المثقف الأناني والمثقف القيمي: جدلية السلطة!
بقلم د. أحمد عجاج
حدثني صديق أمس عن شخص مثقف بلغ في المهجر من الشهرة العلمية مبلغا، ونال من المال قسطا وافرا، ولكنه، رغم هذه النعمة، يسارع إذا ما تحدث اليه سياسي، مهرولا للقائه ؟!
صاحبي كان يتحدث متعجبا؟!
هذا الحديث يطرح سؤالا مهما: ما هدف المثقف في الحياة؟! هذا السؤال يستولد سؤالا: ما هو المثقف؟!
لكيلا نغرق في تفاصيل نقول ان المثقف هو الذي وصل الى درجة من المعرفة تؤهله ان يفتي في أمور السياسة والاجتماع والاقتصاد! وصاحب صديقي يدخل في هذا التصنيف، ويزيد عليه ان سعته من المال تكفيه ذل السؤال عند باب السلطان، لكنه اختار محاباته لينال الشهرة، وفوقها، ربما، مزيدا من مال!
هذا النوع من المثقف هو السائد والأكثر مشاهدة، ولكن يوجد نوع آخر، يرى ان دوره اكبر من بسمة السلطان له، وأكثر قيمة من ذهب السلطة! يرى دوره ان يكون رائدا وصوتا للمعذبين، والمسحوقين، وذلك رغم قناعته التامة ان هؤلاء الذين يدافع عنهم، سيتخلون عنه عند الغُرم، ويصفقون له فقط عند الغُنم! لكن ذلك لن يعنيه لأن هدفه أبعد من ذلك؛ هدفه تأكيد قيمة الانسان وقدسية حريته، وصون كرامته! ولا يمكن تحقيق القيمة والقدسية والكرامة بلا مسعى حقيقي للانقلاب على السلطان، لقناعته ان السلطة تفسد، وان مزيدا منها، يرفع منسوب الاستبداد أكثر!
إذن نحن امام نوعين من المثقف: مثقف أناني جشع يظهر عكس حقيقته؛ ومثقف قيمي يضحي بنفسه لأجل مستقبل أفضل! ولأن السلطان مستبد بطبعه، وبالذات ان طال مكوثه في السلطة، فإن سيرورة الأحداث ستكون دائما لصالح المثقف الأناني الذي ينتقل بسرعة، وبلا شروط، لأن يكون مدافعا، ومتفانيا، ومقاتلا عن السلطان؛ وقتاله هذا هو دافع عن مصالحه الخاصة أكثر من دفاعه عن السلطان، ولكن مع انصرام السنين تصبح مصالحه مترابطة مع مصالح السلطان. وسيجهد هذا المثقف في معاداة أقرانه، بل سيشي بهم، ويشنع عليهم، سرا وعلانية، وحسب الظروف والمصلحة، وسيبرر حتى سجنهم او قتلهم!
المثقف الأناني سيصبح جليس السلطان وسيفه المعرفي، والمثقف القيمي الإنساني سيتحول الى ثائر ضد السلطان وضد المثقف الأناني؛ وبهذه الجدلية تنتهي الأحداث إما بسحق المثقف القيمي او بانتصاره على السلطان وتحوله إلى سلطة!
مشكلة المشاكل ان هذا المثقف القيمي سيجد نفسه امام أعظم امتحان: كيف يدير السلطة؟ وكيف يحفظ كرامة وحرية وقدسية الانسان؟!
ما شهدناه وما عرفناه من كتب التاريخ ان المثقف المنتصر قد يصمد، لكن حتما فإن من يأتي بعده، سيعيد دورة السلطة الى عهدها الأول، وسيلتف حوله مثقفون أنانيون، وسيظهر مثقفون معارضون لهم… وهكذا دواليك! جدلية لا تنتهي!
سنة الله ولن تجد لسنة الله لها تبديلا
(المصدر: المنهل)