بقلم الدكتور فتحي ابو الورد
لفت نظرى مبكرا وأنا طالب فى الجامعة كتابان فى تنبيه المتدينين إلى بعض الأمراض القلبية التى تصيب النفوس فى مقتل ، ومن ثم كان التوجيه إلى تداركها قبل
استفحالها واستعصائها على العلاج .
أول هذين الكتابين للشيخ الدكتور عبد الرشيد صقر – رحمه الله تعالى – خطيب مسجد صلاح الدين بالمنيل – بعنوان” علل التيار الإسلامى ” ، وثانيهما للشيخ الدكتور
السيد نوح – عليه رحمة الله – بعنوان “آفات على الطريق ” . ومازلت أذكر جيدا وصف بعض الدعاة المربين للمدارس الفكرية الإسلامية بأنها مستشفيات لمرتاديها ،
ذلك لأن فيها المريض والممرض والطبيب .
وقد رأيت من علل بعض المتدينين والمتصدرين من أبناء التيار الإسلامى الكبر ، وقد جاء فى صحيح مسلم من حديث ابن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم فى
تعريف الكبر أنه “بطر الحق وغمط الناس” . وبطر الحق هو دفعه وإنكاره وعدم قبوله ترفعا وتجبرا ، وغمط الناس أى احتقارهم .
وقيل الكبر هو: استعظام الإنسان نفسه واستحسان ما فيه من الفضائل والاستهانة بالناس واستصغارهم والترفع على من يجب التواضع له .
وفى ترهيب المتكبر جاء قوله صلى الله عليه وسلم فى صحيح مسلم :” لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر” .
ومن أضرار الكبر – كما قال بعض االباحثين – الحرمان من النظر والاعتبار ، ومن حرم النظر والاعتبار، كانت عاقبته البوار والخسران ، وكذلك من أضراره القلق
والاضطراب النفسى ذلك أن المتكبر يحب – إشباعاً لرغبة الترفع والتعالي – أن يحني الناس رؤوسهم له، وأن يكونوا دوماً في ركابه، ولأن أعزة الناس وكرامهم يأبون
ذلك، بل ليسوا مستعدين له أصلاً، فإنه يصاب بخيبة أمل، تكون عاقبتها القلق والاضطراب النفسي .
بعض المتكبرين من المتدينين صنعهم التصدر المجتمعى ، كما صنعتهم الآلة الإعلامية ، وجعلت منهم نجوما مثل نجوم السينما قديما ، وطاب لهم هذا المقام ، وعاشوا
عليه واطمئنوا به .
يريد بعضهم إذا تكلم أن يسكت الجميع ، وإذا نطق فلا قول بعد قوله ولا معقب عليه ؛ فقوله الفصل ، يستنكف أن يراجعه أحد ، فهو يرى نفسه أكبر من أن يراجع ، وإذا
مشى فلقى قوما أحب أن يبدؤوه بالسلام ، وإذا حضر انتظر أن يوسع الناس له فى المجالس ، وإذا باع أو اشترى رأى من الواجب أن تقدم مصالحه على غيره ، وتقضى
حوائجه قبل غيره ، كأنما يتأكل بتدينه . ولم لا ؟! فظهوره وشهرته يجب أن يكون لها ثمن وضريبة وتضحية عند من يرغبون فى الاقتراب منه ، أو ينالون شرف
الصلة به .
ومن قبل قال الشيخ دراز : ليست الشهرة دليل فضل ، وليس عدمها دليل نقص ، فكم من صالح استتر ، وكم من عاطل ظهر .
بعض ضعاف النفوس من الإمعات التابعين يساهمون – بوعى أو بغير وعى – فى صناعة المتكبرين ، ونفخ الفارغين على حساب شخصياتهم وذواتهم .
وفى أمثال هؤلاء ممن يحبون أن يلتف الناس حولهم ، ويستكثرون بهم فى الغدو والرواح ، كان النصح المباشر لهم ولمن حولهم واجب المبصرين لهم قبل أن يستفحل
الداء ويستعصى على الدواء .
كتب يوسف بن الحسين الرازى إلى الجنيد الصوفى الزاهد ناصحا : لا أذاقك الله طعم نفسك ، فإن ذقتها لا تفلح .
ولما رأى عمر الناس ملتفين حول الصحابى الجليل أبى بن كعب أحد الذين يؤخذ عنهم القرآن ، علاه عمر بالدرة لحكمة رآها ، كما جاء فى سنن الدارمى ، قال سليم بن
حنظلة : أتينا أبي بن كعب لنتحدث إليه، فلما قام قمنا، ونحن نمشي خلفه، فرمقنا عمر رضوان الله عليه، فتبعه، فضربه عمر بالدرة. قال: فاتقاه بذراعيه، فقال: يا أمير
المؤمنين: ما تصنع؟ قال: ” أو ما ترى؟ فتنة للمتبوع، مذلة للتابع؟” .
ولما تولى عمر الخلافة ، وناداه الناس بأمير المؤمنين ، فى الذهاب والإياب ، توقف الفاروق مع نفسه ، وتأمل أثر مثل هذا اللقب على قلبه ، وأنه من الممكن أن يغيره
ويفتنه ، حتى سمعه بعض الصحابة من وراء حائط يكلم نفسه مؤدبا ويقول : عمر بن الخطاب ..أمير المؤمنين ..والله لتتقين الله يا عمر أو ليعذبنك الله .
وفى شأن المتدينين المتصدرين المتكبرين ومن على شاكلتهم كان الراحل الكريم الشيخ الغزالى يقول :”أصلحوا أنفسكم أو اتركوا مواقعكم فلسنا بحاجة إلى علل أخرى”.
نحن بحاجة إلى العودة من جديد إلى محاضن التربية لنتعلم ونعمل ونجاهد أنفسنا للتخلق بالفضائل ، عافانا الله تعالى وإياكم من الكبر.
المصدر: بوابة الشرق.