مقالاتمقالات مختارة

القرآن الكريم والحرب النفسية على الإسلام والمسلمين

بقلم أ. أسامة شحادة

منذ بداية بعثة النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام والمسلمون يتعرضون لعدوان المشركين والكفار واليهود، بل حتى كسرى فارس الذي أرسل بعض جنوده للقبض على النبي صلى الله عليه وسلم، ووصف القرآن الكريم جهودهم العدوانية هذه بقوله تعالى: “إنهم يكيدون كيداً * وأكيد كيداً * فمهّل الكافرين أمهِلْهم رويداً” (الطارق: 15-17)، وقال تعالى: “وقد مكروا مكرَهم وعند الله مكرُهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال” (إبراهيم: 46).

ومِن هذا المكر والكيد والعدوان ما يسمى بالحرب النفسية بمصطلح هذا العصر، والتي تعرف بأنها “الاستخدام المدبر لفعاليات معينة معدة للتأثير على آراء وعواطف وسلوك مجموعة من البشر وقت الحرب أو الطوارئ، ويستهدف منها إضعاف معنوياتهم، وتغيير منهج تفكيرهم بشكل يحقق مصالح العدو”، والحرب النفسية تتقاطع وتتكامل مع مفاهيم الحرب الباردة والدعاية وغسيل المخ والتسميم السياسي والحرب الأيديولوجية.

وقد رصد د. حسين حسن عداي في أطروحته للدكتوراه (الحرب النفسية منذ بداية الدعوة الإسلامية حتى نهاية العصر الأموي) مظاهر الحرب النفسية التي شنها الكفار واليهود على النبي صلى الله عليه وسلم، والتي ذكرها القرآن الكريم، والتي تكاد تكون مستمرة لليوم بنفس المظاهر والأساليب مما يؤكد مجاوزة القرآن الكريم لحدود الزمان والمكان لكونه كلام رب العالمين “وإنّه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل مِن بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد” (فصّلت: 41-42) وهذا يرشد كل مسلم ومسلمة لضرورة تدبر القرآن الكريم والاسترشاد بأوامره وأحكامه وتوجيهاته في خوض عباب هذه الحياة الأرضية التي تغلفها فتن كثيرة ومحن عديدة لتفضي لانتصار الحق وازدهار الإيمان وسعادة الإنسان تمهيداً للحياة الباقية لأهل الإيمان في جنات النعيم.

فمِن مظاهر الحرب النفسية التي شنها الكفار على الإسلام والنبي والمسلمين ما ذكره ربنا في قوله تعالى: “وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والْغوا فيه لعلكم تَغلبون” (فصلت: 26)، وقوله تعالى “وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تُملى عليه بكرة وأصيلا” (الفرقان: 5)، حيث قام المشركون بحملة دعائية نفسية تعتمد بذيء القول وفساد اللغو وإطلاق الشائعات والاتهامات والتنقص للوحي والقرآن للصد عن سماع دعوة الحق، وكان هذا يأخذ صفة جماعية، خاصة في المواسم، حيث ينتشرون على مداخل مكة لتضليل القادمين إليها وصدّهم عن سماع دعوة النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا الفعل الظالم والجائر يكاد يكون هو نفسه ما نشاهده على شاشات كثير من الفضائيات ومواقع التواصل وصفحات الكتب والمجلات والجرائد من هجوم بذيء وفاجر على الإسلام والقرآن وشعائر الدين في ترديد لنفس مضمون الشائعات القديمة!

ومن صنوف الحرب النفسية التي شُنّت قديماً وتعاد اليوم وقد رصدها القرآن الكريم ما جاء في قوله جلّ وعلا: “وقالوا إن نتبع الهدى معك نُتخطف من أرضنا” (القصص: 57)، في محاولة لتخويف المؤمنين بالنبي صلى الله عليه وسلم والقرآن بالفقر والحرب إن هم تركوا عبادة الأصنام!

وقارِن هذا بتخويف المؤمنين بالفقر والحرمان والحرب والقتل اليوم إن لم يتركوا دينهم أو أرضهم، والذي يشنّه الروس على أهل الغوطة عبر المناشير والصواريخ، أو البوذيون في بورما ضد المسلمين الروهنجا وغيرهم، فمِن عادة الكفار والظالمين –لليوم- اللجوء للتمويه والخداع أن الإسلام هو سبب للفقر والحرب والحرمان، وهو تكرار لما قاله فرعون لموسى عليه السلام: “قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسِحرك يا موسى” (طه: 57).

ومن مظاهر الحرب النفسية ضد الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه التي بيّنها القرآن الكريم الدعوة للحصار الاقتصادي ضد المهاجرين والفقراء، قال ربنا عن مكر الأعداء من الكفار واليهود والمنافقين: “هم الذين يقولون لا تُنفقوا على مَن عند رسول الله حتى ينفضّوا” (المنافقون: 7)، وهو ما يتبدى اليوم جليا في الحصار الظالم على غزة وعلى الغوطة منذ سنوات، أو في حصار تعز من قِبل الحوثيين، ومن قبل حين حوصرت بغداد.

ولعل من أخطر مظاهر الحرب النفسية التي شُنت على الإسلام والمسلمين عبر التاريخ التستر بالدين لحربه وحرب أهله، وقد تمثل ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بتأسيس المنافقين لمسجد ضرار، قال الله جل في علاه: “والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين” (التوبة: 107)، وكم في عصرنا من مساجد ضرار بشكل مباشر أو غير مباشر عبر فِرق ضالة صنعها الاستعمار على عينه أو رعاها ونمّاها، ولن تكون داعش آخرها، أو مؤسسات دينية أو إعلامية أو شخصيات عملها الحقيقي هو مواصلة حمل رسالة مسجد ضرار لتفريق وحدة المسلمين وصفهم وإخراجهم عن دينهم بالتحريف والتأويل!

ومن مظاهر الحرب النفسية ضد المسلمين اجتماع الأعداء المتناقضين على شن حرب نفسية ضد المسلمين، كما بيّن الله عز وجل في قوله تعالى: “ألم ترَ إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا” (النساء: 51)، فاليهود زعموا أن أصنام قريش أكثر هدى من توحيد الله عز وجل الذي جاء به محمد عليه السلام وهو يشترك معهم في تلقي الوحي!

ولليوم لا يزال الأعداء المتناقضون يجتمعون على حرب الإسلام والمسلمين، فها هو تحالف أمريكا مع تنظيمات الأكراد اليسارية وها هم أغلب علمانيي العرب يصطفون خلف إجرام نظام الملالي المتشدد!! ولولا اجتماع المصالح المتناقضة لليهود والروس وإيران وأمريكا في بقاء بشار لِقطع الطريق على قيادة سورية وطنية حقيقية لما بقي –لليوم- يواصل قتل المزيد من الأبرياء بلا رقيب ولا حسيب!

الخلاصة؛ عبر التاريخ ولليوم الحرب النفسية التي شُنت على الإسلام والمسلمين كانت نتيجتها النهائية دوما الفشل والبوار، ولكن المهم هو موقفنا نحن: هل ننتصر في هذه الحرب الظالمة والكاذبة بالوعي بها وبظلمها وخداعها، وبالتمسك بالحق المبين الذي جاء به القرآن الكريم؟

(المصدر: موقع أ. أسامة شحادة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى