القدس الحرف الأخير في كتاب عزّتنا!
بقلم جهاد الرجبي
لأننا من تراب.. غال علينا كالدماء ترابنا! ولأننا من تراب.. لا يُخيفنا حضن التراب إنْ ضمّنا، فالأرض أُمّنا! تهون لطهرها الحراب وإن غُرست في الصدور وفي الرّقاب.. هي أُمّنا! والأُمّ سجود الروح حين يصير الصبرُ لها جبيناً، والقلب لها مطراً يخضرّ به المحراب! غير أنّ هناك مَن يملك أن يبيع أُمّه وقد تقطّعت أوصالها بحدّ المطامع! وهناك مَن يساوم على عرضه ولا يرتعش له نبض! يرضى الدنيّة في أهله، ويغادر طائعا ملامح إنسانيته، ليحمل وجه سمسار ومجرم! ثم تتوالى الوجوه الكالحة عليه مِن كلّ صوب!
ضاقت على وسعها الدنيا، وهناك مَن يجعلها (سادة وعبيد)! هناك مَن يتحكّم بمصير الضعفاء الصامتين والخائفين على أنفاسهم، هناك مَن يفرض الألعاب على جماهير المتفرّجين، ليُلقوا (مِن على مدرّجاتهم) ذوي القربى ضحايا لسباعٍ تمّ تجويعها، وكلّ ما يريدونه النجاة بأنفسهم! رغم أنهم يعلمون أنّ أحداً ما سيلقيهم، فالسباع تشتدّ شهيتها حين تتذوّق الدماء!
هناك مَن يخلع نفسه مِن ترابه، ويترك جذوره تجف، يظن نفسه قد أثمرت بالمكاسب، وروحه عاقر بلا ثمر! سرعان ما تغادر الخضرةُ عروقَه.. وفي موسم القطاف سيُفجعه خواؤه! وستدوسه أحذية الزُرّاع وهم يجمعون من صبرٍ الثمر! ويريد سماسرة القدس أن يبيعوا دمها للغزاة قطرة قطرة! تجمعها كؤوسهم ليشربوا نخب موتها! وما درى مَن باع ومَن اشترى، بأنّ دمها الطهور في كؤوسهم يثور! وكماء التنور سيُغرقهم! ولن يسلم مِن غرقٍ إلّا مَن حفظ عروقها، وقاوم سكّينا امتدت إليها بالذبح! ولن ينال سماسرة دمها (مهما احتالوا) غفرانا أو صفح!
بيوت المقدس عظام أجسادنا، والممرات إليها جلودنا تكسو مِن عشقٍ طهر الأرض! لا حقَّ لسمسارٍ في بيعها، لا حق لمن تنفّس الحياة بين جدرانها بطعنها، وكل الهراء الذي يقوله مَن باع مِن جشعٍ حجارة بيته فيها والتراب، لا يُعفيه مِن غضب مآذنها، ومِن ثقل العقاب! فالسلطة الفلسطينيّة لا تبدو للقابضين على جمر أرواحهم فلسطينية الإيقاع! وكل همّها توقيع صكوك البيع للغزاة! ووأد الثورة قبل أن يتفتّح زهرها بأيدي الرافضين ذلّ الانحناء!
السلطة التي تفرض نفسها على شعب تمزّق بسكاكين الأُخوة والأبناء كما الأعداء! تُحقِّق للمحتلّ ما لا يملك أنْ يحقّقه لنفسه، تلاحق المجاهدين والثوّار، تعتقل وتنكّل وتعذّب! وتلعب دور الواشي الأمين في التنسيق الأمني المقدّس مع الاحتلال.. هي لا تلهث في أثر المقاومين وحسب، بل وتنهشهم نيابة عن عدوّهم! السلطة التي تتخلّى عن أحلام العودة تُعقَد من خلال شخوصها الصفقات المشبوهة لبيع حجارة المقدس للمغتصبين، مقابل متاع قليل!
القدس آخر معاركنا! القدس الحرف الأخير في كتاب عزّتنا! لن نغفر! ولن يغفر التاريخ لصاحب مالٍ تخلّى عن حجارتها، وما اشترى بماله عزّتها، وتركها نهبا للغزاة! لن نغفر لمن باع حزن حجارتها، ونكّس أعمدتها في حضرة المغتصبين بورقٍ ممهور بأسماء السماسرة! لن نغفر لمن سكّينه يتقطّر بدمها، وهو يدّعي بأنه ما عرف بأنّ لحجارة القدس دماء تسيل! لن نغفر لمن صمت وظنّ في الصمت السلامة، تاركا الأرض تحترق بأهلها، ونسي بأنّ النار تحملها الريح إلى حيث يسير! وبغير رمادٍ يغطّي الأرض لا يتوقّف نهمها.. ولن نغفر لأنفسنا.. إنْ لم تكن القدس جلّ همّنا، ولم نعمل لكسر قضبانها رغم هواننا، وندعو مِن هذا الصمت المذلّ للنفير! ليتحرّر الزيتون على الجبال المعتقلة، ليتوقّف هدر الكرامة وسفك دماء المظلومين، فهذا العدو وقد انتشرت الفوضى مِن حوله، لا شيء يوقف تمدٌّده غير إرادةٍ تستمطر سماء الصبر بآيات النصر والتكبير.
لا أمل للأرض التي تتوق للحرية إلّا بثورة تجتاح الشوارع بإرادة مَن ينتزع حرّيته مِن جلّاده! وذرّ الرماد في الأعين لن يعميها عن الحقيقة، فللحقيقة نورها، وصوتها، وكفّها التي تصفع بها مَن يُخفيها! فلا تخيفنّكم كثرةُ الخبيث، فالله لا تعجزه كثرته! تلك غزّة وحدها تدفع الثمن! فهل وحدها عَرَفت.. قيمة الوطن؟! ولنا في القدس لقاء..
(المصدر: مدونات الجزيرة)