مقالاتمقالات مختارة

القرآن الكريم وأثره في النفوس

القرآن الكريم وأثره في النفوس

بقلم د. عبد الرحمن بن سعيد الحازمي

يجب أن يستقرَّ في ذِهْن كل مسلم وفي وِجدانه اليقينُ الكاملُ بأهمية القرآن الكريم هاديًا ومُربِّيًا ومُوجِّهًا ومُصْلِحًا لكافَّة شؤون الحياة؛ صغيرها وكبيرها، قليلها وكثيرها، استنادًا للآيات القرآنية المؤكَّدة شمولَ القرآن الكريم لكُلِّ شيء، فمنها قوله تعالى: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 38]، وقوله تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ [النحل: 89]؛ بل إن التمعُّن والتأمُّل والنظر والتطبيق لسورة أو حتى آية منه تكون كافيةً لهداية الناس لخيري الدنيا والآخرة.

قال الإمام الشافعي رحمه الله عن سورة العصر بأنها لو لم يُنَزِلِ الله سوى هذه السورة لكَفَتِ الناس، وأيضًا جاء في “البرهان في علوم القرآن”؛ للزركشي رحمه الله: إن قوله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، وهي آية واحدة أنها جمعتْ أصول أحكام الشريعة كلها، فجمعت الأمر والنهي والإباحة والتخيير[1].

أورد القرطبي رحمه الله في تفسيره أن كَعْب الأحبار قال: لقد أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم آيتَينِ أحْصَتا ما في التوراة والإنجيل والزَّبور والصُّحُف، وهي: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]، كما أورد أيضًا أنه قدم صعصعة عَمُّ الفرزدق على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سمِعَ قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]، قال: لا أبالي ألَّا أسمَع من القرآن غيرها حسبي فقد انتهتِ الموعظة[2].

كما أورد القرطبي رحمه الله أن ابن مسعود رضي الله عنه قال عن قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]: هذه أجْمَعُ آية في القُرْآن لخيرٍ يُمتثل، ولشَرٍّ يُجتَنَب[3].

أورد ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحِكَم أن قول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2]، قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على أبي ذرٍّ رضي الله عنه، وقال له: لو أن الناس كُلَّهم أخذُوا بها لَكَفَتْهم، ويقول ابن رجب رحمه الله؛ يعني: لو حقَّقُوا التقوى والتوكُّل، لاكتفوا بذلك في مصالح دينهم ودنياهم[4].

أما عن أثر القرآن الكريم، أو أثر الآية الواحدة في النفوس المؤمنة، فهذا ممَّا قرَّره الله تعالى في كتابه؛ فقال تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 23]، وأورد القرطبي رحمه الله عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قالت: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا قُرِئ عليهم القرآن كما نعتَهم الله تدمَعُ أعينُهم وتقشعِرُّ جلودُهم[5].

كان الرسول صلى الله عليه وسلم لمعرفته بالله تعالى وبكِتابِه العزيز أول المتأثِّرين بسماع القرآن الكريم؛ فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ عليَّ))، قلت: يا رسول الله، آقْرَأُ عليكَ وعليك أُنزلَ؟! قال: ((نعم))، فقرأت سورة النساء حتى أتيْتُ إلى هذه الآية: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، قال: ((حسبُك الآن))، فالتفتُّ إليه، فإذا عيناه تذرفان[6].

وأورد أبو حامد الغزالي رحمه الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يسقط من الخوف مَغْشِيًّا عليه إذا سمِعَ آيةً من القرآن، وكان يُعادُ أيامًا، و قرأ رضي الله عنه: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾ [التكوير: 1]، وانتهى إلى قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ﴾ [التكوير: 10]، فخَرَّ مَغْشِيًّا عليه، ومَرَّ يومًا بدار رجل وهو يُصلي ويقرأ سورة والطور، فوقف يستمع، فلمَّا بلَغ قوله تعالى: ﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ ﴾ [الطور: 7، 8]، نزَل عن حماره، واستند إلى حائطٍ ومكَث زمانًا، ورجع إلى منزله، فمَرِضَ شهرًا يعوده الناس، ولا يدرون ما مرضُه[7].

وعن ابن أبي مليكة قال: سمِعْتُ ابن عباس رضي الله عنهما يُرتِّل القرآن ويقرأ حرفًا حرفًا، ويُكثِر من النشيج والنحيب، ويقرأ قـوله تعالى: ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ [ق: 19][8].

وقال مقاتل بن حيان: صليتُ وراء عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، فقرأ قوله تعالى: ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ﴾ [الصافات: 24]، فجعل يُكرِّرُها وما يستطيع أن يتجاوزَها[9].

نسأل الله تعالى أن يجعلَ القرآن الكريم رَبِيعَ قلوبِنا ونُورَ صدُورنا، وجلاءَ أحزاننا وذَهابَ همومِنا وغُمُومِنا.


[1] (الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ج2، ص13).

[2] (القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج 20، ص 152-153).

[3] (القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج10، ص 165).

[4] (ابن رجب، جامع العلوم والحكم، ج 1، ص436).

[5] (القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج15، ص 249).

[6] (البخاري، صحيح البخاري، باب: قول المقرئ للقارئ حسبك، حديث رقم 4763، ج 4، ص 1935).

[7] (الغزالي، إحياء علوم الدين، ج 4، ص183 -184).

[8] (البيهقي، شعب الإيمان، ج 2، ص 365).

[9] (ابن كثير، البداية والنهاية، 9، ص 204).

(المصدر: شبكة الألوكة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى