الكيان الصهيوني بعد 76 سنة
بين مكر الصهاينة ومن يدعمونهم ومكر رب العالمين
بقلم أ. عماد الدين عشماوي (خاص بالمنتدى)
مرت منذ أيام (14 مايو) ذكرى اغتصاب فلسطين على يد العصابات الصهيونية بدعم من بريطانيا وأمريكا والاتحاد السوفيتي السابق وباقي دول أوروبا، ومضى ما يزيد على قرنين ونصف منذ بدايات المسألة الصهيونية على يد نابليون بونابرت، وخلال هذه المدة الطويلة للمسألة الصهيونية والقصيرة من عمر الدولة الصهيونية القصير مرت مياه كثيرة في مجرى تاريخ الصراع.
نحاول في هذا المقال تتبع مراحل صعود دولة الكيان لذروة ما تظنه الأمن والرخاء والهيمنة، ثم نزولها سريعا في ساعات قلائل لما قبل مائتي عام مضت، منذ محاولات غرس هذه النبتة الشيطانية النتنة في أرض المقدسات تفريقا للأمة ووأد أي محاولات لإعادة بعثها من جديد، وكيف مكر الكيان ومن يدعمونه وكيف مكر الله؟ لعلنا نعتبر ونؤمن ونعمل ليوم يفرح فيه المؤمنون بنصر الله التام للأمة على نفسها وعلى أعدائها فتكون شاهدة على العالمين تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتعبد الله حق عبادته.
لو رجعنا للوراء بضعة شهور إلى يوم السابع من أكتوبر في العام الماضي سنجد أن الكيان ومن يدعمونه كانوا يعيشون شعور النصر والثقة والتفاؤل بمستقبل مشرق آمن، فقد كان الكيان بحسب تصريحات قادته المجرمين يعيش شعور بأنه في أفضل فتراته السياسية، فالحامي الرئيسي له: أمريكا، يحكمها رئيس حمضه النووي كله صهيوني، وصهيونيته تفوق صهيونية أي صهيوني، وحدث ولا حرج عن اتساع شبكة علاقاتها مع دول أفريقية ولاتينية قاطعتها حتى الأمس القريب، وسلام العشق الحرام مع دول الخليج ومصر والأردن والمغرب والسودان والبقية في الطريق، والحدود كلها آمنة إلا من مناوشات لا خطر منها في لبنان، والموقف في فلسطين تحت السيطرة تماما، وغزة هادئة ساكنة منضبطة تماما، وطريق الهند المفتوح على الرخاء والاختراق الاقتصادي والثقافي الكامل للمجتمعات العربية بدأ أولى خطواته للتحقق، ومخطط تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن وباقي الدول العربية في سبيله للتحقق.
وكما دخل الكيان عامه السادس والسبعين ظافرا منتصرا مزهوا بانتصاراته تلك آملا في استكمال حلم إسرائيل الكبرى في الأفق المنظور، كان رئيس حكومته (بنيامين نتانياهو)، يدخل تاريخ بني صهيون من أوسع أبوابه: الملك الذي لا يقهر، ومحقق النبوءات، وأكثر شخصية في الكيان السارق جلست على كرسي رئاسة الحكومة ليسبق بذلك مؤسس الدولة العبرية ديفيد بن غوريون نفسه، وليعد الزعيم الأكثر قدرة على حكم الكيان وتحقيق أمنه في نظر غالبية قطعان المستوطنين السارقين لفلسطين.
كان نتنياهو –حتى يوم السابع من أكتوبر-واثقاً من نفسه لدرجة الغرور، ومن يطالع وجهه الأغبر وهو يتهلل فرحا وكبرا وغرورا يوم صعد على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 سبتمبر/أيلول الأسود بحق، للإعلان عن تدشين خريطة “الشرق الأوسط الجديد” التي تقودها دولة الكيان الصهيوني ويتبعها قطعان المطبعين العرب. ثم إعلانه بثقة وفخر عن الجائزة الكبرى: التطبيع مع مملكة آل سعود قائلا: “أعتقد أننا على أعتاب اختراق أكثر دراماتيكية: “سلام تاريخي مع المملكة العربية السعودية”.
وليس ذلك فحسب كل ما كان يشعر به من زهو وفخر وكبر، بل كان استمراره في الغرور القاتل بنجاحه في تطبيق نظريته عن السلام التي أعلنها منذ عقود في كتابه “مكان تحت الشمس” -غير مسبوق في فجاجته- عن مفهوم السلام الذي يراه مع العرب، والقائم على فك الارتباط بين حل المسألة الفلسطينية والتطبيع مع الحكومات العربية، وأن الأخير هو الذي يقود للأول وليس العكس، وتفاخر بتحقق ذلك أخيرا بقناعة حكام العرب قائلا: إن الفلسطينيين أصبحوا مجرد فكرة لاحقة لكل من إسرائيل والمنطقة الأوسع. وقال: “يجب ألا نعطي الفلسطينيين حق النقض على معاهدات السلام الجديدة”. “الفلسطينيون لا يشكلون سوى 2% من العالم العربي.”
امسك نتنياهو بالخريطة، وحدد دولته مظللة باللون الأخضر مع دول التطبيع الموقعة والتي بسبيلها المضل للتوقيع. وشمل ذلك فلسطين بأكملها من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط. ثم أخرج قلمه الأحمر ورسم خطاً من دبي على طول الخليج، مروراً بالكيان الصهيوني وباتجاه موانئ جنوب أوروبا. وبشر ببداية بناء “ممر” الرخاء المفترض الذي يربط بين هذه الدول العربية والكيان الصهيوني في قلب محور جديد للتجارة العالمية يربط آسيا بأوروبا.
وقال مزهوا: “قبل بضع سنوات، وقفت هنا مع علامة حمراء لإظهار اللعنة، اللعنة الكبرى، لعنة إيران النووية”. “ولكن اليوم، أحمل هذه العلامة لإظهار نعمة عظيمة. نعمة الشرق الأوسط الجديد بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية وجيراننا الآخرين“.
وعلى الرغم من أن الاجراءات الأخيرة التي اتخذها نتنياهو لتغيير شكل الحكم وتوازناته في الكيان من خلال قانون تعديل السلطة القضائية لجعل الدولة تسير نحو نظام خاضع له شخصياً، مما أدخل الدولة في خلافات كبيرة وانقسامات عميقة بين الرافضين والمؤيدين وتدخل الدولة الراعية الأم للكيان برفض القانون والدعوة لمراجعته لخطورته على الكيان ذاته، إلا أنه كان واثقا من أنه سيتغلب على ذلك كله، فما يعد به من جوائز عظيمة لم تحلم بها أمريكا ولا قطعان المستوطنين، وفي سبيلها سيتغاضون عن أي شيء، ولو كان أساس دولتهم القائم على الفصل بين السلطات، ومنع شبهة تأبيد الحكم التي هي آفة العرب المميتة والتي أتاحت للكيان حياة مديدة.
هكذا كانت الصورة: دخل الصهاينة عامهم السادس والسبعين وهم في أعلى حالات علوهم في أرض المقدسات: القدس عاصمة معترف بها رسميا من الأمريكان، صفقة القرن تسير في طريقها المرسوم، فك الاشتباك بين التطبيع العربي مع الكيان، وحل المسألة الفلسطينية، وعود بالرخاء وموقع المركز في المنطقة سياسيا وعسكريا واقتصاديا بدلا من الوكيل.
ولم يكن نتنياهو وحده مزهوا في التعبير عن هذه الرؤية لشرق أوسط “جديد”، فقد شاركه ذلك كله الأمريكان والعرب المطبعين والمنتظرين على مقاعد الخضوع للتطبيع مع الكيان؛ وفي المقدمة مملكة آل سعود في ثوبها الصهيوني الجديد وملكها الشاب الأرعن. فقد آن الأوان للجميع أن يعلن عن قناعاته الحقيقية، وأهدافه النهائية وغاياته التي لا غايات بعدها في هذه الحياة: الحياة لعب ولهو ومتع ولا مجال فيها لجهاد أو إيمان أو آخرة.
إنه وقت الخروج من النماذج القديمة والأديان القديمة والمعتقدات التي لا تنتج متعا وترفا ولهوا، نحن في زمن السلام الواعد بالرخاء والحياة السهلة، نحن في زمن الديانة الإبراهيمية: زمن الأخوة بين القاتل والمقتول، بين السارق والمسروق، بين المؤمن والكافر، بين أصحاب الأرض ومن سرقوها، بين الإنسان والشيطان، لقد تخلص الجميع من صيحات الشعوب التي هبت تطلب كرامتها وأمنها وحريتها وعودتها إلى دينها وعقيدتها ودورها في الحياة، وسكنت غالبية الشعوب بعد هياج وعادت تطلب قوت يومها وأمنها ولا من مزيد إن وجدت لذلك سبيلا، وفلسطين تبدو هادئة -وفي القلب منها غزة، بعد أن قنعت من المسيرة الطويلة للجهاد بالفتات الذي يلقيه لها الصهاينة وملوك الخليج، فكيف بها لو تدفقت عليها مليارات الدولارات وصارت خزانا للعمالة الماهرة وغير الماهرة للمنتجعات التي يبنيها ملك النفط لتكون ملاذا للباحثين عن اللذة من شذاذ الآفاق على طول شواطئ الأمة في مصر والحجاز والشام فيما يسمى بمشروع “نيوم” وبعد أن أصبحت دبي نقطة جذب للسياح الإسرائيليين.
وهناك في البيت الأبيض الذي يسكنه أسود القلب الصهيوني بايدن كانت الخطط تجهز والاتفاقات يتم مراجعتها لتكون جاهزة للتوقيع في احتفال يليق باتفاق القرن الحقيقي والقران الرسمي بين أكبر محميتين للأمريكان في المنطقة: مملكة آل سعود والكيان الصهيوني، ولتبدأ حقبة جديدة من الهيمنة على المجتمعات العربية المسلمة لم تعرفها الأمة من قبل. صفقة العمر لبايدن وصفقة التاريخ للإمبراطورية لعلها تعيد لها بعض قوتها الذاهبة إلى التراجع بقوة: قوة الدولار مع آبار النفط وقوة المكانة الروحية للمقدسات الإسلامية في أرض الحرمين وبيت المقدس كلها تجتمع معا لتعطي الإمبراطورية الواهنة قبلة جديدة للحياة.
هكذا خيل إليهم جميعا، لكن هيهات هيهات فمكر الله من ورائهم ومكر الله عظيم، في ظل هذه الأجواء الاحتفالية المتفائلة، ومشهد الزهو الفريد، وبعد أسبوعين ليس إلا من خطاب نتنياهو الصفيق المستكبر، قامت قيامة الجميع، وصحا الحالمون على كابوس مريع، وأيقظ الملك بيبي من نومه مذعورا كما الإمبراطور الأمريكي الذي ينبض حمضه النووي بصهيونيته المتطرفة، ليروا كيف تدك حصونهم وتتهاوى أحلامهم على أيدي رجال مؤمنين، وقام ملوك وأمراء ورؤساء العرب المطبعون من نومهم مذعورين على صريخ الصهاينة وصيحات النصر والتكبير من أرض فلسطين، فتنادوا قائلين: يا ويلنا لقد أحيط بنا وإن لم ينقذنا الأمريكان إنا من شعوبنا لمدركون
ففي أحد أيام الله المشرقة من شهر أكتوبر 2023م، وتحديداً في اليوم السابع من الشهر تحقق تحذير ديان القديم من انتقام الفلسطينيين ممن اغتصبوا أرضهم وقتلوا آبائهم وإخوانهم، بطريقة لم تخطر على بال، وبحرب لم تكن في الحسبان، وبمهارة فاقت كل مهارة، وخداع استراتيجي غلب كل استحكامات العدو ومخابراته ومخابرات أعوانه من الأمريكان والأوروبيين والعرب أجمعين.
ومن خلال خطة حربية ستدخل تاريخ استراتيجية الحروب من أوسع أبوابها، وضع أسسها محمد الضيف ويحيى السنوار وإخوانهم من قادة الجهاد، ونفذها رجال الجهاد ممن خفيت أسماؤهم عنا وأعلنت في السماء، قام المجاهدون الفلسطينيون بغزو الكيان الصهيوني في حوالي 30 نقطة على طول حدود غزة. وحققوا المفاجأة الكاملة، حيث اجتاحوا دفاعات الكيان الضعيفة وشرعوا في مهاجمة مهرجان موسيقي، وبلدات صغيرة، وأكثر من 20 كيبوتسًا. وقتلوا حوالي 1200 من قطعان المستوطنين، وأسروا أكثر من 200 أسير وأسيرة. لقد جاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا. لقد عاد أحفاد عمر وصلاح الدين الذين تغذيهم روح الإيمان والجهاد للانتقام من قتلة الأنبياء وسراق الأرض والتاريخ.
كانت المفاجأة مذهلة. إنه مكر الله ومكر الله شديد، إنه نصر الله ونصر الله عزيز، إنه عون الله وتوفيقه وتوفيق الله كبير.
ووجد “الملك بيبي” كما يطلق عليه، والذي طالما تباهى بأنه حقق الأمن والرخاء لإسرائيل، وأنه في طريقه لتحقيق إسرائيل الكبرى، وجد نفسه في يوم قيامته أمام قطعانه المستعمرين، وأمام حلفائه من العرب المطبعين، وأمام أسياده من الأمريكان المتصهينين، وجد نفسه عاريا من كل قوة وسند وبرهان، عاريا من كل حجة كان يتفاخر بها، عاريا من التكنولوجيا التي لا يغلبها بشر، عاريا من الأمن الذي وعد به قطعانه المستوطنين وغلمانه المطبعين، عاريا من قوة الاستخبارات التي تعرف كل شيء، لقد وجد نفسه في أتون حرب جهادية يذوق فيها أهوال الموت، ووجد الإمبراطور الأمريكي شريكه الصهيوني في قلب “حطين” جديدة.
كان يوم 7 أكتوبر وسيظل أسوأ كارثة في تاريخ الكيان الصهيوني وراعيه الأمريكي وقطعان المطبعين، إن يوم السابع من أكتوبر نقطة تحول فاصلة في تاريخ الكيان كدولة، وفي تاريخ كل مستوطن غاصب فيه، وكل صهيوني داعم له في أمريكا أو أي مكان آخر على وجه الأرض. أنه ليس يوما كسائر الأيام، إنه سيظل محفورا في العقول والقلوب طيلة هذا القرن حتى تتحرر فلسطين.
وعلى الرغم من أن الرد كان قاسيا وهمجيا في القتل والتدمير من الكيان وربته الأمريكية، فاستشهد ويستشهد الآلاف من الفلسطينيين ودمر ويدمر أحياء بأكملها في غزة. ولكن المعادلة تغيرت والحال انقلبت، أو كما يقول الجبرتي “أول سِنين الملاحم العظيمة، والحوادث الجسيمة، والوقائع النازلة، والنوازل الهائلة، وتضاعف الشرور، وترادف الأمور، وتوالي المحن، واختلال الزمن، وانعكاس المطبوع، وانقلاب الموضوع، وتتابع الأهوال، واختلاف أحوال وفساد التدبير، وحصول التدمير، وعموم الخراب، وتواتر الأسباب، وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون“.
لقد تعالى العداء للصهيونية ودولتها في العالم أجمع، وفي عقر دار حراستها: أمريكا، وفيما بين اليهود أنفسهم، وفي الطبقة الشابة منهم على وجه الخصوص، وفي ذلك آية أي آية، وخراب أي خراب على بني صهيون.
وشبت نار الحمية في قلب غالبية أبناء العرب المسلمين ولم نعدم بيتا إلا وقد ألهبت الحمية لفلسطين وأهلها واحدا منه، بل إن الأطفال الصغار عرفوا عداوة الكيان ولن ينسوه أبدا، وتراجعت حكومات التطبيع عن غيها وعارها وانعدام حيائها الذي أعلنته عشية غزوة طوفان الأقصى، فبعد أن استنكروا وبعد أن طلبوا علنا من ملكهم المتوج بيبي أن ينتهي سريعا من القضاء على حماس حتى يعودوا لعروشهم آمنين، وجدوا الشعوب تطالبهم بواجباتهم في حدها الأدنى، فعادوا خطوة واحدة للوراء مطالبين بما تطالب به الشعوب حتى حين.
لقد أثبتت غزوة طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول أن وعود نتنياهو لقطعان المستوطنين ولراعيه الأمريكي ولقطعانه من العرب المطبعين كانت جوفاء. كما أثبتت أن أهل فلسطين؛ وفي القلب منهم أهل غزة العزة لا يبيعون دينهم وأرضهم ومقدساتهم بأموال الدنيا ورغد الدنيا، وأن الشعوب لم تمت، وأن ربيع الأمة وإن أجهضته أيدي آثمة في أمريكا وأوروبا والخليج وبتفرقنا واختلافنا إلا أنه ثابت بكل يقين في القلوب، جمرته مشتعلة تنتظر الخروج الكبير: لقد سمع بيبي وقطعانه من المستوطنين والمطبعين، وبايدن وتابعوه من الأوروبيين، أصوات الأمة وهتافات الأمة تتردد على شفاه المجاهدين، وهم يجوسون خلال الديار، في فلسطين: “هذه أرضنا” أثناء عبورهم الحدود لمهاجمة الكيبوتسات، وسمعوا صدى ذلك في قلب غالب العرب في كل بقعة من أرضنا.
لقد أجبرت غزوة السابع من أكتوبر المباركة كل المستعمرين والخائنين، مرة أخرى، على إدراك أن الصراع ، صراع وجود، وأن المسألة ليست سهلة كما كانوا يظنون، وأن توالي السنين وعمليات التدمير الممنهجة للدين والثقافة واللغة والهوية والتاريخ لم تفلح في حرف أهل فلسطين عن وجهتهم الصحيحة، وأن كل مظاهر السلبية والخنوع والمهادنة التي كانت طافية على السطح وتنبئ بموت الشعب العربي المسلم، واستسلامه لسلام القطعان من الحكام، محض خرافة وأن تحت الرماد وميض نار يوشك أن يثور.
لقد كانت غزوة السابع من أكتوبر قدرا من أقدار الله، ورحمة منه لعباده المؤمنين، وبشرى بنصر عظيم في لحظة فارقة في تاريخ الأمة كادت تيأس فيها القلوب وتقنط من روح الله، وفي لحظة كانت إمبراطورية الشر تعد نفسها لغنيمة باردة جديدة عظيمة تدفع بها عن نفسها بعض أعراض شيخوختها، وكانت على قطعان المطبعين من الحكام العرب- الذين ظنوا أن عروشهم وكراسيهم قد خلصت لهم أبد الآبدين- كالصاعقة التي نزلت بأقوام كثيرين سابقين، فقد ظنوا أن اتفاقات إبراهام عارضا ممطرهم فكانت ما استعجلوا به غزوة عظيمة ويوم من أيام الله عظيم فيه لهم عذاب أليم.
وكانت غزوة طوفان الأقصى قاصمة الظهر لكيان طغي وعلا في الأرض وظن أنه قادر على أمتنا، ولقائده الذي ظن أنه سيكون مسيحهم الكذاب الجديد الذي سيحكم الكيان لا معقب لحكمه، ويحكم أمة العرب أجمعين، لقد ظن هذا المغرور أنه سيفلت من أصعب لحظة انقسام في تاريخ الكيان بسبب قانونه القضائي لتقويض مؤسساتها الديمقراطية وتحويلها إلى دولة استبدادية عصبية عصابية على غرار دويلات التطبيع ومشيخاته. وظن أنه قادر بالتطبيع مع مملكة آل سعود أن يتغلب على الشقاقات والانشقاقات داخل مجتمع الكيان والتي هددت بتمزيق الكيان قبل الحرب، فكانت الغزوة المباركة النار التي اشتعلت فيما تبقى له من آمال في الحكم والهيمنة، وما للكيان من تماسك واهن.
سيظل يوم السابع من أكتوبر المبارك يمثل نقطة تحول في تاريخ أمتنا وتاريخ الكيان وداعميه حتى يتحقق نصر الأمة، ولكن الأمر متروك للعرب المسلمين ليقرروا نوع نقطة التحول وزمانه، إذا استجابوا أخيراً لأوامر ربهم، ووعده لهم، ولبشارة النصر المتحققة على أيدي إخواننا في غزة العزة وعموم فلسطين، فساعتها من الممكن أن تجتمع الأمة وترسم الطريق إلى تحرير القدس عبر تحرير كل مدينة عربية من دنس المطبعين والمتصهينين. وساعتها سيكون يوم 7 أكتوبر بداية بعث جديد للأمة وظلام أكيد للصهاينة ومن يدعمونهم، ودحرهم وعودتهم من حيث أتوا أو قتلهم ليلحقوا بمن سبقوهم من آبائهم إلى جهنم داخرين.