مقالاتمقالات مختارة

القائد والعزائم

القائد والعزائم

بقلم د. سعد الكبيسي

هناك قاعدة متداولة وكثيرًا ما يحدث اللبس فيها وتجري على الألسنة دون تمحيص وهي “أن القادة يأخذون بالعزائم دائما” سواء في ذلك القائد السياسي أو الديني أو التربوي أو الاجتماعي…الخ

والحقيقة أن هذا ليس على إطلاقه فالمقصود أن القائد يأخذ بالعزيمة فيما يتعلق بخاصة نفسه لا فيما يتعلق بأتباعه.

 

ففيما يتعلق بخاصة نفسه فله أن يأخذ بالعزيمة ما شاء وأراد.

أما فيما يتعلق باتباعه فهو يأخذ بالعزيمة والرخصة بحسب “المصلحة” في ذلك.

لذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم من يؤمَّ الناس بالصلاة فليخفف، ومن كان وحده فليطوّل ما شاء.

وقد تكون العزيمة على القائد واجبة أحيانا وتكون الرخصة واجبة أحيانا أخرى.

فالإمام أحمد كان قائدا وأخذ بالعزيمة في محنته لأن المصلحة كانت في ذلك فلم يبق إلا هو ليثبت السنة ويحمي القرآن حيث البقية أخذوا بالرخص.

بينما قبَّل ابن حذافة رأس العدو وأخذ بالرخصة لأن مصلحة استنقاذ الأسرى كانت أفضل من المواجهة والعزيمة.

لقد أخذ زيد وجعفر وابن رواحة بالعزيمة في مؤتة لأن المصلحة كانت في المواجهة فلما تبينت قوة العدو أخذ خالد بالرخصة في الانسحاب رضي الله عنهم أجمعين.

حين تكون وحدك لك أن تسطر أروع قصص العزائم الفذة، لكن حين تكون رئيس دولة أو قائد مؤسسة أو رب أسرة فإن الأمر متعلق بالمصلحة إن كانت المصلحة في العزيمة فالعزيمة وإن كانت المصلحة في الرخصة فالرخصة.

الأحوال الإيمانية والقلبية مثلا نأخذ بالعزيمة فيها حين نكون وحدنا أما ونحن قادة وقدوات ولنا أتباع فالمصلحة هي الحاكمة هنا لا أحوال القائد الإيمانية.

لنقرأ هذا الحديث ونرى ما فيه من الفقه :

روى مسلم عَنْ جَابِرِ بنِ عبدِ اللَّهِ رضِيَ اللَّهُ عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الفَتحِ إِلى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ – وهو موضع بين مكة والمدينة- فَقِيلَ لَهُ : إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ . فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ ، فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ، ثُمَّ شَرِبَ . فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ : إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ . فَقَالَ : أُولَئِكَ الْعُصَاةُ ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ .

فهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القائد وأخذ بالرخصة في الإفطار ولم يأخذ بالعزيمة لمشقتها على الناس بل أوجب عليهم الرخصة لأجل مصلحتهم في إكمال الطريق ودفع الضرر.

(المصدر: رابطة علماء السوريين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى