مقالاتمقالات مختارة

العلم والإبداع والطريق إلى بعث إسلامي جديد

العلم والإبداع والطريق إلى بعث إسلامي جديد

بقلم عزة مختار

في ظل مرور العالم اليوم بجائحة #كورونا التي أوقفت أنشطته بشكل تام تقريباً، بحروبه وبتروله واقتصاده وبنوكه ومصانعه ومعامله وجبروته وظنه أنه قد ملك الأمر فاستخلف نفسه إلاهاً في الأرض يتيه فيها فخراً ويعيث فيها فساداً ويحسب أن لن يحاسبه أحد، في تلك الجائحة وككل إشكالية في الأرض في هذا العصر تتخذ بلاد العرب دور المتفرج وانتظار الحل من الخارج، الخارج الذي يملك العلم والحرية ويحتل المراتب الأولى في كل مناحي التقدم، في الوقت الذي لا يؤمن بإله إلا ذاته، وما يراه، وتلك الأمة التي عبدت ربها دون أن تراه، وكان أول كلمة في كتابها الذي تتعبد به “اقرأ”، وتتوالى عليه الآيات في كتابها الذي تتعبد به تحثه على السعي والمعرفة:

{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} [العنكبوت:20]

{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [الأنعام:11]

{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} [النمل:69]

{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ} [الروم:42]

{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47]

{وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} [الذاريات:48]

{فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} [الحج:45]

أية أمة تلك التي تحمل دينا بهذا العمق والفهم والعلم والسعة والبحث العلمي والحض عليه ثم لا تكون أمة رائدة في علوم الحياة جميعها؟

أي دين هذا الذي يلخص قواعد الاقتصاد والتطور والغنى في كلمتين اثنتين في كتاب الله: {وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} ثم تكون أمة فقيرة تستورد غذاءها ودواءها وسلاحها، ثم لا تكون سلة غذاء تطعم العالم كله باتباع دينها حق الاتباع، وفهم كتابها حق الفهم!

ثم يأتي فيروس صغير “كورونا” يعلم العالم أن ما لا يرونه قد أوقفهم وعطل حياتهم، بينما الأمة الضخمة صاحبة التاريخ العريق، والفهم الدقيق، والكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تقف منتظرة العلاج، أو الترياق، أو المصل من يد الغرب غير المؤمن، وقد كان حرياً بها -بدافع من دينها، وبحركة من كتابها- أن تسعى وتبحث وتنتج وتعلم وتكتشف وتنقذ، وتتحرك باسم الله وباسم الإسلام منقذةً البشرية من جهلها ومرضها الجسدي والقلبي.

الإنسان أساس البناء الحضاري الإسلامي

بدأت فترة بناء الحضارة الإسلامية ليس كما يظن البعض بعد انتهاء فترة حروب الردة في عهد الصديق أبو بكر، ثم إنشاء الدواوين في عهد عمر وترتيب الدولة وعمل سجلات بأسماء الشعوب بعد الانتقال من مرحلة المحلية لمرحلة العالمية، وإنما بدأ البناء الحضاري الإسلامي في بطون مكة، وخاصة في بيت الأرقم حين تخفَّى المسلمون ليتعلموا بطريقة منهجية لأول مرة منذ ولدوا وعرفوا أسماءهم، وبطريقة لم تعرفها بطون العرب من قبل، وكل ما ندريه عن تلك الدار، أنهم كانوا يتعلمون القرآن، ليس لفعل شيءٍ في تلك الفترة، فلم يكن هناك أمر قرآني بالتحرك لنشر دعوة التوحيد، ولم يكن هناك أمر بمحاربة قريش التي تحول بين المسلمين وبين التعلم من نبيهم حتى اضطرتهم للتعلم خفية، ولم تكن هناك صلاة ولا حج ولا زكاة ولا صوم، فكل تلك الأركان تنزلت فيما بعد، فماذا كان الأهم عند الله، وفي المنهج التربوي الإسلامي لتمر أكثر من ثمان سنوات من الدعوة كما أجمع العلماء أن الصلاة فرضت في رحلة الإسراء والمعراج قبل الهجرة بعام ونصف؟ وأي إسلام كانوا يمارسونه بينما لا يحتوي على الأركان التي تنزلت تباعاً فيما بعد؟ وفيم كانوا يجتمعون كل تلك المدة؟ وحين هاجروا أي سلوك كان يميزهم عن غيرهم من غير المسلمين، بينما لم تتنزل تكاليف أكثر من حسن الخلق وتعلم سير السابقين عبر القصص القرآني الذي تنازل متناثرا في القرآن الكريم؟

لقد وضع الإسلام القاعدة الأساسية للبناء الحضاري والأمة الخاتمة التي سوف تكون الأمة الرائدة، خير أمة أخرجت للناس إلى يوم القيامة، والتي سوف تحمل المنهج الخاتم بعد وراثتها للنبي الخاتم، وهذا الأساس هو الإنسان، المكون الأولي لأية حضارة بشرية، ليس المال، وليست الطبيعة الملخصة في كافة الأشياء التي تحيط به ويعمل فيها، وليس الزمن الذي يمثل الأعمار المتوالية للبشرية والأجيال المتعاقبة والتي تكمل بعضها بعضا.

إنه الإنسان الذي قبل التكليف، وتحمل الأمانة التي أشفقت منها السموات والأرض، وتحول من مجرد تاجر في جوف الصحراء، يتاجر بالرقيق والأصنام وكل ما يشبع غرائزه، لطاقة جبارة تحيل الصحراء المترامية الأطراف لإدارة قوية تدير العالم من قلب يثرب المدينة الصغيرة، تنطلق منها الحملات لتجوب الأرض، وتصنع العواصم الكبرى، وتنتقل من عبر البحر الذي كانت تخشاه ظناً من أنه تسكنه الجان والأشباح فتصنع الأسطول الأقوى في التاريخ، وينتقل جندها من بلاد فارس إلى المدينة حاملاً ذهبها وجواهرها وسواري كسرى وتاجه وأموالها لا يلقي لها بالاً، ويلقيها بين يدي عمر بن الخطاب الحاكم العادل فيضعها في بيت مال المسلمين، وينفذ وصية رسول الله في إعطائها لمسلم كهل يأتي من خلف المسلمين اسمه سراقة بن مالك، تذكيراً بما حدث يوم الهجرة، يوم أن خرج الرسول من بلاده مهاجراً، مطارداً، يخشى عليه صاحبه من الموت، وإن هي إلا سنوات تمر، وتظهر سنوات الإعداد لذلك الإنسان المعجزة، والذي تربى على المنهج المعجزة، ليكون القرآن معجزة الدنيا لأولها وآخرها، وحتى يوم الدين.

أين الحركة الإسلامية من الأحداث اليوم؟

لقد أبلت الحركة الإسلامية في القرن الأخير بلاءً حسناً في إعداد الفرد المسلم على تحمل المسؤولية في حمله رسالة ربه والتحرك بها في موطنه ، لكنه كان إعداداً جزئياً لم يرق لمرحلة البناء الحضاري الكبير، ولكي تصل إلى تلك المرحلة عليها أن تقوم بالعديد من الأمور، منها:

– اعتماد منهج أكثر تطوراً، وأكثر شمولاً، وأكثر واقعية، وأكثر عمقاً في التخطيط المستقبلي.

– تبنّي مؤسسات علمية متخصصة في الدراسات المستقبلية ومراكز التنبؤ.

– أن تتبنى العلماء والموهوبين في كافة المجالات وتنفق عليهم ليكونوا رسلاً باسم الإسلام في العالم، في الوقت الذي لا يتحدث فيه العالم إلا بلغة العلم، ولا يقدر غير المتعلمين والأقوياء.

– أن تتبنى المتميزين من أبنائها، وأذكر هنا مثالاً صغيراً هو بين أيدينا، فعدد اليهود بالعالم أقل من عدد أفراد الحركة الإسلامية في العالم، لكنهم أعدادٌ متميزة استطاعوا أن يعطوهم الإمكانات ولو كانت عن طريق سرقة حقوق الغير للإبداع والحركة الحرة داخل كيان مستعمر، استطاع أن يتحرك أفقياً ورأسياً في ذات الوقت ليبني كياناً ولو كنا نعده كياناً وهمياً، والحركة الإسلامية تملك من القدرات ما يجعلها رائدة دون الصدام مع الأنظمة العالمية ولو بشكل مؤقت يسمح لها بوقت تربي فيها كوادرها تربية كافية، ليكون داعماً لها، وإثباتاً لوجودها، وداعياً لاتباعها.

إن الموقف اليوم لا يحتمل خلافات خاصة؛ فالجميع يمر بحالة ضعف شديد، ويقع تحت طائلة بلاء شديد، وقد يتساءل البعض: هل أخطأت الحركة الإسلامية على مدى تلك الفترة الزمنية التي مرت بها حتى وصلت لتلك الانتكاسة الكبرى؟ والجواب: بالطبع لا، لقد نجحت الحركة الإسلامية في الحفاظ على الإسلام حتى هذا اليوم برغم الحروب الشعواء التي تعرضت لها ، وبرغم وجود حركة الاستشراق التي أرادت أن تنال منه ليلحق بالشرائع الأخرى حين كتبت بأيدي أتباعها ودخل فيها حظ النفس بصورة كبيرة.

لكنهم بالرغم من عدم تكافؤ المعركة إلا أن الحركة الإسلامية مثلت الحراك التنويري المتتابع للحفاظ على روح الدين فخابت مساعي الآخر في التحريف، وما تزال الحرب شديدة على كافة المستويات خاصة الإعلامي منها، وتسخر فيها إمكانات دول في ظل التعتيم والتشويه والتضييق الحاد على كوادر الحركة، ويعد هذا مسوغاً أكبر لتغيير الوسائل والابتكار والإبداع وإعطاء مساحة كبيرة للمبدعين من كوادرها خاصة من خريجي كليات الشريعة ودارسيها، وكذلك في كافة مناحي العلم من العلوم الإنسانية للعلوم العملية.

لقد نبغ علماء الأمة الذين لا يخافون في الله لومة لائم، ونبغ معهم ابن سينا والفارابي وجابر بن حيان وغيرهم من العلماء، وظلت الإرساليات الأوروبية تسافر للأندلس لتلقي العلوم، في الوقت الذي تنكس فيه أعلام أوروبا إذا مرت ببلد إسلامي خوفاً من غضب حاكمها فيفتحها، إن القوة مطلوبة على كافة المستويات، وبما أن الإسلام لا يملك دولة تذود عنها نستطيع من خلالها أن نقول إن تلك الدولة تمثل الإسلام، فقد توجب على الحركة الإسلامية وهي تستطيع أن تسد تلك الثغرة، في تلك الأيام المريرة التي يمر بها العالم، وهي فرصة لا تتكرر كثيراً يمكن أن تنقذها من براثن التلاشي والفناء.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى