طالب الداعية والمفكر السعودي الشيخ د. سلمان بن فهد العودة، باحترام مبدأ الاختلاف بين الناس، مبينا أنه أمر فطري غريزي مفطور في النفوس بين الناس، حيث يختلف الأب مع ابنه، والأخ مع أخيه، والتوأم مع شقيقه.
وأكد في خطبة الجمعة التي ألقاها بجامع الإمام محمد بن عبد الوهاب، أن الاختلاف سُنة ربانية، منذ خلق الله عز وجل آدم عليه الصلاة والسلام.
وذكر أن الملائكة اختلفت وتنازعت فى الرجل الذى قتل مائة نفس، حيث اختلفت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. واختلف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كما فى قصة موسى والخضر، وكما فى قصة سليمان وداوود “إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم “. واختلف الصحابة رضى الله عنهم وأرضاهم.
وأشار إلى صور من اختلاف أبي بكر وعمر، وهما أفضل الصحابة، وسيدا كهول أهل الجنة، وأفضل من طلعت عليهما الشمس أو غربت.
وضرب أمثلة على اختلاف الصحابة، منها ما حصل من خلاف في غزوة بدر بشأن الأسرى، حيث قال أبو بكر: هم أقاربنا وبنو عمنا وعشيرتنا وأرى أن نرفق بهم لعل الله أن يهديهم، ونأخذ منهم الفداء ونطلقهم. بينما قال عمر بن الخطاب، الذى كان قويا في الحق: لا والله يا رسول، ما أرى رأي أبي بكر، فان هذه أول معركة أعز الله فيها الإسلام، وأرى أن تمكنني من فلان فأضرب عنقه، وتمكن عليا من فلان، وتمكن فلانا من أقاربه فيضرب عنقه، حتى يعلموا أنه ليس فى قلوبنا هوادة في دين الله عز وجل.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم، مال إلى رأى أبي بكر، القريب من اللين والتسامح، وقال للصحابة: أنتم فقراء فلا ينطلق أحد من المشركين إلا بفدية.
الاختلاف فطرة إنسانية
وتوقف عندما فعله النبى صلى الله عليه وسلم مرسخا مبدأ الاختلاف، وأنه أمر فطري غريزي مفطور فى النفوس بين الناس، حيث قال لأبي بكر: مثلك كمثل نبي الله إبراهيم، عندما قال: ” فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم”. ومثلك كمثل عيسى عندما قال:” إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم”.
وقال لعمر: مثلك كمثل نوح عندما قال: “رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا “، وكمثل موسى عندما قال:” ربنا إنك آتيت فرعون وملأه… “
وعلق على موقف النبى صلى الله عليه وسلم، من اختلاف أبي بكر وعمر، موضحا أنه أقر بوجود فرق في الطبع والتكوين والمزاج والرؤية والنظر، مع وجود الصدق والإخلاص.
تعلم سيرة أبي بكر وعمر
ونصح الشيخ العودة بتأمل سيرة الصديق وعمر بن الخطاب، مطالبا بأن تكون سيرتهما دروسا نعلمها لأبناء المسلمين وبناتهم، في المدارس، ونقدمها في البرامج الإعلامية، واقترح بأن تكون سيرتهما مادة درامية يسهل عرضها عبر وسائط الاتصال الحديثة، مع مراعاة الضوابط الشرعية.
وأبدى خوفه من أن يسبقنا غيرنا بنظرات غير موضوعية، لجيل الصحابة رضوان الله عليهم، حتى لا يشوهوا صورتهم أمام الأجيال المفتونة بالأدوات الاعلامية الحديثة وأمام غير المسلمين.
وجدد التأكيد على وجوب احترام الاختلاف الراقي الرشيد بين الناس.
كيفية احترام الاختلاف
وقال نحن نعقد آلاف المحاضرات ونلقي آلاف الدروس ونقرأ آلاف الكتب، ونطلق آلاف التغريدات حول الاختلاف، ولا يزيدنا الأمر إلا بعدا عن احترام المختلفين معنا، وولعا بتحويل الخلاف الى نار تأكل الأخوة.
وأوضح أن أمر الخلاف لايكفي فيه القاء دروس ومحاضرات وتغريدات، مبينا أن الخلاف يجب أن يكون منهجا وتربية تتعلمها النفوس وتستقر بداخلها وتتفهمها وتتواضع لها.
تعظيم الصحابة
ودعا الشيخ سلمان العودة لتعظيم الصحابة وحبهم والثناء عليهم، معتبرا ذلك التعظيم “قربة الى الله تعالى، ودليلا على صدق الايمان بالله تعالى ورسوله “.. وأشار الى أن الله عز وجل اختار الصحابة من بين سائر البشر، لصحبة النبى صلى الله عليه وسلم، والنبي رباهم على يده وعلمهم قولا وعملا، فى السلم والحرب والسفر والفقر والغنى والقوة والضعف، في مكة والمدينة، وقبل الهجرة وبعدها. فكانوا أفضل الأصحاب لأفضل الأنبياء.
تعظيم الصحابة واجب
وفي معرض دعوته لتوقير الصحابة وتعظيمهم، لم ينس العودة توضيح أن الصحابة بشر ليسوا معصومين، لافتا إلى أنهم كانوا يصيبون ويخطئون، معترفا باختلاف مراتب الصحابة فى سابقة الإيمان والتقوى والعلم والقوة والغنى والفقر، مؤكدا أن جيل الصحابة أفضل الأجيال، وأنهم أعظم الأمم، حيث اختارهم الله عز وجل لصحبة النبي وألهم النبي حُسن تربيتهم وتعليمهم، وتعاهدهم لأن يكونوا جيلا مثل المنارة لمن يخوض البحر، يهتدي بها ليعرف الطريق.
وأكد الشيخ العودة أن ” أمة تعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم سوف يتربى أفرادها على النٌبل وصدق الايمان، وحب الله والرسول، وعلى القيم النبيلة “.
وبيَنّ أن من يتعلم سيرة الصحابة يجد رجالا من لحم ودم لانهم طبقوا قيم ومباديء الإسلام قولا وعملا، عاشوا وماتوا عليها، فلا تجد فى النفس غضاضة من السير على نهجهم والاقتداء بهم.
وقال: قد نلتمس لأنفسنا العذر أن نخالف القيم وأن نتظاهر بشيء ونبطن خلافه وأن نختلف فيما بيننا، لأنه لا قيمة لمباديء لم يطبقها أصحابها الأولون.. وتساءل: هل يتوقع من يعيشون فى القرن الرابع عشر الهجري أن ينجحوا فى شيء، فشل فيه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟
وأجاب قائلا: ذلك أمر مستحيل.
الصحابة بشر لا ملائكة
وروي عن الصحابي عتبة بن غزوان، من أحد الرماة الأفذاذ ومن الذين أبلوا فى سبيل الله بلاء حسنا، قوله على منبر الكوفة ” والله، لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة وما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحِت أشداقنا، وما أصبح اليوم منا أحد إلا وهو أمير على مصر من الأمصار، وإني أعوذ بالله أن أكون فى نفسي عظيما وعند الله حقيرا ” ثم استغفر ونزل.
وعلق العودة على الرواية مؤكدا أن الصحابة لم يكونوا ملائكة، مبينا أنهم كانوا بشرا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ويتفقون ويختلفون، وقد يصدر من أحدهم الخطأ، لكنه يسارع بتصحيحه من تلقاء نفسه. أو يصححه أحد له، وقد ينزل القرآن ليصحح ما حدث.
وضرب مثلا بتصحيح القرآن لأخطاء الصحابة، بماحدث فى قصة حاطب بن أبي بلتعة.
وذكر أن القرآن نزل ليزكي الصحابة كما جاء فى قوله عز وجل: “لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة “.
وأبدى العوده اسفه من أقوال وكتابات منتسبين للاسلام، يقعون في سير الصحابة ويغمزون ويلمزون فيهم.
وتساءل: إذا لم نؤمن بالصحابة ونوقرهم ونحترمهم، فأي مستقبل لنا؟
وختم خطبته، بالـتأكيد على وجوب حب الصحابة والاقتداء بهم، والنظرة الايجابية لهم، واعتبر ذلك ” ليس مجرد عقيدة يتلقاها المسلم أو يقرأها، وانما هي تربية ينبغى أن يعرفها الصغار قبل الكبار، وهي روح تسري فينا تمدنا بالطاقة والقوة والأمل والحلم والرغبة في التغيير والنجاح وبلوغ الأفضل على صعيد الفرد والجماعة والأمة والشعب والدولة “.
المصدر: الشرق القطرية.