«اللّه أكبر»: الرّحيم
بقلم د. محمد فتحي الشوك (خاص بمنتدى العلماء)
هي صرخة واحدة «اللّه أكبر» في أحد الأماكن العامّة تكفي ليتفرّق أيّ جمع، وينتشر الذّعر والرّعب، وكأنّهم سمعوا صفّارات إنذار، يفرّون في كلّ الاتّجاهات لا يلوون على شيء، كأنّهم حمر مستنفرة!
عند حدوث أيّ حادث، حتّى ولو كان انفجار أسطوانة غاز للطّهي، فيكفي أن يذكر شاهد بأنّه سمع أحدهم يردّد «اللّه أكبر» ليتحدّث الجميع عن طبيعته الإرهابية دون حاجة إلى تحقيق، أو البحث عن دليل، لتقطع وسائل الإعلام برامجها وتنقل الخبر على عجل!
«اللّه أكبر» صارت تعني: تفجيرًا، دمارًا، قتلًا، دماءً، ذبحًا، دهسًا، قطعًا للرّؤوس، هي تختزل كلّ صورة ذاك الغول الهلامي الّذي يسمّى إرهابًا، هي من أكثر العبارات الّتي يردّدها المسلم في يومه، ويقصد بها التّعظيم والتّكبير، فما الّذي حوّلها إلى أن تؤدّي المعاني الحصريّة للتفجير والتكفير والتصغير؟
«اللّه أكبر» عبارة عظيمة خفيفة على اللّسان ثقيلة في الميزان، يقولها المسلم في يومه أكثر من سبعين مرّة، ويسمعها أكثر من ذلك، بها يؤذّن للصّلاة وبها تقام، وبها يضبط إيقاعها وتنظّم حركاتها.
اللّه أكبر تقال في الأعياد عند التكبير والتهليل تعبيرًا عن البهجة والفرح.
اللّه أكبر تقال في الصّعاب، وعند حدوث أمر جلل، اللّه أكبر تقال للتّعبير عن الإعجاب، اللّه أكبر تقال في الجهاد الحقّ، اللّه أكبر تقال في الميلاد، اللّه أكبر تقال في الوفاة، اللّه أكبر تقال في الذّكر، وهي من أعظمه «الباقيات الصّالحات»، اللّه أكبر تقال في كلّ يوم وفي كلّ حين، هي عبارة عظيمة، جامعة، موحّدة، حافظة، فيها كلّ معاني الاعتراف بقدرة الله وعظمته وكبريائه.
«الله أكبر» تعني في ظاهرها أنّ اللّه أكبر من قائلها، وأكبر ممّن قصده بقوله، وأكبر ممّا يتخيّله أو يتصوّر، هي تذكر في كلّ الحالات، وفي جميع الأحوال .
«اللّه أكبر» لا تعني ضرب الرّقاب وقطع الرّؤوس وسفك الدّماء، ذاك ما يراد تسويقه في إطار عمليّة إعادة صياغة الرّموز والعبث باللّاشعور الجمعي.
فتكرار جملة «اللّه أكبر» مع مشاهد الدّم والدّمار والإرهاب وتمرير ذلك في شكل جرعات يومية للمتلقّي، حوّلتها إلى حافز يستثيره ويدخله في حالة من الرّهاب، فيكفي لأحدهم أن يصرخ بها في مكان عام؛ لترى أثرها على الجمهور، ومن المستحسن أن يكون ملتحيًا مرتديًا قميصًا وماسكًا القرآن، لتكتمل الصّورة النّمطية، وتحدث الصّدمة المرجوّة. ذلك ما أنتجته مختبراتهم للتوجيه والهيمنة والسّيطرة، تمامًا كما صارت راية التّوحيد الّتي تحمل رمزيّة أسمى ما يؤمن به المسلم دليل إدانة، عليه تمزيقها ورفسها بقدميه؛ ليثبت حسن استقامته وبراءته لمجرّد أن حملتها مسوخ بشريّة هي من إنتاجهم.
وزيادة على كلّ معاني عبارة التّكبير من استعظام لقدرة الله وإذعان لعظمته وإقرار بكبريائه، مع اعتراف بالضّعف والعجز أمام جبروته، فللجملة معاني رياضيّة يمكن استنباطها، ومعاني أخرى يمكن التوصّل إليها بالتحويل الرقمي.
فاللّه أكبر في الأذان إعلان بدخول وقت الصّلاة «الصّلة والاتّصال»، والّتي لا تصحّ إلا بتكبيرة الإحرام «دخول في مجال الاتّصال» وحركاتها مضبوطة بإيقاعها.
اللّه أكبر هي إذن فتح للمجال، وهي تحديد رياضي لذلك المجال، ليكون الأكبر، ممتدّ إلى ما لا نهاية، بلا حدّ ولا عدّ، أكبر ممّا نتخيّل أو نتصوّر أو ندرك.
«الله أكبر» كلمتان خفيفتان على اللّسان ثقيلتان في الميزان، 8 أحرف وعدد جملي بقيمة 289 «اللّه أكبر:1+30+30+5+1+20+2+200=289»
وهي نفسها قيمة العدد الجملي لاسم الله الرحيم «الرحيم:1+30+200+8+10+40=289»
وهو ما يعني أنّ «اللّه أكبر»= الرحيم، بما يعني أنّ المعنى الحقيقي لعبارة «اللّه أكبر» هو الرحيم، فبذكرنا اللّه أكبر نفتح المجال الّذي نريده الأكبر، وليس أكبر من مجال رحمته الّتي وسعت كلّ شيء، والنّداء باللّه أكبر هو دعوة لدّخول في ذلك المجال: مجال الرحمة.
«وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ» «156 من سورة الأعراف» صدق الله العظيم، وبلّغ رسوله المصطفى الأمين المبعوث رحمة للعالمين، ونحن على ذلك من الشاهدين، وبه مؤمنون ومصدّقون.