الفاتيكان يشرح معنى الثالوث
بقلم د. زينب عبد العزيز
احتفل الفاتيكان، يوم 30 مايو 2021، بعيد «الثالوث المقدس»، الذي ابتدعه وفرضه على الأتباع في مجمع خلقيدونيا سنة 381. أي إن الفاتيكان قد احتاج إلى أربعة قرون ليتمكن من فرض عقيدة يصعب على العقل أو على المنطق البشري أن يتفهمها أو أن يتقبلها. وذلك منذ ابتداعها في القرن الرابع وحتى يومنا هذا، في القرن الواحد والعشرين. بدليل أن أغلبية المواقع الفاتيكانية صدرت أمس أو صباح اليوم وجميعها تضم موضوعات تناولت شرح معني الثالوث من مختلف الزوايا التعبدية والإيمانية أو حتى المنطقية..
وتنتهي كل معاني الشرح في نهاية المطاف بأنه يتعيّن على الأتباع تقبل هذه العقيدة إيمانيا، على الرغم من عدم وجودها في نصوص الأناجيل الأربعة المعتمدة. لأن نهاية إنجيل متّي وخاصة الجملة 19 التي تقول:
«فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس» هي عملية تزوير أثبها علماء الغرب بكل وضوح. فالثابت وثائقيا وتاريخيا أنها نُسجت وفُرضت في مجمع خلقيدونيا سنة 381 فكيف يمكن أن توجد في نَص إنجيل يقول الفاتيكان أنه مكتوب في مطلع القرن الثاني؟
وتبارت المواقع في شرح وإبراز مميزات كل واحد من أضلاع الثالوث، وبما يتميز عن غيره، وكيف أن الثلاثة واحد لكن كل واحد منهم مستقل تماما عن الآخر ولا ينفي أو يؤثر على الأطراف الأخرى.. فعلي سبيل المثال، تناول موقع «أليثيا» وغيرها من المواقع موضوع: «الثالوث، غموض في قلب العقيدة المسيحية»، أو «الثالوث المقدس مشروحا للأطفال»، «الثالوث، ذلك الساكن الرهيف الذي يسكن أرواحنا»، «ربٌ واحدٌ ثلاثيّ، ما الذي يتغيّر؟»، «الثالوث، وحدة ظاهرية التناقض»، «الثالوث غموض مخفي في نفس لحظة الكشف عنه»، و«لماذا الثالوث لا يتسم برهافة لاهوتية؟»، «ما العمل حينما يسكن الثالوث فينا؟» الخ من المقالات والشروح بحثا عن المنطق..
وإن دلت هذه المقالات والعديد غيرها عن شيء، فمن الواضح أنها تدل على صعوبة تقبل أي منطق سَوي لهذه التركيبة التي لا تزال بحاجة إلى شرح، رغم ستة عشر قرنا من الفرض والممارسة.. فعلي الرغم من كل ما تمت صياغته عبر تلك القرون الممتدة، لا يزال الفاتيكان يحاول فرضها، خاصة بعد ما تباعد الأتباع بصورة لافتة للنظر عقب مجمع الفاتيكان الثاني (1965) وإلغائه رسميا عقيدة «إن اليهود قتلة الرب».. فبعد أن أذاقهم كل ما يمكن وما لا يمكن تخيله من الإهانات والعذاب والتعذيب، منذ البدايات الأولي لنسج المسيحية، لفصلها عن اليهود واليهودية، واستبعاد أن السيد المسيح يهودي الأصل والمنبت، إذا به وبلا مناسبة واضحة للأتباع، وبعد ستة عشر قرنا من الاتهام، إذ به يبرئهم فجأة من دم المسيح، بعد تكرار هذا الاتهام في قداس كل أحد وفي كل مناسبة دينية كبري..
أما الجديد في هذا الموضوع، موضوع الثالوث ومحاولة شرحه بشتى الوسائل والعبارات، فوفقا للبابا فرنسيس، وما أعلنه أمس بصريح العبارة، وهو ما وضعته في العنوان: «إن الثالوث هو نبع الوحدة لكل البشر».. وهذا الإعلان السافر بكل هذا الوضوح، الذي أعلنه من الشرفة الرئيسية للفاتيكان، المطلة على ساحة بطرس وأمام مئات الأتباع، يندرج بلا نقاش أو تردد تحت محاولته تنصير العالم، ذلك القرار الذي أتخذه وأعلنه رسميا مجمع الفاتيكان الثاني، وأنشأ له لجنة خاصة للحوار بين الأديان، ولجنة أخري لتنصير الشعوب.
والإضافة الجديدة هنا هي أن البابا قد تسلح بالوثيقة المريرة المسماة «الأخوة الإنسانية»، التي وقعها مع الأزهر في أبو ظبي، في فبراير 2019، وقد تناولتها في عدة مقالات في حينها. فلقد تسلح بهذه الوثيقة لتنفيذ قرار تنصير العالم الذي لا يكف عن الإشارة إليه بكل وضوح رغم ليّ العبارات الملساء..
فهنيئًا لكم أيها المسلمون، هنيئًا لكم أيها الصامتون النائمون، وخاصة الأزهريون منهم، المتحرجون حتى من النقاش العلمي الموضوعي، رغم كم الوثائق المتاحة، بل حتى رغم ابتعاد الأتباع عن تلك العقائد المنسوجة، خاصة في الغرب الذي بصم بأصابعه العشرة على مختلف أنواع التحريف بل وكرس القرنين الماضيين بحثا عن «يسوع التاريخي»، ولم يجد له أثرا..
والأدهى من ذلك محاولة البابا إثبات أن المسيحيين، منذ البداية، يؤمنون برب واحد، وإن المسيحية ديانة توحيدية موحدة برب واحد، ويساويها بالإسلام، بل بدأ الفاتيكان استخدام لفظ الجلالة في الترجمات العربية بدلا من كلمة «الرب» لتسهيل ابتلاع المسلمين في جعبته الفضفاضة. ولو كانت المسيحية تؤمن برب واحد كما يدعي، لما تناول القرآن الكريم تاريخها وكيفية صنعها هي ومن «سبقوهم في الإيمان»، على حد وصف البابا لليهود الذين لعنهم لمدة ألفي عام، ثم تذكر أنهم أبرياء.. ولما احتلت سيرتهما وتاريخهما ثلث القرآن تقريبا.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)