القرآن يخرجنا من الأزمة
بقلم وسام سمير الحاج
في هذه الحياة العجيبة بينما أنت تعيش فيها بين شقاءٍ وسعادة، إنها عبارة عن طريقٍ تسيرُ فيه وبينما هي الحياةُ تدور بك في طُرقها المليئة بالعديد من الطرُق الوعِرة التي ستسيرُ بها وستعيشُها هي عبارةٌ عن مفصلٍ مهمٍ في هذه الحياة إما ستكون ناجحاً في عبور ذلك الطريق الذي ستمُرُ به أو فاشلاً في عبوره، لا شيء غيرهما وبكل تأكيد أنت من سيحدد ذلك ليس أحداً غيرك أنت، ستكون أنت السائق هنا وبالطبع لكي تنجح بذلك لا بُدَّ لك من طريقةٍ سليمة في عبور هذا الطريق تجنبُك من الوقوع في العقبات والحفر، لكنك ستحتاج الى مركبةٍ تسير بها ومِقوَد يسيِّرُك بالاتجاه المحدد والطريقة السليمة حتى لا تضِلَ الطريق وتقع في حفرةٍ خطيرة من حُفَرِ هذا الطريق.
إذاً هيا فلنُحدد ما هو الطريق الذي سنسير فيه رُغماً عنا في فترة من الفترات وما هي الطريقة التي سنسير بها في ذلك الطريق الوعِر وأيضاً ما هو المِقوَد الذي سيسيِّرُنا في الاتجاه الصحيح، إن ذلك الطريق الوعِر ما هو إلا عبارة عن أزَمة من الأزمات التي ستَمُرُ بِنا في لحظةٍ من لحظاتِ حياتِنا، وأما ذلك المِقوَد الذي سنسيرُ به لتجنُب تلك الحُفر والأخطار في ذلك الطريق هو عبارةٌ عن منهاج واضح نستخدمه لكي نجتاز ذلك الطريق فماذا يُمكِن أن يكون؟!
لا بُدَّ مِن جوابٍ واحد لهذا السؤال إنه القرآن الكريم ليس مُجرد أيةِ مِقوَد نستخدمه ولا مُجرَد نقاطٍ نسيرُ عليها فالقرآن مِنهاجٌ متكامل لجميع الأزمات والمشاكل التي ستَمُرُ بِنا فاللهُ سبحانه وتعالى عندما أنزل هذا القرآن كان قد وضع فيه كُل ما يلزَمُكَ لِتَسيرَ في حياتك في جميع المشاكل والطُرُقِ الوَعِرة التي ستواجِهُك فهو خالِقُكَ ويعرِفُ كل شيءٍ تحتاجهُ في حياتك فقال اللهُ تعالى في مُحكم التنزيل الذي هو القرآن: ونُنَزِلُ من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ؛ لكِن لا بُدَّ من طريقة تُحدد الاتجاه في اتباعك للقرآن الكريم إذاً فما هي تلك الطريقة؟ إنها استخدام العقل الذي تملِكه استخداماً سليماً فعندما كرَّم الله الإنسان بالعقل عن باقي المخلوقات ووضع القرآن بين يديه لم يكُن ذلك عبثاً بل ليتفكر في هذا القرآن ويتدبر في آياته ويَجِد تلك الطريقة التي سيعبُر بها ذلك الطريق الوعِر ويحدد اتجاهه في العبور والنجاح بكل بساطة.
ولكن كما أنَهُ يوجد طُرقٌ سليمة نتبِعُها لعبور ذلك الطريق الوعِر في حياتِنا لا بُدَّ من وجودِ طُرقٍ أُخرى سيئة وخاطئة وهادمة لِكُل شيءٍ قد حصدناه ونجحنا به في حياتنا ومن بعض تلك الطُرقِ الخاطئة هي إتباعُ الهوى فإتباعُ الهوى ليس إلا عبارة عن ضبابٍ يوجد في طريقنا الوعِر الذي سنعبُره فهو سيزيد أخطاءنا واحتمالية فشلنا في عبور ذلك الطريق وهو ليس إلا ضلالة من ضلالات الشيطان التي يسعى بها ليس لمُجرد تثبيتنا في مكاننا وعدم التقدم إلى الإمام فهي سترجِعُنا إلى الوراء وإلى الفشل في عبورنا لذلك الطريق، فعندما أنزل الله هذا القرآن لم يُنزلهُ عبثاً بل لكي نستنير به طريقنا ونكشف به ذلك الضباب الذي تكوْن من إتباعنا للشيطان وطريق الضلال.
إن القرآن الكريم قد عبَّر عن الأزمة أو المشكلة بالفتنة وإن من أعظم الفتن في زمن النبي هو يوم الأحزاب ويقول الله تبارك وتعالى في سورة الأحزاب: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا «21» ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما «22» هاتان الآيتان الكريمتان أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أمر الله الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب الذى كان موقفاً عصيباً، في صبره ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه، ولهذا قال تعالى للذين اضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب: «لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة» أي: أنه أعطاهم أحد الأسباب للخروج من هذه الأزمة وهو الاقتداء بالنبي ولهذا قال: «لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا».
لقد تجلت حكمة الرسول أن يصبر ويُرابط في هذا الموقف وأنتجت لنا قيماً خالدة في إدارة الأزمة ونحن في أمس الحاجة إلى التأسي بها الآن، وأيضاً قصة سيدنا نوح عندما دعا قومه ٩٥٠ سنة ولم يستجيبوا له فكانت هذه الأزمة في هذه القصة فأمره الله ببناء السفينة لتكون هي الحل لهذه الأزمة فأنجاه الله والمؤمنون من قومه في الفُلك وعذَّب الكافرين من قومه بالطوفان، وأيضاً قصة سيدنا موسى عندما هرب هو ومن معه من فرعون وجنوده عندما كانوا يلحقوا بهم ليقتلوهم فضاقت بهم الدنيا وكانت هذه الأزمة ولكنَّ الله سبحانه وتعالى أوحى إلى سيدنا موسى أن يضرب البحر بعصاه فانفلق البحر وأنجاه الله من فرعون وجنوده وكان هذا هو الحل.
إذاً فلنُحاول تجسيد هذه الأفكار التي طرحتُها على واقِعِنا الذي نعيش فيه وكيف نعكِسُ أثر القرآن في حياتنا وعبورِنا لطريقٍ من الطُرُقِ الوعِرة التي لا بُدَّ أنها واجهتنا من قبل أو ستُواجِهُنا بعد حين أو تُواجِهُنا في هذه اللحظات التي نَعيشُها، فالآن كما يشهدُ عالمُنا بأكمله العديد من الاضطرابات في كافة المجالات سواءً الاقتصادية أو الاجتماعية بسبب فايروس كورونا المُستَجَد فالآن نحنُ في طريقٍ من تلك الطُرقِ الوعِرة والخطيرة التي تحدثنا عنها، ألم نُفكر للحظةٍ أن هذا الطريق الذي وُضِعنا فيه ليس إلا عبارة عن اختبار وابتلاء من الله لكي نَرجِع إلى الله وإلى كتابه العظيم بعد أن ابتعدنا عن الله وعن كتابه وعصينا الله بشتى أنواع المعاصي وتكبرنا ونسينا من نحنُ وما أصلُنا فلقد أراد اللهُ أن يُرينا أننا لسنا إلا عبادً لله ولقد خلقنا الله لعبادته واتباع كتابه الذي سيُبِّن لنا كيف نعبُدَهَ وقال الله في مُحكَمِ التنزيل : وَما خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعبُدونِ، وكيف نسيرُ في حياتنا بأفضلِ طريقة.
فأسأل الله الكريم ذي القوةِ المتين أن يتوب علينا وأن يُبعد هذا الوباء عنا وأن ينجينا برحمته وأن يوفِقنا في عبور هذا الطريق الوعِر الذي اختارهُ اللهُ لنا لكي يختبِرنا ولكي نعود إليه وإلى طاعته وإلى كتابه العظيم الذي سيكون هو سبب نجاحنا في عبورنا لهذا الطريق.
(المصدر: مدونات الجزيرة)