القرآنيون الجدد ومصادر الشريعة الإسلامية
بقلم أحمد عبد العال
يحلو لبعض الناس بين حين وآخر أن يشغب على دين الإسلام الذي أنزله الله رحمة للعالمين بالطعن فيه من خلال الطعن بمصادره، فيقولون بيننا وبينكم كلام الله “القرآن الكريم “فما أحلَّه القرآن حللناه وما حرَّمه حرَّمناه، فهو المصدر والمرجع الوحيد للإسلام، وبناء على قولهم هذا يعلنون إنكارهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم على أنها أحد مصادر التشريع الرباني.
ولا أشك أن من يدَّعي ذلك هو أحد شخصين:
إما أن يكون القائل جاهلاً بمصادر الشرع وقواعده وأصوله.
وإما أن يكون عدوا مغرضاً هدفه هدم الدين، بتقويض مصادره التي يقوم عليها.
والحوار هنا ليس مع أعداء الإسلام وشانئيه، فهؤلاء لا يجدي معهم دليل صريح، أو حوار علمي، وإنما هدفهم تزوير الحقائق، ونصرة الباطل، ونشر الضلال.
أما الحوار هنا حقيقة فهو مع من يقول ذلك مجاراة لمن يدعي ذلك جهلا بقواعد الشرع ومصادره الأصيلة، لا كفرا بالإسلام، ولا مروقا من الدين، ومثل هؤلاء لا يعذرون بنيتهم، ولكن نتعامل معهم ببيان الحق، بالحوار العلمي الهادف الهادىء، الذي يسعى للوصول الى الحقيقة التي هي غاية المنصفين والعقلاء، بعيدا عن التعصب والهوى، والمكابرة بالباطل، وذلك من خلال الحقائق التي وردت في القرآن نفسه، التي يزعمون أنه مصدرهم الوحيد، ومرجعهم في الاحكام وسائر التكاليف الشرعية، بدعوى أن القرآن الكريم لا يحتاج الى واسطة في تلقي أحكامه، أو فهم مدلولاته، بخلاف السنة التي يدعون انها وصلت إلينا معنعنة، أي بنقل الرواة بعضهم عن بعض، وبالتالي قولهم بالاستغناء عنها، لعدم حاجة المسلم إليها في أخذ أحكام دينه أو الالتزام بشريعته
ومن هذه الحقائق القرآنية التي تجعل من السنة النبوية مصدرا أصيلا للتشريع:
١- قول الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا اعمالكم ” سورة محمد /٣٣
فجعل الله تعالى طاعة رسوله من طاعته، وأن العدول عن ذلك سبب لإبطال العمل وإحباطه.
ومثله قوله تعالى:”ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك علهم حفيظا” النساء /٨٠
فقد جعل الله تعالى طاعة رسوله من طاعته، وهل يطاع الرسول إلا من خلال العمل بسنته قولا، أوعملاً، أو تقريراً.
٢-قول الله تعالى:”وما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب ” الحشر/٧
وماأتانا عن رسول الله غير سنته التي بذل المحدثون قصارى جهدهم في تحقيقها صحة وضعفا من خلال العناية بأسانيدها ورواتها فيما يسمى بعلم الجرح والتعديل.
٣ – قول الله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}الأحزاب ٣٦.
وهنا جعل الله الالتزام بقضاء رسول الله وحكمه كالالتزام بقضاء الله وحكمه، ولا خيار للمؤمن في ذلك، ومن تنكب عنه فقد سلك سبيل الضلال المبين.
٣- قوله تعالى:{ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمً} النساء/٦٥
وهنا علق الله تعالى الإيمان بالله على طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهل يطاع الرسول ألا باتباع سنته، والامتثال لحكمه؟.
٤-إن سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم وحي من الله عزوجل، وليس من عند نفسه، فالعمل بالسنة كالعمل بالقرآن الكريم لايختلفان.
“وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى “
فالسنة وحي من الله كالقرآن، والفرق بين القرآن والسنة أن القرآن لفظه ومعناه من الله ويتعبد به في الصلاة، وأما السنة فلفظها من رسول الله ومعناها من الله، فكلاهما وحي من الله جل ثناؤه.
٥- إن السنة النبوية جاءت مبنية ومفصلة وشارحة للأحكام المجملة الواردة في القرآن الكريم قال الله تعالى ” وأنزلنا إليك الذكر ( أي القرآن ) لتبين للناس مانزل إليهم ” النحل /٤٤ فكثير من الأحكام جاءت في القرآن مجملة وجاءت السنة مفصلة وشارحة لما أجمل ، كعدد الصلوات وركعاتها وسجودها وطريقة أدائها ، وجاء في السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” صلوا كما رأيتموني أصلي “، ومقادير الزكاة وتفصيلاتها ، وكيفية أداء مناسك الحج وأوقاتها ، وفيه يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: “ خذوا عني مناسككم” الى غير ذلك .
6- أما عنعنة السنة بمعنى وصولها الينا من خلال الرواة فليس مطعنا فيها، وهو ما يسمى بعلم الجرح والتعديل، الذي يعتبر بحق من أكثر ما تميز به علماء الحديث المسلمون في تحقيق نقلهم لمرويات السنة النبوية بشهادة المنصفين من المستشرقين والباحثين الغربيين.
والحمد لله أولاً وآخراً.
المصدر: رابطة العلماء السوريين