الفتاوى المتعلقة بالمساجد وصلاة الجمع والجماعات فيها | د. وصفي عاشور أبو زيد
كثرت الفتاوى المتعلقة بالمساجد وصلاة الجمع والجماعات فيها، في سياق انتشار وباء “فيروس كورونا” الذي أصبح عالميا، وأريد أن أنبه على أمور في هذا السياق باختصار شديد:
*أولا:* أن كثرة الفتاوى الفردية والجماعية دليلُ صحةٍ في الأمة، وأن هذه الأمة – بمجموعها – حريصة على دينها ولن تفرط فيه أبدا، والخلاف في مسائل هذه النازلة وارد، فليس فينا نبي معصوم يرفع الخلاف في المستجدات، وليسع بعضنا بعضا، ولا يتطاول أحدنا على الآخر، ولغة السِّباب والتخوين والاتهامات بلا دليل قاطع محرمة شرعًا.
*ثانيا:* إلغاء الجمع والجماعات لا يلزم منه إغلاق المساجد، فالمساجد تظل مفتوحة، ويُرفع فيها الأذان، ولا مانع من إقامة الصلاة فيها ولو بالإمام والمؤذن، وينضم لهما ما تيسر على ألا يصل ذلك لما فيه الخطر الممنوع الذي يقرره أهل الخبرة.
*ثالثا:* لا يصار إلى منع الجمع والجماعات إلا بعد استنفاد كل التدابير والأسباب الممكنة بأن يتم مثلا فحص الداخلين للمسجد، وقبل ذلك “الحجر الصحي” لكل من ثبت أو يشك في إصابته بوباء أو مرض مُعدٍ ونحو ذلك، فإن استُنفدت كل الأسباب والتدابير دون الحيلولة بين الناس وبين المرض انتشارا وعدوى، فلا مناص من منع الجمع والجماعات دون إغلاق المساجد.
*رابعا:* أنه لا يُعقل أبدا أن يُرخص الشرعُ الشريف في الصلاة في البيوت دون المساجد “صلوا في رحالكم” من أجل المطر الشديد أو الخفيف، والريح وما شابه ذلك ثم نجد من يحرم ترك الجمع والجماعات في المساجد من أجل وباء مهلك ومدمر ومفوت للنفوس والأرواح على النحو الذي نراه، فالشرع الشريف مبني على السماحة والتيسير المنضبط، والذي يباح للأدنى يباح للأعلى بطريق الأولى، ولا يدخل بأي صورة من الصور هنا الاستدلال بقول الله تعالى: “ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه وسعى في خرابها …..”. الآية. فهذه الآية هنا في غير مناطها، وقد قال الشيخ عبد الرحمن السعدي فيمن يدخل تحت طائلة هذه الآية الكريمة: “يدخل في ذلك أصحاب الفيل، وقريش، حين صدوا رسول الله عنها عام الحديبية، والنصارى حين أخربوا بيت المقدس، وغيرهم من أنواع الظلمة، الساعين في خرابها، محادة لله، ومشاقة”.
*خامسا:* أن ترك الجمع والجماعات في المساجد لعذر شرعي أو خطر محقق لا يعني تقديم النفس على الدين، تقديم النفس على الدين يقال حين تمنع إقامة الصلاة أصلا (فرادى وجماعات) فهذا هو تفويت الدين الذي يحرم، أما منع صلوات الجمع والجماعات فلا يقتضي ذلك، ولا يَفهم منه عالمٌ أن النفس قُدمت على الدين، فصلوات الجماعة قائمة في البيوت، وحتى في المساجد بما لا يؤدي للعدد الممنوع حسبما يقرره أهل الخبرة والذكر في ذلك، كما أن صلاة الجماعة من مكملات حفظ الدين، وصلاة الجماعة “سنة مؤكدة” على الراجح، وتركها بالكلية ودائما هو الذي يدخل في نطاق “المحرم”، أما ترك المندوب لبعض الوقت ولو بغير عذر فليس فيه إي إثم شرعًا، فكيف إذا قام عذرٌ مُهلك ومُفوّت للنفس على هذا النحو؟! فلا يُحتج على حرمة منع صلوات الجمع والجماعات بأن هذا تقديم للنفس على الدين المُقدمِ على النفس، على أن هذا الترتيب غيرُ مُسلّم ولا متفق عليه أصلا، فهناك من الأصوليين من قدم النفس على الدين!
أدعو الله أن يحفظ البلاد والعباد من كل سوء، وأن يردنا لدينه مردا جميلا.
والله تعالى أعلم.
(المصدر: قناة د. وصفي أبو زيد على التيليجرام)