نعم إنها الثورات التي كشفت زيف أغلب الجماعات بكل ألوانها فرأينا أن في دولنا العربية إن كان هناك ليبراليين مطالبين بالحرية فهم من صنيعة الحكام فأنظمتنا تغلبت على الدول الاخرى في صناعة المعارضة الموالية أكثر من غيرها، فاليوم المعارضة الموالية تتصدر الشاشات بوجه آخر وكأنهم رجال الأمن في لغتهم، ففي مصر مثلاً انظر إلى الإعلامين كيف كانوا يهددون الثوار وإلى الآن إنهم إذا خرجوا للساحات سيجدون مالا يسرهم رغم أن هؤلاء الشباب خرجوا لينادوا بالحرية ويعبرون عن آرائهم المتماثلة مع آراء الليبرالية إلى حد كبير التي تهدف للحرية والمساواة وكيف رحبوا بالانقلاب العسكري لأنه ضد خصومهم من الإخوان المسلمين وصفقوا للانقلاب في كل خطوة يخطيها حتى وإن كانت ضد بلدهم وهذا إن دل إنما يدل على أن مثل هذا التيار صنع في أروقة الحكومات.
وكيف أيضاً لدولة مثل الإمارات تدعي أنها دولة علمانية وتروج نفسها بالخارج على هذا الأساس أصبحت لا تتبنى مبادئ الليبرالية وإن ادعت ذلك، فهل شاهدتهم عندما حدث الانقلاب العسكري التركي كيف صفقوا وفرحوا بذلك، متناسين أن حكم العسكر أتى لتكميم أفواه الناس المطالبين بحرية التعبير التي يريدها التيار الليبرالي أيضاً كما يدعون، فكن على ثقة أيها القارئ أن الليبرالية العربية اليوم ما هي إلا جامية العصر التي أتت لتبرر سياسة دولها من نظرة ليبرالية، كما الجامية أتت لتبرير سياسة دولها من نظرة دينية فهم وإن اختلفوا في الأسماء يرجعون لحضن واحد هو الأدفئ، إنه حضن السلطة وإذا أردت أن تعلم الفرق بين الليبرالية والجامية فلن تجد شيء يذكر غير أن الليبرالية صبغة سياسية والجامية صبغة دينية فكلاهما يتبعون أمر الحكام وأيضا يريدون تغيير الثوابت والمبادئ فالأول يغيرها تحت ستار الحرية والثاني يغيرها تحت ستار طاعة ولي الأمر وكلاهما قريبين من بلاط السلطة حتى أن أحد دعاة الجامية يُدعى “حمد العتيق” صرح بما معناه أن الجامية والليبرالية لبنة واحدة في التصدي للمؤامرات.
حمد بن عبدالعزيز العتيق: أحد دُعاة الجامية
ففي تونس تراهم أعطوا فرصة حرية التعبير إلى حد كبير مقارنة بغيرهم وفي تركيا حدث ذلك وفي غيرها استطاعوا الدمج بين الدين وحرية التعبير السياسي لعدم وجود تعارض على عكس الليبراليين الذين اصطدموا بالدين لأنهم لم يتعمقوا بالبحث فيه وأيضا لم يتعمقوا بفهم فكرة الليبرالية لعدم انتمائهم الحقيقي لهذا التيار وأن مشروعهم هو تهيئة الشعوب لشيء قادم مثل الاندماج مع الشعوب الأخرى والقبول بهم والتطبيع مع كيانات لم تكن الشعوب يوما ما تتوقع أنها ستتقبلهم فأصبح اليوم من الصعب أن نقنع شبابنا أننا نطالب باسترداد حقوقنا فقط وهذا الأمر طبيعي، ومجرد أننا نحدثهم بهذا سيوشون بك أنك تتبع للتيارات الإسلامية، نعم فأي أحد يتكلم عن الحرية والعدل سيتهمونه بتبعيته للإسلاميين فهل رأيتم كيف ظهر الحق على ألسنتهم دون علمهم فهم يربطون مصطلحات الحرية والعدل بالإسلاميين لتعلم عن مدى التقارب الكبير بين مفاهيم الليبراليين والإسلاميين.
اعلم أيها القارئ أيضا أن هذا التيار الليبرالي العربي الذي عصفت به الثورات العربية ليس لديه حاضنة شعبية، ومن الصعب تقبله في بلداننا العربية لعدم وجود سياسة واضحة له فهو الباب الذي يدخل منه الأعداء لصهرنا في إناء واحد مع كل القوى المعادية لدولنا ومع النظام العالمي الذي يرى دولنا منجم للثروات ودفع ضرائب الحماية وكأنهم يتماشون مع اعتقاد الفيلسوف الألماني “ايمانويل كانط” الذي ينص على إمكانية تأسيس نظام عالمي فيدرالي من خلال تمتين الترابط الاقتصادي والأمني والثقافي، فمن المستحيل تمتين هذا الترابط بدون وجود توجه ثقافي موحد للشعوب، فالليبرالي اليوم خالف مبادئه الأساسية كالحرية والمساواة لذلك أصبح يتعارض فكره مع الجميع سواء مع الإسلاميين أو القوميين أو الشيوعيين وغيرهم وغيرهم.
فهو فكر إقصائي بحت لا يؤمن بوجود الآخرين وانظر إليهم كيف يهاجمون مخالفيهم بتطرف وعدوانية وسخرية لإسقاط كل المفاهيم المخالفة لهم مع أنهم دائما يتغنون بكلمة حرية التعبير حق لكل شخص فكأنهم يقولون قل ما تشاء ولكن لا تتدخل على أرض الواقع بشيء وابقى بعيداً عن الشؤون الاجتماعية فهل هذه هي الحرية التي يتحدثون عنها، والليبراليين يعرفون قدرهم في الشارع العربي فأكثر ما يخيفهم حرية الرأي نعم حرية الرأي وهذا ما كشفته الثورات العاصفة بهم حيث أن الذي أخافهم الانتخابات الحرة، وقد صرح “علاء الأسواني” قائلاً بأن بعض الفئات الشعبية ليست بالضرورة أن تذهب لصناديق الاقتراع وهذا يخالف مبدأ المساواة فأثبتت الثورات أنهم منبوذين في المجتمعات العربية وليس لهم حاضنة لأن الليبراليين العرب لا يلقون بالاً للشعوب المسحوقة والطبقة الفقيرة التي تمثل الأغلبية في المجتمع فهم غالباً ينتمون للطبقة المترفة وقريبين من السلطة أكثر من غيرهم.
الآن إن أردت منك أن تخبرني باسم قائد ليبرالي عربي له وزن لن تجد أبداً وذلك لأنهم انصهروا في السلطة فأصبحت الأخيرة هي من تقودهم ولن يجدوا لهم إلى الآن قائد له كاريزما كجمال عبد الناصر للقوميين أو صدام للبعثيين أو حسن البنا للإخوان، وبالطبع القائد مهم لكل تيار ليلتف حوله الشعوب.
ثم آخر ما أنهي به مقالي أيها القارئ وهو الخلاصة أن الليبرالية العربية ليس فكراً حراً ولا يكترث بمبادئ الحرية والمساواة، بل يتبنى سياسة الإقصاء وأنه لن يتعلم من الليبراليين سوى افتتاح النوادي الليلية وشرب الخمر ونزع الحجاب وغير هذا، وأن هذا التيار لدينا كما قلت تيار نخبوي لا يمتلك أدوات الوصول للسلطة كما صرح بهذا المفكر “عزمي بشارة” وهو فعلا كذلك فهو مقرب من السلطة ولكنه ليس حاكماً وأن هذا التيار لدينا إنما نشأ نتيجة ردة فعل ضد صعود التيار الاسلامي ووصولهم للسلطة فسرعان ما خلعوا عباءتهم ليظهروا لنا تطرفهم في التعامل مع الاسلاميين وكن على يقين أن هذه التيارات مصيرها الزوال فمن يستمد قوته من السلطة سيزول مع زوال السلطات المتهالكة ومن يفوز هو آخراً من يستمد قوته من الشعوب المسحوقة التي تتشوق للحرية.