الفرق بين النقد والهدم – الفرق بين النصيحة والتعيير
بقلم د. سعيد بن ناصر الغامدي
كثرت دعوات (الإصلاح) في عصرنا هذا، و خاض فيها مَنْ يجيدها ويعرف آلياتها الحقيقية، ومن يتوهم، ومن لا يعرف، ومن ينطلق من إرادة خير ونصح ومن ينطلق من احتقان ونفسية متوترة، الشيء الوحيد الذي يجمع هؤلاء هو دعوى(الإصلاح) الذي يتوجه مرة نحو الأوضاع السياسية باسم المشاركة الشعبية والدستورية، ومرة نحو الأوضاع الاقتصادية باسم اقتسام الثروة وعدالة التوزيع ،ومرة نحو الدين باسم ثقافة التغيير والقراءة المعاصرة للنص، ومرة نحو العلماء باسم تكلس المؤسسة الدينية الرسمية وكسر احتكارها،ومرة نحو الدعاة باسم جمود الصحوة و دكتاتوريتها وتصحرها عدم جدواها ،ومرة نحو الثقافة العامة ومرة نحو المناهج التعليمية ومرة نحو المرأة والأوضاع الاجتماعية، والقائمة تطول، وستزداد طولا كلما ازداد عدد المتعالمين و المتحاذقين ومدعي العلم والثقافة والسياسة والكياسة،كما هو واضح في بعض الكتابات الصحفية والانترنتية0
ولا ريب أن النقد –في أصله- ظاهرة جيدة إذا اشتمل على شروط النقد الصحيح
ومنها – في تقديري-:
1- العلم بالشيء المنتقد، لأنَّ من جهل شيئا عاداه ،والجهل رأس الأدواء البشرية،وليست العبرة بادعاء العلم فكلٌ معجب بعقله وعلمه بل العبرة بوجوده حقيقة .
2- الصدق في النقد، و إلا تحوَّل إلى تصفية حسابات وأحنٍ شخصية أو فئوية، وأصبح نوعاً من التشاجر والمراء المذموم .
3- العدل، و إلا أصبح النقد نوعا من الظلم، بل ربما تحول إلى استبدال وضع وحال بما هو أشد فسادا وأعظم سوءاً .
4- مناسبة الحال زمانا ومكانا للنقد، لئلا ينحرف النقد عن طريقه الصحيح إلى طرائق قدداً، لا يحصل منها إلا الهدم والضرر والفساد .
5- استبعاد الحظ النفسي والاحتقان الذاتي والغضب الشخصي حتى يصبح النقد موضوعيا محققا للمصلحة، لا ذاتياً يناقر عن الذات المحمومة،وما أصعب هذا على النفوس0
وبسبب انعدام هذه الشروط أو بعضها،نرى قائمة الناقدين تطول وتطول، ونرى أن أكثرهم يلبس نظارة سوداء لا يرى العالم إلا بها، كما نرى أن نقد البعض لأوضاعنا لا يزيدنا إلا وهناً وفرقة وشحناء، كما يحدث على أيدي بعض المحتقنين والمترصِّدين الذين لا يعجبهم العجب ،ولا يؤمنون بمبدأ النسبية فيما يقبل النسبية، بل يتمددون على أرائكهم الذاتية يمارسون الانتقائية الذبابية، و يقومون بتلطيخ مالا يروق لهم من الأعمال والأشخاص، كما جاء في الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول( لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال أن يكثر لهم من الدنيا فيتحاسدون، وأن يفتح لهم الكتاب يأخذه المؤمن يبتغي تأويله، ولا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب، وأن يروا ذا علمهم فيضيعونه ولا يبالون (رواه الطبراني في الكبير)
وفي الختام لابد من التمييز بين النقد البناء والنقد الانتقائي الهدام وأن تسمى باسم المصلحة و(الإصلاح) وإرادة الخير، وخير ما يميز بين الأمرين ما أشار إليه الحديث الشريف المروي عنه صلى الله عليه وسلم ،عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(مثل الذي يسمع الحكمة فيحدث بشر ما يسمع مثل رجل أتى راعيا فقال يا راعي أجزرني شاة من غنمك فقال اذهب فخذ بأذن خيرها شاة فذهب فأخذ بأذن كلب الغنم) هذا مثال النقد الترصدي المتوتر، أما النقد العاقل البناء المثمر فمثاله الدعاء النبوي الشريف (وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا) ودليله قول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون)
ولا ريب أن المتشنج المتوتر المتقلب المزاج سيخسر من مواصفات العدل والإنصاف والموضوعية والمصلحة بقدر تشنجه وتوتره وتقلبات مزاجه، والله المستعان.
(المصدر: رابطة العلماء السورييين)