بقلم د. محمد جبر الألفي
الإفتاء:
يقال: أفتى في المسألة، إذا بيَّن حكمها، واستفتى: سأل عن الحكم[1]، قال تعالى: ﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ﴾ [النساء: 127]، والإفتاء عند علماء الفقه والأصول: إظهار الحكم الشرعي المتعلق بأمر من الأمور[2].
وهكذا يتفق التحكيم والإفتاء في أنَّ كلاًّ منهما إخبار عن الحكم الشرعي في الواقعة، ولكنهما يختلفان في كثير من الأمور:
1- فالتحكيم يستلزم وجود نزاع بين طرفين، أما الإفتاء فقد يكون نتيجة طلب شخص يريد أن يعرف الحكم ليعمل به في خاصة نفسه.
2- والتحكيم يجري في مسائل حددتها كتب الفقه، واختلف في تعدادها الفقهاء، أما الإفتاء فمحله يتناول جميع المسائل والأحكام.
3- والتحكيم – في رأي أكثرية الفقهاء – عقد مُلزِم لأطرافه، وينبغي عليهم الالتزام بنتيجته، أما الإفتاء فليس عقدًا، ولا تكون نتيجته ملزمة للمستفتي.
4- وقد اشترط كثير من الفقهاء أن تتوافر في المحتكَم إليه شروط القاضي، أما المفتي فلا يشترط فيه ذلك.
5- والتحكيم يتطلب من المحتكم إليه تمحيص الوقائع التي تقدم إليه قبل أن يصدر حكمه فيها، أما المفتي فإنه يسلم بالواقعة التي طلب منه إظهار الحكم فيها دون مناقشتها.
القضاء:
يقال: قضى يقضي قضيًا وقضاء وقضية: حكم وفصل، وقضى الله: أمر، قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾ [الإسراء: 23]، والقضاء: الحكم، أو الأداء، أو عمل القاضي[3].
وفي الاصطلاح: إظهار حكم الشرع في الواقعة فيمن يجب عليه إمضاؤه[4].
فلئن كان التحكيم والقضاء يشتركان في إظهار حكم الشرع في أمر من الأمور، فإنهما يختلفان من عدة وجوه:
1- فالقاضي يستمد ولايته من عقد التولية؛ ولذلك يكون القضاء هو الأصل في فض المنازعات، أما الحكم فإنه يستمد ولايته من عقد التحكيم، فيكون التحكيم فرعًا عن القضاء.
2- وبناء على ما سبق اشترط الفقهاء فيمن يتولى القضاء شروطًا لا تلزم فيمن يقول بالتحكيم.
3- وتطبيقًا لذلك جاز أن تكون ولاية القاضي عامة، أما المحكم فإنه يقتصر على الفصل في النزاع المطروح أمامه دون أن يتعداه إلى غيره، وخاصة ما يمتنع عليه أن ينظر فيه.
4- وأهم ما يفترق فيه القضاء عن التحكيم: أنَّ الأول لا يحتاج إلى اتفاق المتنازعين حتى ترفع الواقعة إليه – كما في التحكيم – وإنما لكل من المتنازعين أن يرفع الدعوى إلى القضاء بإرادته المنفردة، ودون الحاجة إلى رضاء خصمه.
5- فإذا رفع الأمر إلى القضاء، التزم كلا الخصمين بالسير في الدعوى إلى حين صدور الحكم، أما في التحكيم فالعقد غير ملزم لأطرافه عند بعض الناس، ولا يصير ملزمًا إلا بعد صدور الحكم عند بعضهم الآخر.
————————————–
[1] تاج العروس، لسان العرب، معجم مقاييس اللغة، المعجم الوسيط.
[2] ابن عبدالشكور، مسلم الثبوت مع المستصفى للغزالي، بولاق مصر: 1322هـ، 2 /403، السبكي، جمع الجوامع، الحلبي: 1356هـ – 1937م، 2 /392، 395، 397، القرافي، الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام، المكتب الثقافي: 1989، ص25،26، مصطفى السيوطي الرحيباني، مطالب أولي النهى، دمشق: 1961، 6 /437.
[3] تاج العروس، لسان العرب، المصباح المنير، المعجم الوسيط.
[4] الشربيني الخطيب، مغني المحتاج: 4 /372. وانظر في نفس المعنى: الكاساني، بدائع الصنائع: 7/2، مطالب أولي النهى: 6 /437، الشرح الصغير للدردير: 4 /186.
المصدر: شبكة الألوكة.