مقالاتمقالات المنتدى

القرآن الكريم مصدِّقٌ لكتب الله السابقة ومُهيمنٌ عليها

القرآن الكريم مصدِّقٌ لكتب الله السابقة ومُهيمنٌ عليها

 

بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ﴾ [المائدة: 48]. ومعنى قوله: أنّ القرآن العظيم رقيبٌ على الكتب السابقة؛ لأنه يشهد بصحتها﴿وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ﴾، ويقرر أصولها، وما يتأبّد من فروعها، ويُبيّنُ أحكامها المنسوخة بتعين وقت انتهاء مشروعيتها. أو على معنى أنّه أمينٌ عليها، فما أخبر عن صدقه مما ورد فيها صُدّق، وما أخبر بزيفه فهو باطلٌ. أو على معنى أنه الحافظ لها، فهو الذي حفظ ما جاء فيها من التوحيد، وكليات الدين إلى يوم القيامة. أو على معنى أنه دالّ على صدقها، أي: هو دليل على أنها من عند الله، لأنه جاء كما نعتته هذه الكتب.(الطبري، 2001، ج6، ص266)

وهذه الأقوال كلّها متقاربة المعنى، فإنّ اسمَ «المهيمن» يتضمّن هذا كله، فهو أمينٌ وشاهدٌ، وحاكم على كل كتاب قبله، جعل الله هذا الكتاب العظيم؛ الذي أنزله اخر الكتب وخاتمها وأشملها وأعظمها وأحكمها، حيث جمع فيه محاسن ما قبله، وزاده من الكمالات ما ليس في غيره؛ فلهذا جعله شاهداً وأميناً وحاكماً عليها كلها، وتكفل تعالى بحفظه بنفسه الكريمة.

فقال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].

1 ـ علاقة الهيمنة بالتصديق:

ولاشك أنّ مفهوم الهيمنـة أتمُّ وأشمل من مفهوم التصديق؛ لأنّ الهيمنـة لا تقتصر على مجرّد الشهادة لهذه الكتب بصحة إنزال أصولها، وتقرير أصولها وشرائعهـا، بل تتعدّى ذلك، فتُبين ما اعتراهـا من نسخ أو تحريف، ومـا عرض لها من زيف وفساد، فالقرآن بذلك مهيمن على المعاني الصحيحة التي كانت في تلك الكتب، وشاهد بكونها من عند الله، وبذلك تتلاقى الهيمنة مع التصديق، ولكنّه كذلك يشهد على هذه الكتب بما أصابها من تحريف، وتسرّب إليها من باطل، وبه تنفرد الهيمنةُ عن التصديق، فمفهومُها إذاً أتمّ، وأشمل من مفهوم التصديق.(دراز،2010، ص18)

2 ـ مظاهر هيمنة القرآن على الكتب السابقة:

لهيمنة القرآن العظيم على كتب الله المنزلة قبله ـ فوق ما تقدّم من تصديقه لها ـ مظاهر متعددة، من أهمها ما يلي:

أ ـ إخباره بتحريف الكتب السابقة وتبديلها:

قال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيدِيهِمْ وَوَيلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ﴾[البقرة: 79].

ب ـ بيان المسائل الكبرى التي خالفوا فيها الحق:

ففي جانب العقائد على سبيل المثال نفى القرآن العظيم ما صرّحت به الأناجيل المحرفة من قتل عيسى عليه السلام، وصلبه، قال تعالى: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ [النساء: 157]. وحكم على النصارى بالكفر لقولهم بالتثليث، وألوهية المسيح، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 72 ـ 73].

أمّا التوراة المحرّفة فإنها تَنْسِبُ إلى الله تعالى كثيراً من النقائص، والتي جاء القرآن العظيم بدحضهـا وإبطالهـا، فـلقد أخبر القرآن العظيمُ أنّ اليهود نـسبوا إلى الله عزّ وجلّ الولد، كمـا وصف اليهود الله بالفقر، والبخل، وغل اليد، فبين القرآن الـكريم كذبهم، وزورهم، وبهتانهم. قـال تعـالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة: 30]. وقال تعالى: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ [آل عمران: 181]. وقـال تعـالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾[المائدة: 64].(الدوسري،2005، ص126)

ج ـ بين القرآن كثيراً من المسائل التي أخفوها:

فمن ذلك: أنّ الدّارسَ لأسفار العهد القديم يرى أنّها: قد خلت من ذكر اليوم الآخر ونعيمه وجحيمه ـ وإذا كانت اليهوديةُ في أصلها تقرر البعث، والنشور، والحساب، والجنة والنار، كما يُنبأئُ بذلك القرآن ـ ذلك يدلُّ على أنّ اليوم الآخر وما فيه وما يتصل به، من المسائل التي أخفاها أهل الكتاب. قال تعالى: ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾ [المائدة: 15].(الدوسري،2005، ص126).

____________________________________________

مراجع البحث

علي محمد الصلابي، الإيمان بالقرآن الكريم والكتب السماوية، المكتبة العصرية للطباعة والنشر،1432ه-2011م ص 58-62

ابن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري)، دار هجر للطباعة والنشر، 1422ه-2001م.

محمد عبد الله دراز، دراسات إسلامية فى العلاقات الاجتماعية والدولية، دار المعرفة الجامعية 1431ه-2010م.

محمد بن أحمد صالح الدوسري، عظمة القرآن الكريم، دار ابن الجوزي، السعودية، 1426ه-2005م.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى