اللُّغة العربيّة في يومها العالميّ
بقلم نصير محمد
تُعدّ اللُّغة العربيّة من أقدم اللغات الساميّة، فهي تسبق السريانيّة والعبريّة ، لأن العربيّة تتوافق مع الأكديّة التي سبقت السريانيّة والعبريّة، وكانت أقلّ توافقًا معها، ممّا يدلّ على قِدَم اللُّغة العربيّة وعلى عروبة اللُّغة الأكديّة.
ويحتفل العالم في الثامن عشر من شهر كانون الأول / ديسمبر من كلّ عام، باليوم العالمي للُّغة العربيّة؛ إحدى أكثر اللغات انتشارًا في العالم.
وتتمتع العربيّة بقاعدة قوية من المستخدمين، المتمثلة في أنها لغة رسمية في أكثر من عشرين دولة، واللغة الأولى لأكثر من 300 مليون نسمة، يعيشون في المنطقة الجغرافية من جنوب غرب آسيا إلى شمال غرب أفريقيا. وهي أيضًا لغة دينية لأكثر من مليار ونصف مليار مسلم في العالم، يستعملونها في الأذان والصلاة والحج وغيرها من الشعائر الدينية.
واللغة العربية إحدى اللغات الرسمية السِتِّ المعتمدة لدى الأمم المتحدة (العربية والإسبانية والإنكليزية والروسية والصينية والفرنسية).
انتشار اللُّغة العربيّة ومُميّزاتها
كان التكلم باللغة العربيّة قبل الفتح الإسلاميّ لا يتجاوز سكان الجزيرة العربيّة، وأجزاء يسيرة من العراق والشام, ولكن ما إن امتد الفتح الإسلامي واتسع مدًى حتى حلّت اللغة العربيّة محل اللغات السائدة آنذاك؛ فلقد حلّت محلّ الفارسية في العراق وبلاد فارس, والرومية بالشام، والقبطية بمصر, واللاتينية بالشمال الإفريقي.
ذكر المستشرق رنان في كتابه (تاريخ اللغات الساميّة): “أنّ انتشار اللغة العربيّة يُعدّ من أغرب ما وقع في تاريخ البشر, ومن أصعب الأمور التي استعصى حلّها؛ فقد كانت هذه اللغة غير معروفة بادئ ذي بدء, فبدت فجأة على غاية الكمال سلسة أية سلاسة، غنية أي غنى، كاملة بحيث لم يدخل عليها منذ ذلك العهد إلى يومنا هذا أدنى تعديل مهم, فليس لها طفولة ولا شيخوخة… ظهرت لأول أمرها تامّة مستحكمة, ولا أدري هل وقع مثل ذلك للغة من لغات الأرض قبل أن تدخل في أدوار مختلفة… فإن العربيّة – ولا جدال – قد عمّت أجزاءً كبرى من العالم”.
والعربيّة أغنى اللُّغات في المفردات ومرادفاتها (الثروة اللفظيّة)؛إذْ تضُمُّ أكثر من 12 مليون مفردة.
وتتميّز العربيّة بتطوِّرها؛ فقد أُميتَتْ مفردات وأُضيفَتْ إليها مفردات مُولَّدة ومُعَرَّبة ودخيلة.
وأخذ العرب – منذ القدم- الألفاظ الدخيلة وطوّعوها وأخضعوها لمنهاج اللّغة العربيّة وصِيَغها.
تأثير اللُّغة العربيّة في اللٌّغات الأخرى
ذكر المستشرقان أنجلمان ودوزي في كتابهما (معجم المفردات الإسبانية والبرتغالية المشتقة من اللغة العربية) بأن الكلمات العربية الموجودة باللغة الإسبانية تعادل ربع كلمات اللغة الإسبانية, وأن باللغة البرتغالية ما يربو على ثلاثة آلاف كلمة عربية!
وأبان المستشرق لامانس في كتابه (ملاحظات على الألفاظ الفرنسية المشتقة من العربية) ما يربو على سبعمائة كلمة عربية دخلت اللغة الفرنسية. وقدم الأستاذ تيلور بحثًا عنوانه (الكلمات العربية في اللغة الإنجليزية) ، ذاكرًا فيه ما يزيد على ألف كلمة عربية في الطبّ والكيمياء والفلك والبيولوجيا والجراحة دخلت اللغة الإنجليزية.
في حين أحصى الدكتور مهنّد عبد الرزّاق الفلُّوجيّ في معجم الفردوس قرابة 25,000 كلمة إنجليزية من أصل عربيّ.
أما عن تأثير اللغة العربية في اللغة الإيطالية، فقال رينالدي: “لقد ترك المسلمون عددًا عظيمًا من كلماتهم في اللغة الصقلية والإيطالية، وانتقل كثير من الكلمات الصقلية التي من أصل عربي إلى اللغة الإيطالية ثم تداخلت في اللغة العربية الفصحى, ولم تكن الكلمات فقط هي التي دخلت إيطاليا، وإنما تسربت أيضًا بعض جداول من الدم العربي في الجالية العربية التي نقلها معه إلى مدينة لوشيرا, الملك فريدريك الثاني… ولا يزال الجزء الأعظم من الكلمات العربية الباقية في لغتنا الإيطالية التي تفوق الحصر دخلت اللغة بطريق المدنية لا بطريق الاستعمار… إن وجود هذه الكلمات في اللغة الإيطالية, يشهد بما كان للمدنية العربية من نفوذ عظيم في العالم المسيحي”.
قالوا في العربية
قال الإمام الشافعي:
لسانُ العربيةِ أوسعُ الألسنةِ مذهبًا وأكثـرها ألفاظًا، ولانعلمه يحيطُ بجميع علمه إنسانٌ غيرُ نبيّ.
قال الألماني يوهان فك:
لقد برهن جبروت التراث العربي الخالد على أنه أقوى من كل محاولة يقصد بها زحزحة العربية الفصحى عن مقامها المسيطر.
قال الإيطالي كارلو نلينو:
اللغة العربية تفوق سائر اللغات رونقًا، ويعجز اللسان عن وصف محاسنها.
قالت المستشرقة زيغرد هونكه:
كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم جمال هذه اللغة, ومنطقها السليم وسحرها الفريد؟!
التحدّيات التي واجهتها وتواجهها اللُّغة العربيّة قديمًا وحديثّا
إنّ لغة أيّ أمة عنوان هويتها، وتزدهر مع ازدهارها في الساحات العالميّة. ومازالت لغتنا حيّة حتى يومنا هذا، ويرجع الفضل إلى القرآن الكريم الذي حافظ على أصل اللغة الأمّ ،مع تعرض البلاد لغزو كثيرٍ من الأقوام الغريبة في ثقافاتها ولغاتها.
وما زالت العربية تتعرض لموجات متتالية من التغريب والغزو الثقافي، لنزع اللغة العربية من صدور أبنائها، ومحو الهُوية الوطنية نفسها.
وقد أدّى ذلك الى انزواء اللُّغة العربيّة، وشيوع الأخطاء اللُّغوية والإملائية بين المُتخصِّصين، وفي دواوين الشِّعر، والكتب الأدبيّة، والصحف، والمجلات المتخصّصة، والعاملين في القنوات الفضائية ، ووسائل التواصل الاجتماعيّ.
فضلًا عن انتشار كثير من المصطلحات الأجنبية وإحلالها مكان العربيّة في الجامعات بحُجّة أنها جاءت ملتصقة بهذه العلوم ولا يمكن تعريبها . وهذا الأمر خلق جيلًا لا يعرف من العربيّة إلا القدر القليل من مصطلحاتها. هذا وأنّ اعتزاز كثيرٍ من المجتمعات العربيّة باللهجة العاميّة والافتخار بها وتداولها في القنوات الإعلاميّة والمحافل المجتمعيّة ومواقع التواصل الاجتماعي عزّز من إحلال هذه اللهجات على حساب اللغة العربية الفصحى.
وقد تعددت الآراء في تشخيص أسباب تراجع اللُّغة العربيّة، وفي تحديد آليات النهوض بها لوقف هذا التراجع؛ إذ يُحَمِّل بعضُهم التعليمَ ووسائلَه المسؤوليةَ الرئيسة في هذا التراجع، في حين يُحمِّل آخرون الإعلامَ الوِزْرَ، بينما يعزو آخرون التراجع إلى تخلُّف الأمة الحضاري والعلمي، وتراجعها عن دورها الرسالي في الحياة.
من أجل ذلك يجب أن تستيقظ الأمة قبل فوات الأوان وقبل أن ينشأ جيل لا يعرف من العربية إلا حروفها ثم يستبدل بالقيم والعادات العربية والإسلامية قيمًا وعاداتٍ لا تمتّ للأمّة بصلة.
النصائح المقترحة للارتقاء باللُّغة العربيّة لدى المتحدثين بها
يجب على المؤسسات التعليميّة التي تُعنى باللغة العربيّة ووسائل الاعلام الرسمية وغير الرسمية أن تقوم بحملات توعية في المدارس والجامعات والقنوات الفضائية لتسليط الضوء على أهمية اللغة العربية وعقد دورات لسد الضعف عند بعض الطلاب الذين يحتاجون إلى ذلك.
وإن النهوض بلغتنا العربية يتطلب نهوضًا حضاريًّا شاملاً للأمة، يَرْفدُه تقدم علمي بالكيفية التي يضمن لها معاودة دورها الرساليِّ في العطاء والإشعاع مجددًا، بما يعزز نشر اللغة العربية بين الشعوب، ويتطلب الأمر – فضلًا عن ذلك – اتخاذ المعالجات الأخرى المساعِدة للحفاظ على اللغة العربية، ووقف تراجعها في الاستخدام، وتوظيف الجهد بصيغة عمل جماعي على المستوى القومي، يُسهم فيه كل من يَعْنيهم الأمر من العلماء، والكُتَّاب، والهيئات، والحكومات.
لاتوجد سياسة لُغويّة، ولا اهتمام إعلاميّ أوجامعيّ مُتخصِّص في اللّغة العربيّة
وأدعو الغيورين على اللغة العربية والمنتمين إلى الأمة العربية والقائمين على إعلامها إلى تضافر الجهود الصادقة لمواجهة التحديات المعاصرة التي تواجه اللغة العربية؛ وذلك بالعمل على ما يأتي:
1-إعادة الثقة في لغتنا العربية وغرسها في نفوس أبنائها؛ وذلك بجعل اللسان العربيّ لغة للخطاب والتأليف والإعلام والدعاية.
2- اهتمام المجامع العلمية بتعريب كل ما هو جديد من مصطلحات العلوم والعمل على نشرها بالوسائل المختلفة.
3- إعادة الكتاتيب والاهتمام بالقائمين عليها لتحفيظ النشء القرآن الكريم.
4-استخدام وسائل تقنية فعالة لإيصال العلوم إلى المتعلمين بأدوات التعليم المبرمج، ومختبرات اللغات، واستخدام الحاسوب، وأجهزة الاتصال الإلكترونية.
5- وضع مقررات لغوية تناسب المتعلمين في البلاد العربية.
وضع مقررات وبرامج لغوية لتعليم العربية للناطقين بغيرها وتأهيل الدارسين في الكليات المتخصصة بذلك.
6- الاهتمام بالمهارات اللغوية(الاستماع والمحادثة والقراءة والكتابة ) في المناهج الدراسية.
(المصدر: رسالة بوست)