الغرب يفتعل الصدام لعرقلة انتشار الإسلام
بقلم عمر بلقاضي
المقالة تبين سبب الحملة الغربية على الوطن العربي والتي أعطاها اسما يهيئ النفوس لسهولة الاختراق وهو اسم ثورات الربيع العربي وبذلك يستطيع الوصول إلى أهدافه المسطرة بكلفة بشرية ومادية قليلة لان العرب في حملته هذه سيدمرون أنفسهم بأيديهم وأموالهم ليقعوا فريسة مشلولة بين يديه.
بسم الله الرحمن الرحيم..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
في القرون الأخيرة سادت في العالم مذاهب مادية الحادية تنفي الأديان باسم العلم، وتعتبرها خرافات وأفيونا للشعوب، حتى كان الإلحاد علامة على العلم والثقافة، هذه المذاهب ظهرت في أوربا لأسباب خاصة بالمجتمع الأوربي، لكنها انتقلت مع الاستدمار إلى الوطن الإسلامي، فركب موجتها أدعياء علم واثأروا زوابع شكوك في القلوب والعقول كادت تعصف بالإيمان الإسلامي، لولا أن الله عز وجل قيض لهم رجالا تولوا الدفاع عنه بقوة الفكر وصدق الالتزام، فجاهدوا في سبيل إعلاء كلمة الله بالحجة الدامغة والعبارة البليغة، نذكر منهم جمال الدين الأفغاني، محمد عبدو، رشيد رضا، ابن باديس، مالك بن نبي، وحيد الدين خان، المودودي، الشعراوي، محمد الغزالي، البوطي، عبد المجيد الزنداني، هارون يحي… وغيرهم كثير في السابقين والمتأخرين، منهم من قضى نحبه -رحمه الله- ومنهم من ينتظر -حفظه الله- فكشفوا عوار تلك المذاهب والأفكار، ونزعوا عنها غطاء العلم، وأعادوا لواءه إلى الدين، وهاهو هذا القرن يطل علينا وعقيدة الإلحاد بائدة، وحجة الإيمان سائدة، ولم يبق على ما كان إلا أصحاب العقول الجامدة. يقول الشيخ القرضاوي، حفظه الله.
«إن بعض الذين ينتسبون إلى العلم يعيشون بعقلية قرن مضى أو قرنين ولا يتابعون التطور الهائل الذي حدث في ميدان العلم والفكر في هذا القرن (القرن 20)، فهم أولى من يستحق اسم الرجعيين المتخلفين لأنهم سجناء نظريات أثبت العلم بطلانها، فالعلم عاد إلى أحضان الدين، وهذا ما يقوله العلماء في هذا العصر لا أشباه المتعلمين» (كتاب الإيمان والحياة).
نعم لقد ولى والحمد لله عصر التشكيك في الدين باسم العلم، وهذا القرن هو قرن العودة إلى الدين وباسم العلم الراسخ الذي تجاوز القشور إلى التغلغل في أعماق الحقائق، لكن: أي دين؟
الإسلام هو الدّين الذي يبشّر به العلم في هذا العصر
إن الإسلام وحده -لو ينصفون- هو المعني بهذه البشارة العلمية للأديان، لأنه هو الدين الوحيد الذي يوافق التوجهات العلمية والإنسانية للإنسان المعاصر، ولأن الإلحاد ما قام إلا كرد فعل على جهالات الكنيسة التي حجرت العقل البشري، وقمعت الفكر المتحرر، وأفسدت فطرة الإنسان، فتطلب التخلص من أغلالها خوض معركة مريرة، كانت كلفتها كبيرة، جعلت الإنسان في الغرب يذهب بعيدا في معاداته للأديان، إلى دركة الإنكار لوجود الديان، إلا أن الكثير من الذين ألحدوا في أوربا باسم العلم لم ينكروا وجود الخالق سبحانه الذي شعروا بوجوده بفطرتهم السليمة ومن خلال نتائج بحوثهم وتأملاتهم العلمية، إنما أنكروا الإله الثلاثي الذي تصوره الكنيسة، والذي باسمه يقمع من يقول بكروية الأرض إلى درجة الحكم بحرقه حيا، والذي ينصب باسمه سماسرة بينه وبين الناس التائبين ليأخذوا منهم الرشاوى من أجل مغفرة ذنوبهم، والذي يدعو الناس أن يتقربوا إليه بالأوساخ والقذارة، والذي باسمه تقام محاكم التفتيش لتعقب العلماء والصلحاء لتعذيبهم أو تصفيتهم بسبب آرائهم العلمية وعقائدهم الدينية.
فهل العودة إلى الدين تعني الرجوع إلى تلك التعاليم الكنسية المثبتة في كتبها المقدسة، مما يعني عودة الظلامية والهمجية والتخلف؟ أم أن الكنيسة ستعمل على تحريف تلك الكتب مرة أخرى لتنسجم.
إن الإسلام وحده هو الذي يساير الوثبة العلمية المتطورة، والروح الفكرية المتحررة، والطموحات الإنسانية المتحضرة للإنسان المعاصر، انه الدين الوحيد الذي يبني عقيدته على أساس العلم، ويتخذ من البحث العلمي وسيلة لإثبات حقائقه، ويرفرف بالإنسان في معارج الكمال المادي والسمو الروحي الأخلاقي، وهو وحده المؤهل للمحافظة على مكتسبات الحضارة الحديثة في ميادين العلم الكوني والاجتماع والسياسة.
إن العلم الحقيقي يدعو منذ عقود مضت وبإلحاح إلى العودة إلى الدين الذي أثبتت البحوث العلمية المعمقة والنزيهة أنه الحق، وهو دين الفطرة -الإسلام- يقول هرشل العالم الفلكي الانجليزي: «كلما اتسع نطاق العلم ازدادت البراهين الدامغة القوية على وجود خالق أزلي لا حد لقدرته ولا نهاية ، فالجيولوجيون والرياضيون والفلكيون والطبيعيون قد تعاونوا وتضامنوا على تشييد صرح العلم وهو صرح عظمة الله وحده»
ويقول هربرت سبنسر في رسالته التربية :«العلم يناقض الخرافات ولكنه لا يناقض الدين نفسه، يوجد في الكثير من العلم الطبيعي الشائع روح الزندقة، لكن العلم الصحيح الذي تجاوز المعلومات السطحية، ورسب في أعماق الحقائق بريء من هذه الروح، والعلم الطبيعي لا ينافي الدين، والتوجه إلى العلم الطبيعي عبادة صامتة واعتراف صامت بنفاسة الأشياء التي نعاينها وندرسها، ثم بقدرة خالقها، فليس ذلك التوجه تسبيحا شفهيا، بل هو تسبيح عملي» (من كتاب الإيمان والحياة للقرضاوي)
وهذه هي الحقيقة ذاتها التي جاء بها القرآن وبالطريقة التي دعا إليها في البرهنة على صحة الدين، إن هدى الإسلام يتلاقى دائما مع الفكرة المستقيمة النيرة، والفطرة السليمة الخيرة ، في كل عصر ومصر.
يقول عز وجل:
{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفََاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ} (53 فصلت)..
ويقول عز من قائل:
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوِاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ الليلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأولِي الألبَابِ الذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّناَ مَا خَلَقْتَ هذاَ بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (آل عمران 191)..
ويقول سبحانه:
{قُلِ انظُرُوا مَاذاَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} (يونس 101)..
ويقول جل جلاله:
{إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ وَمَا أنزَلَ اللهُ مِنَ السَّماَءِ مِن رٍّزْقٍ فَأحيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهاَ وَتَصْرِيفِ الرِّياَحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ تِلكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلوهاَ عَلَيْكَ بِالحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآيَاتِهِ يُؤمِنُونَ؟} (الجاثية من الآية 3 إلى 6)..
ويقول أيضا:
{إنما يخشى الله من عباده العلماء} ( فاطر 28).
إن الإنسان النزيه الباحث عن الحق في هذا القرن لا يفصله عن الإسلام إلا جهله به، وبمجرد أن يتعرف عليه يعتنقه بشغف، ومما يثبت ذلك إقبال النخبة المثقفة في الغرب «أوربا وأمريكا» والشرق «اليابان» على الدخول في الإسلام أفواجا، رغم افتقار الدعوة الإسلامية لأجهزة متخصصة تمارس الدعوة إلى الإسلام بأسلوب مدروس ومركز، يستعمل الوسائل العصرية، وينتشر في أكبر رقعة من العالم، كما هو الحال عند المسيحيين، فالدعوة إلى الإسلام مازالت فردية عفوية غير منظمة، فكيف لو كانت لها هيئات متخصصة متفرغة للعمل الدعوي بالوسائل العصرية اللازمة؟ إن هذا الإقبال على الإسلام رغم سوء حال المنتسبين إليه هو الذي أفقد سدنة الكنيسة وساسة الاستعلاء في الغرب رشدهم، وجعلهم يقومون بردود أفعال كلها طيش وحمق، كتهجمهم على خير البرية نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام، وكأنهم {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم} لما بهرهم أواره، وهذا يبين لنا نقطة ضعفهم الأساسية ، فما تمكن الباطل في العالم إلا بسبب غياب الدعوة الجادة المركزة إلى الحق «الإسلام»، وكل مسلم قادر مسئول على ذلك أمام الله والتاريخ والإنسانية.
الغرب يفتعل الصدام لعرقلة انتشار الإسلام
بعد أن تلاشى المعسكر الشيوعي وتداعت دولة الإلحاد في أواخر القرن الماضي والى غير رجعة، وأدرك الصليبيون المتصهينون في الغرب أن المعركة مع الإسلام في ميدان الفكر والحوار الحضاري محسومة مسبقا لصالح الإسلام، وأن الميدان الوحيد الذي يملكون فيه زمام المبادرة وفرصة الانتصار والتفوق هو ميدان الصدام المسلح لما لهم من قوة عسكرية وتطور في السلاح، شرعوا في إثارة الزوابع التي تعتم الرؤية، وتشغل الناس عن التفكير في حقيقة الإسلام، وتغيير ميدان المعركة وأسلوب المواجهة من الميدان الفكري والأسلوب الحضاري الإنساني، إلى ميدان المواجهة المسلحة، حيث يهمش الفكر أو يلغى تماما، ويهيمن سلطان القوة، وتمارس الهمجية بأبشع أساليبها (كما يحدث في العراق وأفغانستان والصومال وحدث من قبل في البوسنة)، وذلك هو المقصود بالحرب الاستباقية التي ابتكرها المتصهينون في الإدارة الأمريكية، والتي تهدف إلى ضرب الإسلام الصحيح قبل أن يشتد عوده، ويعم نوره في العالم، فيستحوذ على العقول والقلوب، ويقيم دولة الحق على الأرض، التي تمكن للعدالة، وترعى الحقوق بين الشعوب، وتحارب مظاهر الظلم العنصري والطبقي، والفساد الاجتماعي والخلقي، وجراثيم التطفل البشري من مصاصي دماء الشعوب، وكل ذلك ضد مصالح العصابات الصهيونية والمتصهينة المعششة في الغرب، وليس ضد مصلحة الإنسان الغربي البسيط المقهور بل هو عين مصلحته، لأنه تحرير له وتكريم وإسعاد.
ومن أهداف هذه الحرب أيضا التشويش على الإنسان العادي الساذج في الدول الغربية، بإثارة الأحقاد والضغائن مع المسلمين لكي يعرض تماما عن محاولة فهم الإسلام، وينأى عن اعتناقه كما سبق وان ذكرت (فلو أتيحت للمواطن البسيط في الغرب فرصة التعرف على الإسلام من خلال تعاليمه لاعتنقه مباشرة )، وهذا ما قرأ الصليبيون والصهاينة في الغرب حسابه، فاحتالوا على شعوبهم للحيلولة دون حدوثه ، بإثارة الصراع من جديد بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي على طريقة الحروب الصليبية.
والمتوقع من هذه الصدامات المفتعلة المسماة بالحرب الاستباقية أو محاربة الإرهاب والذي لا يقصد به الغرب غير (الإسلام السني الصحيح) أن تتطور إلى ممارسات غاية في الوحشية والدموية والمكر كلما وجد صعوبة في تحقيق أهدافه – والتي لن تتحقق أبدا، وهل ينتظر غير ذلك من تحالف بين المكر اليهودي والغل الصليبي؟
قال عز وجل: {وَدَّ كَثِيرٌ مِن أهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إيمَانِكُمْ كُفّارًا حَسَداَ مِنْ عندِ أنفُسِهِم مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} (109 البقرة)
وقال: {إِنْ يَثقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطوُا إِلَيكُمْ أَيْدِيهُمْ وَأَلْسِنَتهُمْ باِلسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} (الممتحنة 2)
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)