مقالاتمقالات مختارة

الليبراليون في الخليج العربي: الماضي والحاضر السياسي

الليبراليون في الخليج العربي: الماضي والحاضر السياسي

بقلم معتز ممدوح

بين ليبرالية تبحث عن الحريات السياسية والاجتماعية وحقوق الإنسان، وليبرالية أخرى منخفضة الأسقف مزدوجة المعايير لا تزال تتعاطى مع القضايا الحقوقية بمنظور مزدوج يقسم البشر إلى مواطن ووافد، تنقسم مواقف النخبة الخليجية السياسية والثقافية بين الماضي والحاضر.

لم يكن يعبر سلوك النائبة الكويتية صفاء الهاشم في تنديدها برد فعل وزيرة الهجرة المصرية تجاه تعرض امرأة مصرية مقيمة بدولة الكويت للضرب علي يد مواطنين كويتيين عن موقف منفرد في هذا الإطار، بل عن أزمة نخبة اجتماعية في التعاطي شبه العنصري على المستويين الحقوقي والسياسي مع الوافدين.

النشأة والوجود الاجتماعي والخطاب الثقافي و تطور أولويات الأجندة السياسية لليبراليين الخليجيين، نضعها هنا تحت المجهر.


نشأة التيار الليبرالي في الخليج العربي

يمكننا أن نؤرخ لبداية ظهور الخطاب الليبرالي في منطقة الخليج العربي بدءًا من العقد الثاني من القرن الماضي، ولاسيما في الكويت والبحرين ودبي، حيث تعد موانئهم هي الأكبر والأنشط تجاريًا في منطقة الخليج في ذلك الوقت، مما ولد احتكاكًا مستمرًا مع الشعوب والثقافات الأخرى من خلال السفر والتجارة، هذا فضلًا عن انتشار التعليم وزيادة أعداد المتعلمين هناك بصورة تفوق بلدان الخليج الأخرى.[1]

كما أن أثر انتشار الأندية الثقافية ووجود مجتمع مدني جنيني هناك، مثل نادي «إقبال أوال» الذي تأسس في البحرين عام  1913م والنادي الأدبي الذي تأسس هناك أيضًا في عام 1919م، والنادي الأدبي الذي تأسس في الكويت عام 1924م.، وقد عمل الجوار الكويتي للعراق بوجه خاص على تأثر المثقفين الكويتيين بالتجربة العراقية في التحديث الإداري والاجتماعي والتعليمي.[2]

علي خلفية كل تلك العوامل المؤثرة ظهرت بعض التيارات الليبرالية في منطقة الخليج العربي، مثل حركة عام 1921 في الكويت، التي تكونت تحت قيادة التجار الكويتيين لمواجهة تدخل الأسرة الحاكمة في التجارة واحتكار السلع، وحركة المجلس في عام 1938 في الكويت، التي نادت بإنشاء مجلس تشريعي في الكويت وإقامة وحدة مع العراق، والحركة الإصلاحية في البحرين عام 1938 التي نشأت كصدى لثورة عام 1936 في فلسطين ضد العصابات الصهيوينة والجيش البريطاني.[3]

كان من أبرز أعمال تلك الحركة الإصلاحية البحرينية هي سعيها لتوحيد جهود السنة والشيعة على حد سواء ضد الاستبداد السياسي وضد الوجود البريطاني في المنطقة، وقد شهد عام 1938 أيضًا ظهور لحركة إصلاحية في إمارة دبي بعد بدء عمليات الاستكشافات النفطية، طالبت بمنع استئثار العائلة الحاكمة بعائدات النفط، واحتجاجًا على بعض سياسات الشيخ سعيد بن مكتوم التجارية في دبي، واستطاعت الحركة رغم القمع الذي تعرضت له في البداية إنشاء مجلس أعلى للإمارة يقوم بمراقبة عوائد الجمارك والنفط والطيران، إلا أن هذا المجلس تم حله سريعًا في مارس 1939.[4]


الليبراليون وتطور الحركة السياسية والنقابية في الخليج

باستثناء إضراب عمال شركة نفط البحرين «بابكو» في ديسمبر عام 1943، احتجاجًا على تدني الأجور وظروف العمل السيئة، لم تشهد منطقة الخليج العربي حركة سياسية أو عمالية ذات أهمية خلال فترة الحرب العالمية الثانية.[5]

إلا أنه بعد نهاية تلك الحرب، ومع ارتفاع الوعي السياسي لأبناء منطقة الخليج بسبب انتشار المذياع، وتصاعد حركات التحرر الوطني والمد القومي في العالم العربي، وانتشار طباعة الصحف والمجلات، وتوافد اللاجئين الفلسطينيين بكثرة إلى المنطقة؛ بدأت العديد من الحركات السياسية السرية في الظهور.[6]

من أبرز التنظيمات الليبرالية التي خرجت إلى حيز الوجود في هذا السياق، الحزب الوطني الديمقراطي في الكويت، العصبة الديمقراطية الكويتية، اللذان برزا على الساحة بدءًا من صيف عام 1954، وكان برنامجهما السياسي يطالب بإلغاء الحماية البريطانية وإعلان الاستقلال وتأسيس مجلس تشريعي.[7]

شهد عام 1954 أيضًا تشكل الهيئة التنفيذية العليا في البحرين وكذلك اللجنة الوطنية للدفاع عن البحرين، وكانت من مطالبهما حرية تأسيس النقابات وتأسيس مجلس تشريعي وإنهاء النفوذ الأجنبي في البلاد.[8]

في وقتنا الحاضر تبدو تسميه الليبرالية في منطقة الخليج من الاتساع بحيث باتت تشمل بقايا جماعات اليسار الخليجي، وبقايا حركة القوميين العرب والبعثيين، بالإضافة لعدد من الشخصيات المنخرطة في سلك الدولة والعمل الحكومي.[9]

ويبدو كل هؤلاء أقرب إلى الليبرالية في شقها الاجتماعي، حيث نجدهم على المستوى السياسي بعيدين إلى حد كبير عن الإيمان الحقيقي بمبدأ التعددية وقبول الآخر، لاسيما في موقفهم من التيارات الإسلامية والمتدينين.[10]

ويصعب بوجه عام لليبرالية السياسية أن تتجذر، ما لم تعبر عن القطاعات الأوسع من المجتمع على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما لم يحدث حيث نشأت الليبرالية الخليجية في أوساط الانتلجنسيا والطبقة الأرستقراطية التقليدية في المجتمع الخليجي من التجار والأعيان ورجال الدولة والكتاب والأكاديميين والفئات العليا من المهنيين كالأطباء والمحامين، وواجهت صعوبات كبيرة في النزول إلى الطبقات الأقل حظًا في المجتمع.[11]


الليبراليون الخليجيون والصحوة الإسلامية

بعد حرب الخليج الثانية وتحرير دولة الكويت، شهدت منطقة الخليج العربي تحولًا تاريخيًا في المواقف بين الإسلاميين والليبراليين، حيث ساءت العلاقة بين التيارات الإسلامية وحكومات دول الخليج بسبب معارضتها لتواجد القوات الأمريكية في المنطقة، بعد عقود من العلاقات الطيبة مع السلطات الخليجية التي انحصرت معارضتها تقريبًا في السابق بعض الاتجاهات الليبرالية واليسارية.[12]

هنا تبدلت المواقف حيث اقترب التيار الليبرالي أكثر فأكثر من السلطة، بينما هُمش الإسلاميون في الخليج، وصاروا مع مرور الوقت هم رافعة المعارضة السياسية لأنظمة الحكم الخليجية، ليشكل هذا حالة من الاستقطاب ازدادت حدتها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، وبلغت ذروتها لدى اندلاع الربيع العربي الذي شهدت بداياته صعودًا سياسيًا لتيار الإسلام السياسي، وهو ما أقلق بشدة بعض العواصم السياسية الخليجية.[13]

ولهذا يعتقد التيار الليبرالي في الخليج أن اشتداد الخناق علي الإسلاميين ولاسيما بعد أحداث الـ11 من أيلول/ سبتمبر، والتضييق على مؤسساتهم وجمعياتهم الأهلية والخيرية ومنظماتهم الدولية غير الحكومية الإغاثية منها والدعوية؛ قد أسهم في تسريع وتيرة المشروع الليبرالي، وأن المرحلة القادمة هي مرحلة الانتقال نحو هذا المشروع[14]، وهو ما يعبر عنه الكاتب السعودي تركي الحمد في قوله إن: «هذه المرحلة التي نعيشها هي مرحلة انتقالية ضرورية، بين زمن قد ولى وجديد في طريقه إلى القدوم».[15]

ويقول أيضًا: «إننا نعيش في لحظة تنويرية ثالثة إن صح التعبير هذه الأيام، تجعلنا أكثر تفاؤلًا بأن النهضة الفعلية في طريقها إلى القدوم برغم كل عوامل التشاؤم والكآبة المحيطة».[16]

نستطيع أن نرد هذه الخصومة بين التيارين الليبرالي والإسلامي، إلى موقف الليبراليين الخليجيين من الدين والتراث نفسه، حيث يرى بعضهم أن الدين يمثل عائقًا أساسيًا أمام التقدم [17]، ويبررون لهذا بتبريرات عديدة، من بينها ما يطرحه المفكر والأكاديمي الكويتي أحمد البغدادي قائلا: «الشعوب الإسلامية فريسة مرض الازدواجية بين مثالية الدين وواقعية الحياة، التي تأبى الانصياع لهذه المثالية»[18]

فبحسب البغدادي فإن غلبة الأفكار الدينية على الثقافة السائدة، يؤدي إلى عدم تمكننا من التحول من الحالة الدينية إلى الحالة الحضارية كما جرى في أوروبا، ويؤدي إلى تنامي ظواهر العنف المسلح وروح الرفض للحاضر والخشية من المستقبل، والمطالبة باستعادة ماضٍ غير قابل للاستعادة لفقدان الأسباب الموضوعية لإعادته على حسب زعمه.[19]


الليبرالية الخليجية تفشل في امتحان المواطنة

بحسب الكاتب و الباحث السعودي محمد المحمود  يعاني التيار الليبرالي في منطقة الخليج من تناقضات صارخة بين مقولاته ومنطلقاته النظرية ومواقفه السياسية،فالمرء بحسب تعبيره: «إما أن يكون ليبراليًا، وإما أن يكون عنصريًا، ولا مجال للجمع بين متناقضين أشد ما يكون التناقض والخصام».

في مقال ثان للمحمود عن ذات الموضوع يرى الأخير أن ترتيب أوضاع الوافدين في دول الخليج  بات: «يشي بنزعة عنصرية فاقعة » تبدأ من انكار دور أولئك الوافدين في تنمية وتطوير بلدان الخليج، وتنتهي بتحميلهم كل مصائب المجتمع الاقتصادية والاجتماعية، في تبنٍ لذات المواقف التي تتبناها تيارات وأحزاب اليمين العنصري في الغرب، التي ترى في المهاجرين خطرًا ثقافيًا وديموجرافيًا، واقتصاديًا عبر منافسة المهاجرين للمواطنين البيض على الوظائف.

بنهاية المطاف يتساءل المحمود هل هذه الحالة «الفصامية» واعية؟ أم مجرد تناقضات يمليها العقل اللاواعي والمكبوتات على الليبراليين الخليجيين؟ ثم يرد على تساؤله بأنه يرى أن هذه الحالة هي شبه واعية، لأنها حالة نفعية حيث يريد «الليبراليون العنصريون» في منطقة الخليج بحسب وصفه، أن تمنحهم دولهم كل ما تمنحه دول الغرب الليبرالي لمواطنيها؛ من دون أن يوافقوا على أن تمنح دولهم للوافدين أو البدون أو غير المجنسين بعض ما تمنحه دول الغرب الليبرالي للمهاجرين والعاملين على أراضيها.

(المصدر: موقع “إضاءات”)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى