الكورونا ومعركتنا مع غلاة العلمانيين
بقلم راجي سلطاني
العلمانيون واهمون، يظنون أنهم سيجدون لهم مكاناً في أمة الإسلام، وهذا وهم لا يدانيه وهم؛ فأمة الإسلام مهما بلغ بُعد أبنائها عن الإسلام سلوكاً وممارسة، فإنه يبقى في دواخلهم فِطرة إسلامية صافية، توقن هذه الفطرة في الله ودينه، وتعادي أية فكرة تعاديهما، وتشتاق للزمان الذي تظللها فيه شريعة الله وحكمه.
وغلاة العلمانيين هم قوم تعدت علمانيتهم إلى حدود غير متخيلة، وأنبأت عن حقيقتهم، التي هي رفضٌ للدين بالكلية وليس مجرد رؤية فيه.
في جائحة الكورونا -التي يفترض أن تعيد الناس إلى ربهم ودينهم؛ فلا ملجأ من الله إلا إليه في مثل هذه البلايا والجوائح والمخاوف- نجد غلاة العلمانيين وهم يجعلون كل عملهم محاربة الدين والهجوم عليه وعلى شريعته ونصوصه وعلمائه.
فعندما نقول لهم: إن الذي يحدث في هذا الوباء المرعب إنما هو غضب من الله على الذين ظلموا وابتلاء منه للذين آمنوا.
يقولون: هذا خطابكم البائس الذي تتحدثون به في كل نازلة.
ويقول كبير لهم ما نصه: “يقولون كورونا جند من جنود الله أرسله لتأديب الإنسان المتكبر، قالوا عن الجدري كذلك حتى قهره (جينر) بالعلم، وشلل الأطفال حتى تحداه (د. سولك) وقهره، وشمتوا في إصابة المصريين بفيروس سي كما شمت كبيرهم في هزيمة ٦٧ الى أن انتصر عليه (د. شينازي)، سيذهب كورونا إلى نفس المتحف آخذاً معه تجار الدين”!
فما هذا الذي يتقيؤه هؤلاء الغلاة!
ليعلم هؤلاء أن الله قال في كتابه في نصه القاطع: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى:30].
فما يصيب الكفار والظالمين من مصيبةٍ فبكفرهم وظلمهم، وهو من عاجل العقوبة التي يعجلها الله لهم في الدنيا، وما ينتظرهم من العقوبة في الآخرة أشد وأبقى.
وما يصيب المؤمنين من مصيبةٍ فبتقصيرهم وذنوبهم، وهو من البلاء الذي يغفر الله لهم به، ليأتوه يوم القيامة مغفوراً لهم قد بدلت سيئاتهم حسنات، ذلك إن صبروا وتابوا وأنابوا إلى ربهم.
وبرغم أن الابتلاءات والمصائب هي من الله تقديراً لحكمة منه، إلا أنه -سبحانه وتعالى- حثنا على مواجهة هذه الابتلاءات والمصائب لإنهائها وتحجيمهما والتغلب عليها، ولم يأمرنا بالاستسلام لها تحت ادعاء أنها من قضاء الله المقصود.
وفي الأوبئة خاصة، جاءت الأحاديث التي تدعو للتداوي من كل داء، وكذلك الأحاديث التي تدعو للحجر الصحي، والتي سبق بها الإسلام طب العصر الحديث بمئات السنوات.
ويتمادى هؤلاء الغلاة من العلمانيين، ويجدون في الحدث بغيتهم في الإشادة بعلماء الأحياء والكيمياء في مواجهة الوباء، وإعلائهم على علماء الدين، بل والازدراء بالدين وعلمائه.
يقول كبيرهم ما نصه: “كل عيون سكان الكرة الأرضية متوجهة لمين دلوقتي؟، لعلماء المعامل ومراكز الأبحاث أم لعلماء فقه الحيض والنفاس وتحريم الشطاف في رمضان وتوزيع صكوك الغفران في الجنة والتخدير بدموع حائط المبكى!، أصبح علينا الاختيار ما بين بطولة الباحثين وبطالة رجال الدين وبطانتهم من المغيبين”!
ويقول: “أغلقت المعابد والمساجد والكنائس واختفى رجال الدين في العالم منذ أسبوعين بسبب الكورونا، هل حدث اضطراب في الدنيا!، هل أحس الكون بنقص أو خلل؟ فليسأل كل منكم نفسه ماذا لو اختفى الأطباء وأغلقت المستشفيات لمدة أسبوعين؟”.
يا أيها الفجّ المغالي، إنما يتوجه الناس جميعا في مثل ما نحن فيه إلى الله أولاً، وكذلك المحرّفون والمبدّلون من أهل الديانات السابقة على الإسلام.
يتوجه الجميع إلى الله أولاً، وقد قال تعالى: {قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأنعام:63] فلا ينجي من الظلمات والمصائب والبلايا إلا اللّه أولاً.
ثم إن الله – كما ذكرنا آنفاً – أمرنا بالأخذ بالأسباب، وبالتالي، فبعد أن يتوجه الناس إلى الله بالتوبة والدعاء، يتوجهون لطلب الأسباب المادية والتطلع لأربابها من البشر.
لا تضاد بين أن يتطلع الناس لعون السماء ويتطلعوا لأسباب الأرض في الآن ذاته، المسألة مسألة جمع وترتيب فقط، يتطلعون إلى عون السماء ثم يتطلعون إلى أسباب الأرض.
لا تضاد بين أن يتطلع الناس لعون السماء ويتطلعوا لأسباب الأرض في الآن ذاته، المسألة مسألة جمع وترتيب فقط، يتطلعون إلى عون السماء ثم يتطلعون إلى أسباب الأرض
وقد دعا هؤلاء الغلاة – أول ما دعوا – إلى إلغاء الجُمع والجماعات في المساجد، مع أنهم يرون كما نرى أن الناس يتجمعون ويتدافعون في كل مشاهد حياتهم الأخرى، في الطرقات والمواصلات العامة والقطارات والأسواق وغيرها.
وغلاة العلمانيين لا يلتفتون لذلك، إنما الذي يشغلهم التأكيد على إلغاء الجمع والجماعات، فهي في أنظارهم التجمعات الوحيدة التي ستنشر العدوى، ويا للعجب!
ويتمادى هؤلاء الغلاة، ويهاجمون الاقتراح بإذاعة القرآن الكريم من مكبرات المساجد، ويرون فيه إزعاجا غير حضاري، ويهاجمون كذلك حملات التكبير التي أنشأها الناس من شرفاتهم ونوافذهم وفي شوارعهم لجوءاً لربهم واستغاثة به وذكراً له.
وقال كبيرهم ما نصه: “تكبيرات البلكونات وأدعية الشرفات أثبتت أن الإسلاميين يحتاجون إلى دروس تقوية في علوم الفيزياء والاتصالات، فعندما نزلوا الشارع لاستكمال التكبير والدعاء نسوا شيئاً مهماً وهو أن البلكونات أعلى من الشارع وأقرب للسماء لذلك سيصل الدعاء أسرع ونسوا أن سيجنال التكبير أفضل في البلكونات 4G”.
استهزاءً بدعاء الناس لربهم ولجوئهم إليه، مع أن هؤلاء لو لاحظوا سيعلمون أن الله ينزل المصائب ليهرع الناس إليه ويتضرعوا له، وهذا هو أول طريق الناس في مواجهة المصائب والتغلب عليها.
قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} [الأنعام:42].
وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون:76].
وقال تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنعام:43].
ولم ينس هؤلاء الغلاة أن يهاجموا الطب النبوي، وهو المصطلح الذي يشير للأدوية التي جاءت فيها نصوص نبوية أو قرآنية.
يقول كبيرهم ما نصه: “صديقي حذيفة من أصحاب نظرية الاكتفاء الذاتي بعلوم الأولين والراسخين فيه، لذلك مع الكورونا قرر الاستعانة بالحبة السوداء والسبع تمرات، ثم طرق باب الحجامة، وشرب بول البعير، والتهم أجنحة الذبابة التي عليها الدواء، وبعدها لجأ إلى ماء زمزم، وعندما سألته عن النتيجة أطرق رأسه خجلاً وصمت”!
ومهما حاول هؤلاء التطاول على نصوصنا القرآنية والنبوية الصحيحة القاطعة، فسنظل نحن – أبناء الإسلام – بها متمسكين ولها مصدقين.
ويجب على مراكز البحث العلمي الإسلامية أن تبحث في هذه لتستخلص منها العقاقير، ولا تقتصر عليها، بل تبحث في غيرها من هنا ومن هناك، وتجعل لها الأولوية الأولى.
قال تعالى في عسل النحل: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ} [النحل:69].
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم – في الحبة السوداء: “الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام… أي الموت” (رواه البخاري).
العلمانيون أغبى الناس، واهمون مغيبون، لا يعلمون أنهم يزرعون في أرض لن تقبل إلا نبت الإسلام، وكل محاولاتهم في الزرع والإنبات لأفكارهم ستؤول بالفشل، فأرض الإسلام لا تنبت إلا للإسلام وبالإسلام وفي الإسلام.
وغلاة العلمانيين كذابون مخادعون، يرفضون الدين بالكلية، ويدّعون أنهم لا يرفضونه، وإنما يرفضون فهمه الخاطئ من رجال الدين.
وليس الخطأ في الحقيقة إلا في فهمهم هم لنصوصه وفي تأويلاتهم الباطلة، وليس الخطأ في الحقيقة الأحق إلا في ادعائهم الإيمان.