعيه لتسويق منتجك هو القيمة الاجتماعية بمصطلحاتنا اليوم هل يزيد هذا المنتج من مستواي الاجتماعي أمام الناس؟ هل أستطيع أن أتباهى به؟ هل يجلب لي المفخرة؟ ولتكن الصورة أقرب كيف بك إذا كنت مرتديا للساعة الذكية بدلا من الساعة العادية؟ كيف بك إذا كنت مارا بصحبة أحدهم ودعوته إلى المطعم الفلاني المعروف لأن فلان زاره أو فلان صاحبه بدلا من مطعم يقدم نفس المأكولات وربما أفضل وأشهى وأرخص؟ على ذلك نرى الآن أن سوق الكتب الآن تحول إلى سوق للماركات والموضات. فالكتاب مشهور وعليه طلب لأنه فلان قرأه ولربما يكون أول كتاب يمسكه بيده ولم ينهيه حتى. بدون أدنى تفكير بالمحتوى وبماذا يقدم لي هذا وهي سيزيد من مخزوني المعرفي والعلمي أو أنه سيكون مضيعة للوقت.

النقطة الثانية التي ذكرها الكاتب، يجب أن نربط المنتج بشيء جميل في حياتك، حيث أعلنت شركة كيت كات أنه بعد إعلانها “خدلك بريك خدلك كيت كات” زادت أرباحها 3 أضعاف. وكثير من الحركات التسويقية أيضا من شركات مختلفة. كوكاكولا “إفرح”. فتم ربط منتجنا العزيز (الكتاب) بزاوية الغرفة والغطاء الدافئ ورائحة القهوة أو ضفة النهر وورق الخريف الجاف وجميع ذلك للوهلة الأولى يدل على الهدوء. إلا أنه تم ربطه بالوحدة فكثير ما تجد المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي المتعلقة بالكتب تتحدث عن الوحدة والعزلة وأن الكتاب يكفي كصديق في هذه الحياة الظالمة. أتذكر كثير من الروايات التي ذهب الكثير إليها وهي تحمل معاني منحطة وتشير بالذل إلى الرجل. وأتذكر ذلك الكتاب الذي كان الرجل به مقيدا ككلب بيد امرأة! بأي نفس تقرأ؟ وبأي دماغ ترتقي؟ وأي حضارة ستبني؟

أتذكر أيضا ذاك الشاب الذي كنت قد غرت منه لأنه قال لي قرأت اليوم 400 صفحة. يا حرقة قلبي وأين أنا من هذا الشاب؟ وما إن شردت قليلا حتى قال لي اسم ما قرأ فكدت أن اتقيأ. جميل أن ترى من حولك ذاك الشاب الذي عيناه تنطق بذلك الكتاب الذي طالعه ويداه تعملان به وقدماه تسيران على دروب حروفه لطبيقه ولسانه يقنع الناس بأفكاره. الكتاب لم يخلق لتجعل نفسك وحيدا وتنطوي على نفسك وتذهب بنظرية: أنا وكتابي. بل خلق لتغير العالم من حولك. لتبني بما قرأت وتستفيد وتفيد. لتحقق إرادة الكاتب مما كتب. لتطبق ما تعلمت في هذا العالم الذي سادت به الظلمة. لتكون قائدا نقول عنه أنه قد تعلم وتثقف وغاص ببحور العلم. لتكون معلما أستطيع أن أرسل أولادي يتعلموا منك معنى أن تكون قدوة.

كتاب تقرأه وتستفيد منه أفضل من 300 كتاب ومكتبة جميلة وصور منشورة ليقال قارئ! لا أنكر أبدا أني كنت من الفئة التي جذبتها بعض الظواهر بسبب فلان وعلان ولكن الحمد لله سرعان ما تراجعت وأدركت خطأي وسرعان ما قد وقع كثيرا من الكتاب في هوة الخطأ والأصح في جهنم الخطأ كالتملق للحاكم الظالم ومجاهرتهم بالتطبيل والتزمير له. وأنا الآن أفكر.. كيف بي إذا ما استمريت على نفس المنهج وأنا اقرأ هذه الأفكار وأتقيد بهكذا عقول؟

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى