اللحظات الأخيرة في حياة الصحابي القائد خالد بن الوليد رضي الله عنه
بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)
خالد بن الوليد هو الصحابي الجليل خالد بن الوليد بن المغيرة المخزوميّ، والدته هي لبابة بنت الحارث وقد أسلمت -رضي الله عنها-، وكانت كنيته -رضي الله عنه- أبو سليمان، ولد -رضي الله عنه- بمكة المكرمة، وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد لقّبه بسيف الله المسلول بعد أن أبلى بلاءً حسناً في غزوة مؤتة، وهي أول غزوة له بعد إسلامه، فأثبت فروسيته في القتال مع المسلمين، فقد كان -رضي الله عنه- قائداً شجاعاً ومقداماً يهابه الأعداء، وقد دخل الإسلام -رضي الله عنه- في السنة الثامنة للهجرة، وكان ذلك قبل فتح مكة بستة أشهر، وقد قاتل مع المسلمين فيما يقارب المائة معركة، وقد تزوّج -رضي الله عنه- من عدّة زوجات، كانت منهنّ كبشة بنت هوذة، وقد أنجب منها سليمان، وتزوّج من أم تميم الثقفية وأنجب منها ابنه عبد الله الأول، كما تزوج من ابنة أنس بن مدرك وأنجبت له كلاً من: عبد الرحمن، والمهاجر، وعبد الله الأكبر.
وفاة خالد بن الوليد رضي الله عنه:
دخل أبو الدَّرداء على خالد في مرض موته، فقال له خالد: يا أبا الدرداء ! لئن مات عمر؛ لترينَّ أموراً تنكرُها. فقال أبو الدرداء: وأنا والله أرى ذلك ! فقال خالد: قد وجدت عليه في نفسي في أمورٍ، لمَّا تدبَّرتها في مرضي هذا، وحضرني من الله حاضرٌ؛ عرفت: أنَّ عمر كان يريد الله بكلِّ ما فعل، كنت وجدت عليه في نفسي حين بعث من يقاسمني مالي، حتَّى أخذ فرد نعلٍ وأخذت فرد نعلٍ، ولكنَّه فعل ذلك بغيري من أهل السَّابقة، وممَّن شهد بدراً، وكان يغلظ عليَّ، وكانت غلظته على غيري نحواً من غلظته عليَّ، وكنت أدلُّ عليه بقرابته، فرأيته لا يبالي قريباً، ولا لوم لائم في غير الله، فذلك الَّذي ذهب عنِّي ما كنت أجد عليه، وكان يكثر عليَّ عنده، وما كان ذلك إِلا على النَّظر: فقد كنت في حربٍ، ومكابدةٍ، وكنت شاهداً، وكان غائباً، فكنت أعطي على ذلك، فخالفه ذلك في أمري. (تهذيب تاريخ دمشق، 5/116).
ولما حضرته الوفاة، وأدرك ذلك؛ بكى، وقال: ما من عملٍ أرجى عندي بعد لا إِله إِلا الله من ليلةٍ شديدة الجليد في سرِيَّةٍ من المهاجرين، بتُّها وأنا متترسٌ والسَّماء تنهلُّ عليَّ، وأنا أنتظر الصُّبح حتَّى أغير على الكفَّار. فعليكم بالجهاد، لقد شهدت كذا، وكذا زحفاً، وما في جسدي موضع شبرٍ إِلا وفيه ضربةٌ بسيفٍ، أو رميةٌ بسهمٍ، أو طعنةٌ برمحٍ، وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء ! لقد طلبت القتل في مظانِّه، فلم يُقَدَّرْ لي إِلا أن أموت على فراشي. (خالد بن الوليد، صادق عرجون ص، 348).
وأوصى خالدٌ أن يقوم عمر على وصيَّته، وقد جاء فيها: وقد جعلتُ وصيَّتي، وتركتي، وإِنفاذ عهدي إِلى عمر بن الخطَّاب، فبكى عمر ـ رضي الله عنه ـ فقال له طلحة بن عبيد الله: إِنَّك وإِيَّاه كما قال الشاعر:
لاَ أَلْفَيَنَّك بَعْدَ الْمَوْتِ تَنْدُبُنِي وَفِي حَيَاتِي مَا زَوَّدْتَنِي زَادِي
فقد حزن عليه الفاروق حزناً شديداً، وبكته بنات عمِّه، فقيل لعمر أن ينهاهنَّ، فقال: دعهنَّ يبكين على أبي سليمان ما لم يكن نقعٌ، أو لقلقةٌ، على مثل أبي سليمان تبكي البواكي.
وقال عنه: قد ثَلَمَ في الإِسلام ثلمةً لا ترتق، وليته بقي ما بقي في الحمى حجر، كان والله سداداً لنحور العدوِّ، ميمون النَّقيبة. (الأنصار في العصر الرَّاشدي، ص 216).
وعندما دخل على الفاروق هشام بن البختري في ناسٍ من بني مخزوم، وكان هشام شاعراً، فقال له عمر: أنشدني ما قلت في خالد، فلمَّا أنشده؛ قال له: قصَّرت في الثَّناء على أبي سليمان ـ رحمه الله ـ إِن كان ليُحبُّ أن يذلَّ الشِّرك وأهلُه، وإِن كان الشَّامت به لمعترضاً لمقت الله، ثمَّ تمثَّل بقول الشَّاعر:
فَقُلْ لِلَّذِي يَبْغِي خِلافَ الَّذِي مَضَى تَهَيَّأْ لأُخْرَى مِثْلَهَا فَكَأنْ قَدِفَمَا
عَيْشُ مَنْ قَدْ عَاشَ بَعْدِي بِنَافِعِي وَلا مَوْتُ مَنْ قَدْ مَاتَ بَعْدِي بِمُخْلِدِي
ثمَّ قال: رحم الله أبا سليمان ! ما عند الله خيرٌ له ممَّا كان فيه، ولقد مات فقيداً، وعاش حميداً، ولقد رأيت الدَّهر ليس بقائلٍ. هذا وقد توفي، ودفن بحمص ببلاد الشَّام عام 21 هـ، رحمه الله رحمةً واسعةً، وأعلى ذكره في المصلحين. (الأنصار في العصر الرَّاشدي، ص، 216).
ملاحظة: استقى المقال مادته من كتاب: “عمر بن الخطاب”، للدكتور علي الصلابي، واستفاد كثيرا من مادته من كتاب: “خالد بن الوليد”، للدكتور صادق عرجون.
المراجع:
- تهذيب تاريخ ابن عساكر، دار إِحياء التُّراث العربي، بيروت، الطَّبعة الثَّالثة 1407 هـ 1987 م.
- خالد بن الوليد، صادق عرجون، الدَّار السُّعوديَّة، الطَّبعة الرَّابعة 1407هـ 1987م.
- تاريخ الأمم والملوك، لأبي جعفر الطَّبري، دار الفكر بيروت، الطَّبعة الأولى 1407 هـ 1987 م.
- البداية والنِّهاية، أبو الفداء الحافظ ابن كثير الدِّمشقي، دار الرَّيَّان، القاهرة الطَّبعة الأولى 1407 هـ 1988 م.