القوى الـمَدنيّة تتحمّلُ مسؤوليّة الانقلاب العسكري في السودان
حوار مع د. حسن سلمان – حاوره عبد الحميد قطب
قال الدكتور “حسن سَلمَان” الباحث في الدراسات السياسيّة والشرعيّة: إنّ ما جرى في السودان مُؤخراً نتيجةً طبيعيّة لتحالفِ القوى المدنيّة التي تحكّمتْ في المشهدِ السياسي مع المكوّن العسكري، مُحمِّلاً القوى المدنيّة المسؤوليّة بعد أن فشلتْ في تسوية خلافاتِها ومنعتْ انقلابَ العسكر.
وأكّد في حواره مع “الحقيقة بوست” أنّ انتصار “طالبان” سيؤثر بشكلٍ كبيرٍ في طبيعة التفكير الإسلامي ومنهجيات التغيير، لافتاً إلى أنّ النهضة التركيّة من أهمّ روافع تحررِ الأمّة واستعادة نموذجها الحضاري.
وأشار إلى أنّ “قيس سعيد” يتحركُ الآن ضمن أجندات الثورة المضادة، مُنوّهاً إلى أنّ السعودية تحتاج لتعزيز هويتها الإسلاميّة لمواجهة التحديات الداخليّة والخارجيّة.
وإلى نص الحوار..
ـ: بداية.. ما رأيكَ في الأحداث التي جرتْ في السودان، وما الأسباب التي أدّت إلى الانقلاب العسكري؟
ـ الأحداث الجارية في السودان هي نتيجةٌ طبيعيةٌ لتحالف القوى المدنية، التي تحكّمت في المشهد السياسي بعد سقوطِ نظام البشير والمكوّن العسكري الذي أعطى غطاءً للمكوّن المدني لينفرد بالمرحلة الانتقالية. حيث تمتْ الشراكةُ بين المكونين بناءً على الوثيقة الدستورية، والتي كانت فيها ثغرات عديدة، ومع ذلك لم يتم الالتزام بها، وللأسف الشديد حصلتْ حالة من تبادل المصالح بين الطرفين، وخاصة في تعطيل مُؤسسات المرحلة الانتقالية، وممارسة التمكين الحزبي لبعض أطراف القوى المدنية دون بعضها الآخر، مما فتح المجال للاستياء والتذمر من القوى المدنيّة التي شعرتْ بتغيبها عن صناعةِ القرار السياسي، وكان على رأس هذه القوى الجبهة الثوريّة حاملة السلاح سابقاً.
وقد فشلت القوى المدنية في تسوية خلافاتها، وإعادة هيكلتها، وتجنيب البلادِ تدخلِ العسكر وهيمنتهم مرة أخرى، وهنا تدخّلتْ المؤسسةُ العسكرية التي لم تكن راضية عن الأداء العام للمجموعة المدنيّة المتحكّمة في السلطة، ووجد العسكر فرصتهم في تصفية حساباتهم مع المكون المدني المتحكّمِ في المشهد السياسي، وقد تدخّل الجيشُ مُعلناً حَلّ الحكومة ومجلس السيادة والحاضنة السياسية “الحرية والتغيير”، ولكنّه في ذات الوقت أعلن الالتزامَ بالوثيقة الدستوريّة، والذهاب للانتخابات، وتشكيل حكومة كفاءات وطنيّة. ولكن يبقى التحدي الأكبر مدى جدّية الجيش في هذه الالتزامات، وقدرة القوى السياسية على فرض إراداتها على العسكر.
انقلاب تونس
ـ: ربما تتشابه الأوضاعُ السودانيّةُ مع ما يجري في تونس.. إلى أين برأيكَ تتجه الأوضاع في تونس؟
ـ الأوضاع في تونس تتجه في ذات المسار العام الذي تتجه إليه الدول العربية، التي تدخّلتْ فيها قوى الثورة المضادة، لتعطيل عمليّةِ التحول نحو الحريّات، وبناء مؤسسات ذات سيادة ومرجعيّة شعبيّة، ولمزيد من النفوذ والهيمنة الغربيّة التي تعمل على سرقة الموارد، وتعطيل الطاقات البنائيّة في المجتمعات العربيّة، ولكن ربما الوضع في تونس تأخر قليلاً عن بقيّة البلدان لعوامل داخليّة ساهمتْ في ذلك، ولكن من الخطأ أن نتصور بأنّ الشعوب العربية ستعود إلى ذات العهود السابقة، التي سادَ فيها الطغيانُ والجبروتُ فهذا غير وارد، ولكن ستختلف طريقة التعامل مع مؤسسات الدولة والثقة فيها، كما سيختلف الأمر في التعاملِ مع القوى الدوليّة التي ظهرتْ على حقيقتها كونها معادية لحرية الشعوب وتطلعاتها، فقد ثبتَ أنّها العدو الحقيقي للشعوب المسلمة، وأنّ ضرب الشعوب وسحقها تحت سمع وبصر وصمت هذه القوى الدولية، وبالتالي فالشعوب ستكون أكثر وعياً بِعدوّها وأساليب عمله.
ـ: ما الأسباب التي مكّنتْ “قيس سعيد” من الانقلاب على الإسلاميين والقوى الثورية الأخرى؟
ـ يتحرك “قيس سعيد” والقوى المتحالفة معه ضمن أجندات الثورة المضادة، وهو حلقة من حلقاتها. وكانت البداية بتفكيك جبهة القوى الثوريّة، وإخراجِ حركة النهضة منها وتحالفها مع قوى النظام السابق، بحجّة تفويتِ الفرصةِ والتعاملِ بحكمةٍ مع الواقع التونسي بحسب زعمهم، وهذا أعاد منظومة النظام السابق للمشهد السياسي، وبذات العقلية القديمة فساداً وتبعيةً، وكلّ ذلك محسوب على “النهضة” باعتبارها جزء أساسي من القوى الثورية التي حازتْ على الأكثرية عدة مرات، ولكنّها كانت دون التطلعات والطموح، وهنا جاء دور “قيس سعيد” ليكمل ما تبقى من تهميش القوى الثوريّة، وتعطيل المسار الديموقراطي ومؤسساته في ظل استياء وانقسام مجتمعي.
انتصار “طالبان”
ـ: بعد أكثر من شهرين على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، كيف ترى الأوضاع حالياً، وما مستقبل “طالبان” بعد سيطرتها على مقاليد الحكم؟
ـ الأوضاع في أفغانستان بعد استلام “طالبان” للحكم لازالت في بدايات الانتقال المفاجئ وغير المتوقَع بتلك الطريقة والسرعة، لا من قِبل الأمريكان ونظامهم الحليف، ولا من قِبل “طالبان”، وكذلك الوسيط القَطَري، فالجميع كان يتوقّع تفاوضاً يؤدي إلى حكومة ائتلافيّة بين “طالبان” والنظام السابق، ولكن ما جرى مختلف تماماً، وبالتالي فالجميع يعمل على ألّا تذهب الأمورُ نحو الانفلات الأمني والانهيار التام لخطورة تداعيات ذلك على الجميع، وخاصة دول الجِوار الأفغاني.
فالأولوية حالياً للاستقرار والجوانب الإنسانيّة، ومحاولات الضغط على “طالبان” في ظلّ هذه المعطيات للاستجابة للشروط الغربيّة، والتي يريد الغرب من خلالها إشراك حلفائه، ومحاولة احتواء “طالبان” تحقيقاً للضبط والسيطرة التي يسعى لها الغرب مع الجميع غيرُ مجدية، ولكن طالبان حالياً تواجهها جملة من التحديات نجملها في الآتي:
1- تحديات تحقيق السيادة والخروج عن الهيمنة الغربية وغيرها، في ظلّ واقع دولي يسعى جاهداً لإخضاع الجميع لنموذجه المتحكّم في العالم، وفي ظلّ واقع الأمّة الإسلاميّة، التي هي في أسوأ مراحل ضعفها، وبالتالي الموازنة بين تحقيق السيادة والخروج عن الهيمنة وبين واقع الحال الذي تعيشه الأمّة من تفرق وتشتت يتطلّب وعياً وحكمة وإرادة وعملاً مَدروساً حتى تتجنب “طالبان” التفريط والإفراط في المواقف.
2- تحديات الهوية الإسلاميّة وبلورة المشاريع كافة بناء على ذلك، في ظلّ واقع الدولة القطْرية الحديثة، بتعدديتها القوميّة والطائفيّة وامتداداتها المجاورة، وضغوطات المنظومة الدولية التي تعمل دوماً على تعطيل كافة النماذج الإسلاميّة، باعتبارها نماذج لا تتناسب والنموذج الغربي الرأسمالي المهمين عالمياً، وقد تركتْ القوى الغربية خلال عقدين من الزمان نُخباً تشرّبتْ المفاهيم الغربيّة، وتُشكّل تحدّياً لا يُستهان به في المرحلة القادمة.
3- تحديات الاستقرار السياسي، الذي يتطلّب توافقاً داخلياً، في ظلّ تحقيق السيادة والهوية الإسلاميّة على طبيعة النظام السياسي، وكيفيّة تحقيق المشاركة السياسيّة التي تحقق الرضا المجتمعي بعيداً التهميش والإقصاء، وهذا يتطلّب من إمارة “طالبان” اجتهاداً فقهياً يجيب عن تساؤلات الحاضر وآفاق المستقبل، ويتجاوز مشكلات الماضي، كما يتطلّب تطويراً في المرجعيات الفقهيّة، ليتمّ الاستفادة من الموروث الفقهي لجميع المذاهب الإسلاميّة.
4- تحديات التنمية في ظلّ واقع مُتردي وبلد فقير، خرج لتوّهِ من حربٍ استمرتْ عقوداً، وفي ظلّ نموذج غربيّ مهيمن لمفهوم التنمية في بلدان العالم الثالث، حيث يشترط في التنمية التبعيّة للنموذج الرأسمالي من خلال البنوك والمؤسسات الدولية، وكلّ نموذج يريد التحرر فإنّه يخضعُ للعقوبات، وهذا من أكبر التحديات التي تواجه “طالبان” حالياً، ولكن أيضاً هناك فرص كبيرة يمكن الاستفادة منها في ظلّ التدافع الكوني والأممي، ووجود موارد لا يُستهان بها في أرض أفغانستان. هذه بعض التحديات التي تواجه “طالبان” وتحتاج لجهود كبيرة لتجاوزها وتقديم الحلول لها.
ـ: برأيكَ، هل “طالبان” ما قبل (20) عاماً كطالبان حالياً؟
ـ الإنسان بطبعه كائن متحول ومتحرك، يتعلم من تجاربه ومسيرة حياته، و”طالبان” اليوم هي ليست “طالبان” الأمس بطبيعة الحال، فهي مارستْ الحكم، ثمّ عادتْ للمقاومة والجهاد، ثمّ عادتْ للحكم بعد خوضها لحرب تحرير استمرت عَقدَين من الزمان مع أعظم حلف عسكري في العالم “الناتو” وانتصرت عليه، وهذا مهم استيعابه في معادلات الصراع.
“فطالبان” اليوم أقوى مما كانت عليه سابقاً، وأعرَف بالحرب والسياسة والتفاوض، وأكثر خبرة بحاجة مجتمعها وجوارها، وكذلك أكثر تقديراً للمواقف السياسية وتداعياتها الداخلية والخارجية، وكلنا يشاهد طريقة عملهم وتحركاتهم وتحالفاتهم، وهم يجمعون بين المثاليّة عزة وكرامة، والواقعية حاجة وضرورة.
ـ: في تقديركَ، هل ينعكسُ الانتصارُ الطالباني على قضايا الأمّة؟
ـ قضايا الأمّة الإسلاميّة واحدة ومُتداخلة، حتى لو قيل لكلّ بلد خصوصياته. فهناك تأثير وتأثر، وقد رأينا كيف كان تأثير الربيع العربي على شعوب المنطقة وحكوماتها. وبالتالي فإنّ انتصار “طالبان” سيكون مؤثراً في طبيعة التفكير الإسلامي ومنهجيات التغيير، وخاصة في ظلّ فشل كافة المحاولات السلمية وانسداد الأفق أمام الحركات السلمية، وتواطؤ الغرب مع الأنظمة المستبدة، ومشاركته في القضاء على الثورات السلمية. إضافة إلى فشل كافة الرهانات القائمة على مسايرة الغرب والاندماج في منظوماته الفكرية والسياسية، خاصة أنّ “طالبان” أثبتتْ للأمّة المسلمة بأنّ الجهاد هو الوسيلة الأنجح في مقاومة المحتل وأدواته الوظيفية، وكشفتْ مدى هشاشة قوى الاحتلال، إذا ما وَجدت شعباً مجاهداً لا يلين ولا يستكين.
وخلاصة القول إنّ “طالبان” وتجربتها تعتبر من أهمّ الروافع في تحرر الأمّة ونهضتها، واستعادة نموذجها الحضاري، بالإضافة للنهضة التركية، والثورة العربية، رغم تعثرها الراهن.
الصراع في افريقيا
ـ: ننتقل لموضوع آخر.. كيف ترى تدخّل “إرتريا” في الصراع الإثيوبي، وهل لإسرائيل دور في عودة العلاقات الإثيوبية الإرترية؟
ـ التدخل الإرتري في الصراعات الداخلية الإثيوبية شكّل مشكلات كبيرة في علاقات شعوب المنطقة، لأنّه شجّع السلطات المركزية الإثيوبية على الخيارات المسلحة، وساهم عملياً في التدخل المباشر، وهو الآن مُتهم بشكل مباشر في الانتهاكات الحقوقيّة في إقليم “تغراي” من قبل العديد من المؤسسات الدوليّة، وكان يكفي النظام الإرتري استعادة أراضيه المحتلة، والوقوف عند حدوده، بعيداً عن الصراعات الخاصة بالشعوب الإثيوبية.
وأمّا عودة العلاقات الإرترية الإثيوبية فهذه لها عوامل عديدة داخليّة، متمثلة في الحراك الشعبي لبعض القوميات الكبرى في إثيوبيا ضد الحكومة المركزية وتحالفها الحاكم، كما لها عوامل خارجيّة متمثلة في الصراع الصيني الأمريكي، وبالتأكيد الكيان الصهيوني حاضر في المشهد، وله نفوذه في كلّ من إثيوبيا وإرتريا، ولكن لا يلزم أن يكون اللاعب الأكبر، بل هو أحد اللاعبين.
ـ: ما تقييمك لخسارة حزب “العدالة والتنمية” المغربي.. وهل التطبيع كان سبباً أم هناك أسباب أخرى؟
ـ كان صعود حزب “العدالة والتنمية” للحكم ضمن حالة توظيف سياسي من النظام الحاكم حينها، بسبب الثورات العربية والحراك الشعبي الذي حصل في المغرب، وكان النظام وقتها بحاجة للانحناء للعاصفة، واحتواء المدّ الشعبي من خلال تعديل الدستور، وتسليم الحكم لرئيس وزراء منتخب من الأكثرية، وقد استفاد من حكم “العدالة والتنمية” كثيراً، وحقق ما لم يكن يتوقعه، من تمرير الكثير من المشروعات في مجال التربية والتعليم والاقتصاد وقضية التطبيع مع الكيان الصهيوني، وعندما رأى النظام (المخزن) بأنّ الحاجة “للعدالة والتنمية” ليس بتلك الأهميّة تمّ الاستغناء عنه بكلّ بساطة، ولكن بشكل مخزي ومهين، حيث حجم ووزن الحزب السياسي بكلّ سلبياته أكبر بكثير من النسبة التي حصل عليها، ولكن النظام يملك الأدوات كافة لتمرير أجنداته حتى في العمليّة الانتخابية.
والآن يحتاج حزب “العدالة والتنمية” لمراجعات تطال الرؤية والمنهج وأساليب العمل، وجدوى المشاركة السياسية في أنظمة تحول التيارات الإسلامية لواجهات لفسادها واستبدادها، على طريقة (التيس المستعار) المعروفة في الفقه الإسلامي.
قيادة بن سلمان للسعودية
ـ إلى أين تتجه السعودية في ظلّ قيادة “محمد بن سلمان”؟
ـ كانت السعودية تمثّل الواجهة الإسلاميّة السنيّة لدى قطاعات واسعة، لوجود الحرمين الشريفين، ولطبيعة الحكم فيها الذي يرفع شعار حاكميّة الكتاب والسنّة على فهم السلف الصالح، ووجود تيار عُلمائي واسع، مثّل ولفترات طويلة مرجعيّة علميّة لكثير من الجماعات والشعوب المسلمة، ولكن ومنذ سنوات بدأتْ تحولات داخليّة تجري وبشكل بطيء، وخاصة بعد أحداث سبتمبر.
هذه التحولات تعمل على تغيير الوجهة المجتمعيّة المحافظة نحو الانفتاح الليبرالي وبحجج عديدة، حتى وصلتْ لما وصلتْ إليه اليوم من المهرجانات المفتوحة وغير المنضبطة، إضافة إلى اعتقال العلماء والأخيار الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ومواجهة التيارات الإصلاحية. يحصل كلّ ذلك والدولة السعودية تواجه تحديات داخليّة وخارجيّة كبيرة، فكانت حاجتها للمصالحة الداخلية، وتعزيز الهوية الإسلامية، والتواصل مع القوى السنيّة في العالم الإسلامي أعمّ وأولى من هذه التحولات التي تمس جوهر طبيعة الـتأسيس للمملكة العربية. فكلّ نظام يتخلى عن طبيعة تأسيسه وهويته يتعرض لهزات وتمزق داخلي وفقدان التعاطف الإسلامي الخارجي.
ـ: كيف تابعتَ زيارة الحاخام اليهودي وتجوله في بلاد الحرمين؟
ـ موضوع زيارة الحاخام اليهودي وغيره من الشخصيات اليهودية التي تُروّج لها بعض المواقع الإعلامية هي جزء من عمليات التطبيع التي تجري في المنطقة، ويتم تقييم ردّات الفعل الشعبيّة من خلالها، والنّاس تعرف بأنّ هذه الأمور لا يمكن أن تتمّ في المملكة بعيداً عن موافقة الجهات الرسمية. وعموماً هي جزء من ترتيبات عديدة تربوية واقتصادية وسياسية، تُكلل في نهاية المطاف بالتطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني، وإدماجه في منظومة دول المنطقة بحسب الرغبة الأمريكية والغربية، ووفق نظرية ورؤية الديانة الإبراهيمية، التي تُروّج لها المؤسسات البحثيّة الغربيّة. وكان “ترامب” وعهده من أسوأ العهود التي حاولتْ فرض التطبيع دون أي رؤية للحلّ الشامل، وفق مقررات الأمم المتحدة بحسب ما يدندنون حوله لعقود من الزمان، ولكن هناك عقبة الشعب الفلسطيني المجاهد ومقاومته المستمرة ورفض الشعوب العربية والإسلامية حَالَ دونَ الاندفاع الذي حصل خلال فترة “ترامب” وتمرير صفقة القرن التي روّج لها الإعلام المحليّ والعالمي.
ـ: لكن لماذا تقدمتْ الحكوماتُ العربية على التطبيع مع الكيان الصهيوني في هذا التوقيت؟
ـ الحكومات العربية منذ تأسيسها تُعتبر حكومات غير جادة في مواجهة الكيان الصهيوني، كما أنّ الكثير منها خاضع للتحالف مع الأمريكان، ويصعب عليه الخروج عن الرغبات الأمريكية. وكلّ ما كان يجري خلال العقود الماضية هو محاولات تخدير للشعوب، وكسب الوقت ضمن خطّة مُحكَمة، تنتهي ببيع القدس وفلسطين كلها، وبحجّة المصالح الوطنيّة لكلّ قطْر. وأخيراً تمّ تسويق التطبيع من خلال المهددات الإيرانية، وجعلها شمّاعة للتفاهم مع الكيان الصهيوني، والحاصل هو أنّ الأمريكان يعملون على توظيفِ الجميع من خلال سياسات الاحتواء المزدوج، وتحقيق الهيمنة على الجميع. كما أنّ عامل الثورات العربية وتحرك الشعوب نحو التحرر من الاستبداد والاحتلال كشف حقيقة هذه الأنظمة وولائها للخارج أكثر من ولائها لشعوبها وأمتها. وما نراه من تحركات نحو التطبيع ليس بعيداً عن حركة الشعوب ووعيها بذاتها وسعيها للتحرر من قبضة هذه الأنظمة.
مستقبل الحركات الإسلامية
ـ: أخيراً، ما مستقبل الحركات الإسلامية في المنطقة، وما نصيحتكم لها؟
ـ مستقبل الحركات الإسلاميّة مرهون بمدى قدرتها للتعبير عن تطلّعات الشعوب المسلمة في الكرامة والحرية والعدالة، ومراجعة منهجيات العمل خلال الفترة الماضية. فإنّ خوض العمل ما بعد الثورات بذات الأدوات الإصلاحيّة القديمة لا يستقيم عقلاً ولا سياسة. كما أنّ خوض معارك الشعوب والأمّة بعقلية الفصيل والجماعة المحدودة غير مفيد، ولهذا فإنّ كثيراً من الجماعات التي لا تتجدد ستتبدد بطبيعة الحال. فالكثير من الجماعات التي نشأتْ تحت رعاية الأنظمة وصارت جزءاً من تركيبتها، ولا تستطيع التحرك بعيداً عن مواقف تلك الحكوماتِ ستتلاشى. وفي المقابل الشعوب العربية والإسلامية قادرة على بلورة رؤى واتجاهات جديدة للمرحلة القادمة، ولا يلزم أن تكون بذات الواجهات القديمة، لأنّ كثيراً من تلك الواجهات جامد وغير قابل للإصلاح للأسف الشديد. وخلاصة القول فإنّ المستقبل للإسلام، ولكن ليس باختزال الإسلام الواسع ضمن إطارات حزبيّة محدودة، أو رؤى فصائلية قاصرة، وقد رأينا كيف أنّ غالبية الثورات التي حصلت كان العنصر الشعبي العام حاضراً فيها ومؤثراً في مسيرتها.
المصدر: الحقيقة بوست