الفلسطينيون في سجون الاحتلال مختطفون ورهائن وليسوا بأسرى طبقًا للقانون الإنساني الدولي
بقلم د. السيد مصطفى أبو الخير
من بين الأخطاء القانونية الشائعة في المجتمع الدولي والعربي، بأن الفلسطيني الذي يقع في قبضة الاحتلال في فلسطين العربية المحتلة أسير وتطبق عليه اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949م بشأن أسرى الحرب، ولكن التكييف القانوني السليم والصحيح أنه مختطف وتنطبق عليه اتفاقية نيويورك لاحتجاز وأختطاف الرهائن لعام 1979م، والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977م الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949م، وسوف نبين هنا تفصيلات ذلك ([1]).
الحقيقة التي أود أن يعرفها الجميع أن وجود المحتلين اليهود في فلسطين المحتلة، ليس لسبب تأسيس وطني قومي لهم بناء علي مزاعم باطلة، هم أول وأكثر البشرية معرفة أنها كذب وزور وبهتان، وهم يدركون جيدا وأكثر من العرب، أن فلسطين عربية .
لم يكتف القانون الدولي بالقول بعدم شرعية الاحتلال وما يترتب عليه من آثار، بل جعل العدوان والاحتلال لأراضي الدول، جريمة من الجرائم الدولية، وعد القائمون بالعدوان والاحتلال مجرمون يجب محاكمتهم أمام المحاكم الجنائية الدولية سواء الخاصة أو المحاكم الجنائية الدولية ذات الطابع الدولي، أو أمام المحكمة الجنائية الدولية، التي نصت علي ذلك في المادة الخامسة من النظام الأساسي لها.
وقد فرض القانون الدولي الإنساني حماية قانونية علي حركات التحرر الوطني وأفراد الشعوب التي تقاوم الاحتلال لنيل الحرية والاستقلال وللحصول علي حق تقرير المصير، وقد نصت اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م البروتوكولين الإضافيين لهم لعام 1977م علي هذه الحماية ([2])، وكذلك في العديد من قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، وعلي رأسهم قرار الجمعية العامة رقم 1514/ الدورة (15) الصادر في 14/12/1960م، الخاص بتصفية الاستعمار ومنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة.
وإعلان المبادئ الإنسانية الأساسية في جميع النزاعات المسلحة ومبادئ الوضع القانوني الخاص بالمناضلين ضد السيطرة الاستعمارية والأجنبية والأنظمة العنصرية، الذي يعد تعديلا لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م والبروتوكولين الإضافيين لهم لعام 1977م، وقرار الجمعية العامة رقم (3103) الدورة (28) الصادر في 12/12/1973م، وقد اعتبر هذا القرار أن الاحتلال واستمراره يعتبر جريمة، وأعطي للشعوب المستعمرة حقا طبيعيا في مقاومة الاحتلال بكافة الوسائل، وكذلك قرار الجمعية العامة رقم 31044 الخاص بتعريف العدوان، والعديد من الاتفاقيات الدولية وعلي رأسها اتفاقية نيويورك لعام 1979م الخاصة بتحريم الخطف وأخذ الرهائن ([3]).
وقد نص البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977م الملحق باتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م في ديباجته علي (لا يجوز أن يفسر أي نص ورد في هذا الملحق ” البروتوكول ” أو في اتفاقيات جنيف لعام 1949 على أنه يجيز أو يضفي الشرعية على أي عمل من أعمال العدوان أو أي استخدام آخر للقوة يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة. وإذ تؤكد من جديد, فضلاً عن ذلك, أنه يجب تطبيق أحكام اتفاقيات جنيف لعام 1949م وأحكام هذا الملحق “ البروتوكول” بحذافيرها في جميع الظروف, وعلى الأشخاص كافة الذين يتمتعون بحماية هذه المواثيق دون أي تمييز مجحف يقوم على طبيعة النزاع المسلح أو على منشأه أو يستند إلى القضايا التي تناصرها أطراف النزاع أو التي تعزى إليها) مما يؤكد علي عدم شرعية وجود الكيان الصهيوني في فلسطين التاريخية من البحر إلي النهر، مهما صاغ أرباب السياسة من مصطلحات سياسية لإضفاء شرعية زائفة علي جرائم واضحة، كما تؤكد موضوع الدراسة والهدف منها.
وقد نص البروتوكول السابق في المادة الأولي منه على:
- تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تحترم وأن تفرض احترام هذا الملحق “البروتوكول” في جميع الأحوال.
- يظل المدنيون والمقاتلون في الحالات التي لا ينص عليها في هذا الملحق “البروتوكول” أو أي اتفاق دولي آخر, تحت حماية وسلطان مبادئ القانون الدولي كما استقر بها العرف ومبادئ الإنسانية وما يمليه الضمير العام.
- ينطبق هذا الملحق “البروتوكول” الذي يكمل اتفاقيات جنيف لحماية ضحايا الحرب الموقعة بتاريخ 12 آب/ أغسطس 1949 على الأوضاع التي نصت عليها المادة الثانية المشتركة فيما بين هذه الاتفاقيات.
- تتضمن الأوضاع المشار إليها في الفقرة السابقة, المنازعات المسلحة التي تناضل بها الشعوب ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية, وذلك في ممارستها لحق الشعوب في تقرير المصير, كما كرسه ميثاق الأمم المتحدة والإعلان المتعلق بمبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول طبقاً لميثاق الأمم المتحدة.
تؤكد هذه المادة علي الحماية القانونية للشعوب والمقاتلين الذين يقامون الاحتلال لتحقيق المصير ونيل الاستقلال، في القانون الدولي وما استقر عليه العرف والمبادئ الإنسانية وما يمليه الضمير العام، وأي اتفاقية دولية قد تعقد في المستقبل تمنح هؤلاء المدنيين والمقاتلين حقوق أفضل من المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م والبروتوكولين الإضافيين لهم لعام 1977م، مما يعد معه أي اتفاقية دولية بذلك تعديلا لهذه الاتفاقيات الأربعة والبروتوكولين سالفي الذكر، أي بمصطلح قانوني مستقر في الأنظمة القانونية الموجودة في العالم، تطبيق القانون الأصلح علي الواقعة وعلي أطرافها.
وقد صدرت عدة اتفاقيات دولية تعتبر تعديلا لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م والبروتوكولين الإضافيين لهم لعام 1977م، وتنطبق علي الشعب الفلسطيني كله، من هذه الاتفاقيات الآتي ([4]):
- اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية لعام 1968م، وقد ارتكبت قوات الاحتلال الإرهابية جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في فلسطين التاريخية من النهر إلي البحر، وهذه الجرائم لا تسقط بالتقادم وهذا يؤكد صواب ضرورة محاكمة ما يسمون بالإسرائيليين قادة وأفراد.
- – اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1984م، وقد ارتكبت قوات الاحتلال الصهيونية جرائم إبادة جماعية في فلسطين التاريخية من النهر إلي البحر، تطبيقا لهذه الاتفاقية يجب محاكمة قوات الاحتلال قادة وأفراد ومعاقبتهم علي جرائمهم في فلسطين وغيرها من الدول العربية التي ارتكبت فيها جريمة إبادة ومنهم .. لبنان ومصر والأردن وسوريا.
- اتفاقية نيويورك لاحتجاز وأختطاف الرهائن لعام 1979م، والتي نصت في المادة الثانية عشرة منها علي (بقدر ما تكون اتفاقيات جنيف لعام 1949م لحماية ضحايا الحروب أو البروتوكولات الإضافية لتلك الاتفاقيات سارية علي عمل معين من أعمال أخذ الرهائن، وبقدر ما تكون الدول الأطراف في هذه الاتفاقية ملزمة، وفقا للاتفاقيات المذكورة، بمحاكمة أو تسليم أخذ الرهائن، لا تسري الاتفاقية علي فعل من أفعال أخذ الرهائن يرتكب أثناء المنازعات المسلحة المعرفة في اتفاقيات جنيف لعام 1949م وبروتوكولاتها، بما في ذلك المنازعات المسلحة التي يرد ذكرها في الفقرة (4) من المادة الأولي من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977م، والتي تناضل فيها الشعوب ضد السيطرة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي ونظم الحكم العنصرية، ممارسة لحقها في تقرير المصير كما يجسده ميثاق الأمم المتحدة وإعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية فيما بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة).
تطبيقا لهذه الاتفاقية والمادة سالفة البيان، يعتبر الفلسطيني الذي يقع في قبضة الإحتلال في فلسطين التاريخية رهينة مختطف وليس أسيرا، لأن هذه الاتفاقية (نيويورك لعام 1979) تعتبر طبقا للمادة الأولي من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977م والملحق باتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م تعديلا للاتفاقيات الأربعة والبروتوكولين الإضافيين لعام 1977م، وخاصة اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949م بشأن أسري الحرب، مهما يجعل كافة الفلسطينيين الموجودين تحت قبضة الإحتلال في فلسطين رهائن مختطفون وليسوا أسرى.
وتأكيدا لذلك قرار مجلس الأمن رقم (687) الصادر في 3/أبريل /نيسان لعام 1991م([5])، الذي اعتبر الكويتيين الموجودين بالعراق رهائن مختطفين وليسوا أسرى، فقد نص في ديباجة هذا القرار على (وإذ يشير إلي الاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن التي فتح باب التوقيع عليها في نيويورك في 18 كانون الأول/ ديسمبر 1979م، والتي صنفت جميع أعمال أخذ الرهائن علي أنها من مظاهر الإرهاب الدولي) كما نص القرار السالف في الفقر(زال/29) على ( وتيسير إمكانية وصول اللجنة الدولية إلي جميع هؤلاء الأشخاص حيثما يوجدون أو يكونون محتجزين) يتضح من ذلك أن القرار لم يطلق علي الأشخاص الكويتيين الذي أخذهم العراق في حرب الخليج الثانية عام 1991م أسرى، ويؤكد ذلك الإشارة في ديباجة القرار علي اتفاقية نيويورك لعام 1979م التي حرمت الاختطاف وأخذ الرهائن، وقد طلب من العراق بتطبيق هذه الاتفاقية علي الكويتيين المحتجزين في العراق ([6]).
و تنص المادة الثالثة المشتركة في ذات البروتوكول على (لا يخل ما يلي بالأحكام التي تطبق في كل الأوقات:
(أ) تطبق الاتفاقيات وهذا الملحق “البروتوكول” منذ بداية أي من الأوضاع المشار إليها في المادة الأولى من هذا الملحق “البروتوكول”.
(ب) يتوقف تطبيق الاتفاقيات وهذا الملحق “البروتوكول” في إقليم أطراف النزاع عند الإيقاف العام للعمليات العسكرية, وفي حالة الأراضي المحتلة عند نهاية الاحتلال, ويستثنى من هاتين الحالتين حالات تلك الفئات من الأشخاص التي يتم في تاريخ لاحق تحريرها النهائي أو إعادتها إلى وطنها أو توطينها. ويستمر هؤلاء الأشخاص في الاستفادة من الأحكام الملائمة في الاتفاقيات وهذا الملحق “البروتوكول” إلى أن يتم تحريرهم النهائي أو إعادتهم إلى أوطانهم أو توطينهم.). تؤكد هذه المادة علي استمرار الحماية القانونية للشعوب والمقاتلين الذين يناضلون لنيل الاستقلال وتقرير حق المصير، أي طالما وجد الكيان الإسرائيلي في فلسطين، فالحماية القانونية للشعب الفلسطيني مستمرة إلي أن يتم تحرير فلسطين التاريخية من النهر إلي البحر.
تطبيقا وترتيبا علي ما سبق بيانه وتوضيحه، يعتبر كل فلسطيني يقع في قبضة القوات الإحتلال العنصري الإسرائيلي في فلسطين المحتلة من النهر إلي البحر، رهينة ومختطف وليس أسيرا وينطبق عليه اتفاقية نيويورك لعام 1979م التي جرمت الخطف وأخذ الرهائن وليس اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949م بشأن أسرى الحرب، وقد أعطت اتفاقية نيويورك لعام 1979م الحق لأفراد حركات التحرر الوطني والشعوب التي تكافح الاحتلال لنيل الاستقلال وتحقيق حق تقرير المصير، الحق في القبض علي جنود وقادة قوات الاحتلال ومحاكمتهم أو قتلهم علي أساس أنهم مجرمي حرب، ولا يعد ذلك جريمة من جرائم الحرب، لأنه تنفيذا لفعل مباح وهو حق الدفاع الشرعي وحق تقرير المصير([7]).
[1] – راجع اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م والبروتوكولين الإضافيين لهم عام 1977م بكتاب المؤلف مستقبل الحروب دراسات ووثائق، دار مصر العربية، القاهرة، 2009م،
[2] – الدكتور/ حازم محمد عتلم، قانون النزاعات المسلحة الدولية المدخل النطاق – الزمني، دار النهضة العربية، الطبعة الثانية، 2002م، ص: 193.
[3] – راجع كتاب المؤلف، الحرب الأخيرة علي غزة في ضوء القانون الدولي العام، دار ايتراك القاهرة، عام 2009م،
[4] – موسوعة اتفاقيات القانون الدولي الإنساني، النصوص الرسمية للاتفاقيات والدول المصدقة والموقعة، إصدار بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقاهرة، الطبعة الرابعة، 2002م.
[5] – راجع كتاب المؤلف، وثائق تحالفات العولمة العسكرية، دار ايتراك، القاهرة، عام 2005م، ص: 33/47.
[6] – المستشار/ حسن أحمد عمر، حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال حسب القانون الدولي، بحث مقدم لمؤتمر إسرائيل والقانون الدولي الذي نظمه مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، ببيروت في 4 – تشرين الثاني /نوفمبر 2009م، ص: 12.
[7] – راجع تفصيلات ذلك ، الدكتور/ علي يوسف أبو بريق، حركات التحرر الوطني في القانون الدولي العام، رسالة دكتوراه، معهد الدراسات العربية، جامعة الدول العربية، القاهرة، 2009م.
(المصدر: رسالة بوست)