مقالاتمقالات مختارة

العمليات السيبرانية

العمليات السيبرانية

بقلم أحمد مولانا

ازدادت أهمية الاستخبارات السيبرانية أو بمعنى أوضح الاستخبارات الإلكترونية مع تزايد الاعتماد على شبكة الانترنت في إدارة الكثير من الأنشطة البشرية، حيث صارت معظم قطاعات البنية التحتية الحيوية في الدول المتطورة تقنياً مثل قطاعات النفط والغاز والكهرباء والنقل والأمن تعتمد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. كما أصبح الإنترنت أداة أساسية لدى كثير من الأفراد في التعلم والتواصل ومتابعة المستجدات فضلاً عن الترفيه وقضاء أوقات الفراغ.

ونظراً لذلك ازداد الاهتمام بالأمن السيبراني من قبل أجهزة الاستخبارات والمؤسسات العسكرية على مستوى العالم. ومن أبرز تجليات ذلك طرح البنتاجون في عام 2018 لعقد ضخم يدعى (البنية التحتية للدفاع المشترك) والذي يهدف إلى بناء سحابة بيانات لوزارة الدفاع الأمريكية بتكلفة تقدر بعشرة مليارات دولار، وهو مبلغ ضخم غير معتاد إنفاقه في ذلك المجال في عقد واحد. وهو عقد تتنافس على نيله كبريات شركات القنية مثل أمازون وأوراكل.

وكذلك أطلقت القوات الجوية الفرنسية مناقصة نهاية عام 2018 للتحقق من أمن أنظمة الحاسب المدمجة على متن طائراتها، حيث كان الاهتمام ينصب على أجهزة الحاسب الملحقة بالمعدات التي تعمل على الأرض، ولكن تزايد خطر الهجمات السيبرانية أدى إلى الاهتمام بالأنظمة المتواجدة على الطائرات.

أما القسم التقني في جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسية (DGSE) فقد أطلق عدداً من البرامج في عام 2019 للتعامل مع الطرق الجديدة لاستخدام الإنترنت، فبدأ في التركيز على مراقبة المحادثات الجارية بين ممارسي ألعاب الفيديو الجماعية، كما يحاول تلبية احتياجات موظفيه الذين يواظبون رغم العديد من المخاوف الأمنية على استخدام تطبيقات المواقع الجغرافية بشكل كبير مثل خرائط جوجل. وذلك عبر التخطيط لتدشين خرائط الجهاز الخاصة الآمنة، وبرامجه التجوالية.

ومن أبرز الأحداث التي توضح مدى الأهمية التي تستحوذ عليها الاستخبارات السيبرانية، الأزمة الخليجية التي اندلعت في مايو عام 2017 على خلفية اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية، وبثها لتصريحات مزيفة منسوبة للأمير تميم آل ثاني بخصوص إيران والسياسة القطرية في المنطقة.

فخلف الكواليس دارت معركة سيبرانية حامية الوطيس بين الإمارات وقطر. معركة استعدت لها الإمارات مبكراً. فالإمارات العربية المتحدة هي أول دولة في الخليج تؤسس بنية تحتية لمنظومة هجومية سيبرانية. فوكالة الأمن الوطني الإلكتروني (NESA)- وهي الجهاز الإماراتي المكافئ لوكالة الأمن القومي الأميركي (NSA)- تمتلك معظم ترسانة أنظمة الاعتراض والهجوم السايبيري التابعة للدولة، وهي آخذة في التوسع، وقد جرى تغيير اسمها في نهاية عام 2018 إلى وكالة استخبارات الإشارة.

وقد عقدت الوكالة عدة عقود مع شركات خاصة متخصصة في العمليات السيبرانية مثل شركة (Verint) الإسرائيلية- الأمريكية، ومجموعة (NSO) الإسرائيلية والتي تدعى الآن(Q) للتقنيات السيبرانية. إذ طُلب منها اعتراض اتصالات هواتف المسؤولين السعوديين والقطريين. وهذه الشركة سبق لها العمل لعدة سنوات مع جهاز أمن الدولة المصري مثلما فعلت شركة (جاما) البريطانية التي تقف خلف برنامج (فين فيشر). وهو برنامج أنتجته شركة جاما بغرض التجسس على نشاط مستخدمي الانترنت، وعندما اقتحم الثوار المصريون مقر مباحث جهاز أمن الدولة بمصر عام 2011 اكتشفوا عقداً بقيمة 387 ألف يورو بين جهاز أمن الدولة وجاما مقابل حصول الجهاز على البرنامج.

أما على الجانب القطري، فقد كانت قطر أقل جاهزية من الإمارات لخوض الحرب السيبرانية، ومن ثم لجأت عقب حادث اختراق وكالة الأنباء القطرية إلى مجموعة من الشركات المتخصصة مثل شركة جلوبال ريسك أدفايزرز(GRA)، التي يعمل بها عدد من الموظفين السابقين بوكالة المخابرات المركزية مثل جون بويرير المسؤول السابق في الوكالة الوطنية السرية بوكالة المخابرات المركزية (NCS) وضابط المخابرات البريطاني السابق ديفيد باول، بينما يرأسها مسؤول وحدة الاستخبارات السيبرانية السابق في وكالة الاستخبارات المركزية كيفين تشاكر.

وقد نفذت الشركة عدداً من عمليات القرصنة لحساب قطر. إذ أصبح من المعتاد عند الحصول على معلومات مهمة عبر عمليات القرصنة الالكترونية، أن تنشر تلك المعلومات عن طريق الصحافة العالمية، مثلما حدث في حالات اختراق البريد الإلكتروني للسفير الإماراتي بواشنطن يوسف العتيبة، أو البريد الإلكتروني لرجل الأعمال وجامع التبرعات الجمهوري والناقد الشرس لقطر إليوت برودي.

والذي تبين من مراسلاته الإلكترونية أنه أبرم عقداً بقيمة 200 مليون دولار مع الإمارات العربية المتحدة. وأنه رتب نظراً لقربه من جورج نادر صديق ترامب، لقاء لولي عهد الإمارات الأمير محمد بن زايد آل نهيان مع الرئيس الأميركي ترامب أثناء الحملة الرئاسية للأخير.

ومن جهته حرص برودي على مقاضاة بعض المسئولين القطريين أمام إحدى المحاكم الأمريكية في ولاية كالفورنيا بتهمة تنظيم حملة ضده واختراق أجهزة الحاسب الخاصة به، عبر الاستعانة بشركة جلوبال ريسك آدفايزرز(GRA).

إلا أن المحكمة رفضت الدعوى في سبتمبر 2018 الدعوى بحجة أن مسؤولي الحكومة القطرية محميون بموجب قانون الحصانة السيادية الأجنبية.

مما سبق تتضح الأهمية العملية للفضاء والأمن السيبراني، وأن هذا المجال لا يقتصر العمل فيه على أجهزة ومؤسسات الدول، إنما تشارك فيه شركات القطاع الخاص بقوة. كما يتاح أيضاً للأفراد الموهوبين في المجال التقني أن يلعبوا دوراً بارزاً في العمليات السيبرانية، وهو ما يسترعي العناية بالموهوبين في ذلك المجال من الشباب المسلم، سواء عبر دعمهم بالدورات الفنية التي يحتاجونها، أو بتوفير الأجهزة والأدوات والبرامج التي تسهم في تطوير مستواهم.

(المصدر: مجلة “كلمة حق”)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى