مقالاتمقالات مختارة

العودة.. سلطان الدعوة المؤثر!

العودة.. سلطان الدعوة المؤثر!

بقلم محمد الحافظ الغابد

خلال العقود الثلاثة الأخيرة، برز المئات من العلماء والدعاة ببلاد الحرمين، بشكل غير مسبوق، في القرون الأخيرة، لكن ثمة قلائل من هذه المئات، من يمتلكون تأثيرا سحريا على مستمعيهم، بدون شك، فإن الدكتور سلمان بن فهد العودة، في الصدارة من هؤلاء، ويماثله بشكل أعمق، الدكتور سفر بن عبد الرحمان الحوالي (شفاه الله)، المختص في الدراسات العقدية، والكلامية، هذان الرجلان، يمثلان حالة فريدة في الحركة الدعوية، في مهبط الوحي، وموئل الإيمان، ومهوى أفئدة المحبين للإسلام ومقدساته وأرضه وتاريخه.

كثيرا ما كنت على صلة بهذه البلاد، منذ وقت مبكر، شكل العودة والحوالي مع مطلع التسعينيات، وتحديدا في سنوات 1991 /1992مـ أهم صوتين متميزين بصدق اللهجة وامتلاك تأثير سحري على الشباب، في هذه البلاد المباركة، بل حتى خارجها وفي بعض الأحيان في أدغال افريقية، فقد كانت تصلنا أشرطته في المحاضر بموريتانيا، بشكل سريع في منتصف التسعينيات، وأعرف العديدين من الشباب تركت أشرطة الدكتور العودة بصماتها الواضحة في حياتهم الفكرية والروحية وحتى على أسلوب دراستهم للعلوم الشرعية، لكثرة استظهارهم لدروسه، ومحاضراته.

خلال منتصف التسعينيات، كانت أشرطة الكاسيت التي تأتي من السعودية في مناسبات مختلفة من التحف، التي يتحلق حولها الشباب وتتابع باهتمام خصوصا إذا كانت للشيخ سلمان العودة فتدفق الرجل ووعيه وطرحه كلها أمور تميزه، بحيوية وحرارة، عن أسلوب العلماء والدعاة الكثر، ولكن للرجل تأثيره وما وضع الله له من قبول لدى مستمعيه.

وما لاحظته منذ ذلك الوقت، أن هذا الرجل لا تكاد كلماته تلامس مسامعك حتى تشعر أن لها وقعا خاصا، ولم أر من الشباب من استمع لهذا الداعية الشاب آن ذاك، إلا وتأثر به، وارتبط به وانجذب إليه، شعوريا على نحو من الأنحاء، ولا أدري ما السر في ذلك، فقد كنت أحيانا أرجعه للأسلوب الرجل البياني المؤثر، و”إن من البيان لسحر” كما في الأثر، ثم أحيانا لاحظت أن الكثيرين من العلماء والدعاة لديهم إبانة وجودة في الأسلوب، ففسرت الأمر بــ “صدق اللهجة” أو الجنان وإخلاص الرجل ثم لاحظت أن الرجل موفق مهيئ من الله للبلاغ وإقامة الحجة فهو ممن قامت لله به الحجة على كثير من الناس في هذا العصر.

حتى عناوين أشرطته مختلفة أخاذة وجذابة “لا إله إلا الله” و “هكذا علم الأنبياء” و”جلسة على الرصيف” أما دروسه عن فقه الخلاف والإنصاف الذي ميز الصدر الأول، فقد كان الرجل مجددا مبدعا، أما ميزته الأهم عند أهل موريتانيا فحكاية شواهد الشعر الدالة دون أخطاء، وهو ما يطرب له القوم، حتى إنهم يمكن أن يتفهموا الخطأ في القرآن والحديث ولكنهم لا يتحملون الخطأ في الشعر.

تابعت في تلك الفترة بعض كتاباته ومقالاته في المجلات كالإصلاح الإماراتية وحصلت في العام 1994 على كتابه: حوار هادئ مع الشيخ الغزالي، (محمد الغزالي) الذي كان في تلك الفترة متميزا بطروحاته التي تحظى بنقاش ومتابعة قوية من طرف بعض شخصيات التيار السلفي، الذين يصنفون الشيخ الغزالي “رائدا المدرسة العقلانية” وكان كتاب العودة في الحقيقة متميزا في أسلوبه الهادئ الذي يلتمس المخارج الحسنة للرجل رغم ما يثيره من انتقادات خصوصا موقفه بشأن بعض قضايا السنة والذي أثار منذ صدور كتابه: “السنة النبوية بين أهل الفقه. وأهل الحديث”، نقاشا عريضا في ساحة الصحوة الإسلامية في كل مكان من العالم الإسلامي.

قاد العودة تيارا صحويا واسعا في السعودية منذ التسعينيات، فعزز تطور الفكر الإسلامي الصحوي، بوعيه وفكره الإيجابي، أفاد وشكل رافدا بدد أفكار العنف والانعزال، والانغلاق التنظيمي

إن الشيخ العودة نموذج للداعية المؤثر، والعالم المربي، والأستاذ المقتدر المتمكن من فنه، والمفكر الرصين الذي لا يكرر، ولا يجتر الأفكار، فهو صاحب أصالة في الفكر، وتجديد في الطرح، خطيب مؤثر لا يكرر نفسه، حتما تجد عنده كل مرة شيئا جديدا لم تسمعه من قبل.

قاد العودة تيارا صحويا واسعا في السعودية منذ التسعينيات، فعزز تطور الفكر الإسلامي الصحوي، بوعيه وفكره الإيجابي، أفاد وشكل رافدا بدد أفكار العنف والانعزال، والانغلاق التنظيمي، وعزز التيار الديني الأكثر انفتاحا، وهو من الذين طرحوا أفكارا جديدة في التعامل مع العلماء، والمرجعيات وحال دون الصدام مع المؤسسة الدينية الرسمية، أو أجله إلى حين تنضج الظروف، بشكل أفضل، ليتيح لها مراجعة أخطائها، وفعلا اكتسبها تياره لصالح الدعوة والصحوة، إلى مات أغلب علمائها المؤثرين، وسقطت في فخ، من ورثوا ألقاب علمية فقط دون أن يكون لديهم علم على الحقيقة كما هو حال آل الشيخ الآن، وجمع الدكاترة الموظفين المحيطين به وأغلبهم من رجال المخزن، المتحنثين في محاريب السلطة، المحافظين على كراسيهم المتصارعين على الحظوة والمكانة، وآخر ما يهمهم هو أمر الأمة” نسأل الله لنا ولهم الهداية والعافية”.

يقدم العودة اليوم، للمحاكمة، ويطالب المدعي العام، بإعدامه، وكان من المفروض، أن يمنح أهم الجوائز، التي ترصدها المؤسسات الثقافية في البلاد للعلماء والدعاة والمبدعين لكونه من أبرز الدعاة الذين عززوا تيار التسامح والسلم، بفكرهم النير، ونهضوا بدور تنويري فعال في سياق اجتماعي يعاني من الانغلاق والتشدد في مواجهة أنماط الحياة المعاصرة. والحق أن المجتمع في هذه البلاد فيه خير كثير لا يكاد يوجد في بلد في الدنيا من حيث الحرص على الإسلام وقضاياه، وحب الدعوة الإسلامية والانحياز لها في وجه الزحف التغريبي، المتأتي عن ضغط الثقافة الغازية وفشل الدولة ونظامها في بلداننا في مسألة الحكامة ورشدها والنهوض بالتنمية. نسأل الله سبحانه أن يفرج كربة الأمة في بلاد الحرمين وأن يحفظ أهلها دعاتها ومفكريها وعلمائها الناصحين، من كل سوء.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى