مقالاتمقالات مختارة

العلم وأولوياته

بقلم خولة درويش

العلم صدقةُ الأنبياء وورثتِهم، ففي الأثر: نعمت العطية ونعمت الهدية الكلمة من الخير يسمعها الرجل ثم يهديها إلى أخ له[1].

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مجلس فقه خير من عبادة ستين سنة.

وعن سفيان الثوري والشافعي رحمهما الله: ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم[2].

فالاشتغال بالعلم لله أفضل من نوافل العبادات البدنية من صلاة وصيام وتسبيح ودعاء ونحو ذلك. لأن نفع العلم يعم صاحبه والناس. والنوافل البدنية مقصورة على صاحبها. ولأن نفع العلم مصحح لغيره من العبادات، فهي تفتقر إليه وتتوقف عليه، ولا يتوقف هو عليها. ولأن العلماء ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والتسليم وليس ذلك للمتعبدين. ولأن طاعة العالم واجبة على غيره فيه. ولأن العلم يبقى أثره بعد موت صاحبه، وغيره من النوافل تنقطع بموت صاحبها.

ولأن في بقاء العلم إحياء الشريعة وحفظ معالم الملة[3].

وكان يقال: إذا التقى الرجل بالرجل فوقه في العلم فهو يوم غنيمة. وإذا التقى من هو مثله دارسه وتعلم منه، وإذا لقي من هو دونه تواضع له وعلمه.

والمدارس ليست الوسيلة الوحيدة للتعلم في الإسلام. فيحرم منه من حرم المدارس… فأمهات المؤمنين وسلفنا من الصالحات ما تخرجن من مدرسة ولا جامعة، ولكن ما قصر ذلك عن أن ينهلن من ينابيع العلوم والمعرفة…

أما حالنا في كثير من بلاد الإسلام فإنه يدعو للأسى والأسف. فالجهل يضرب أطنابه حتى في أمور الدين فضلًا عن العلوم الدنيوية!

لكن أي علم ندعو المرأة إلى طلبه؟!

أهو العلم الشرعي والاقتصار عليه؟!

أم هو الاقتصار على العلم العصري المتمثل بالشهادات والدرجات العلمية المختلفة؟!

والصحيح أن المقصود أي علم يؤهل المرأة لمواجهة تحديات العصر المختلفة.

فتتسلح بألوان الثقافة مما يهمها كمسلمة تهتم بأمر المسلمين…

• تهتم بالثقافة التربوية، مما يعينها على رعاية أبنائها -ولاسيما للأم المبتدئة- وإلا فشلت في حل مشكلاتها الأسرية والتربوية.

• تتزود من العلم فيما يهم مهنتها إن كانت معلمة أو طبيبة… فضلًا عن مهمتها كمسلمة داعية تشبع تطلعات من تخالطهن. لأنها لن تستطيع التأثير فيهن إلا إذا وجدن فيها ضالتهن المنشودة، لتملأ الفراغ الروحي والفكري الذي في نفوسهن، وتجيب عن تساؤلاتهم، وتنفعن في أمور الدين والدنيا…

وإذا علمنا ما تعلمه قوى الشر حيث تقف مجتمعة لمجابهة هذا الدين وأهله، وراقبنا عن كثب تفننها في وسائل مقاومته، وابتكارها الطريقة تلو الطريقة لتبقى الأجيال -شبابًا وشابات- في معزل عن مفاهيم دينهم، أو لتشويه صورته الناصعة في أعينهم…

أدركنا أن نشاط أعدائنا لحربنا لا يعطينا مبررًا إلى الركود والسلبية كما هو شأن البعض. فالهجمة الشرسة لا تصدها الانهزامية)[4].

ورضي الله عن الإمام أحمد إذ قال: الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب، لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين، وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه.

وعن الشافعي رضي الله عنه قال: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة. ومضى على ذلك أبو حنيفة رضي الله عنه.

وقال ابن وهب: كنت بين يدي مالك رضي الله عنه، فوضعت ألواحي وقمت أصلي فقال:

((ما الذي قمت إليه بأفضل مما قمت عنه))[5].

هذه آراء أئمتنا الأعلام، فعلام نهمل جانب تعليمنا ونركن إلى الدعة والخمول؟! إن علينا أن نكون على مستوى المسؤولية. فأعداؤنا يتربصون بنا وقد تركنا أولوياتنا!

فهذا مؤسس شبكة (سي.إن.إن) الإخبارية الأمريكية (تيد ترنر) قرر أكثر من (1،5) مليون دولار لتمويل مشروع لتربية الطالبات في موريتانيا. والمشروع يهدف إلى الحيلولة دون عزوفهن عن الدراسة ووضع حد لتسربهن في مرحلة التعليم الثانوي)[6].

فلماذا نفسح المجال لهم كي يستفيدوا من تقصيرنا لسد ثغرة طالما دخلوا منها واستغلوها شر استغلال لضرب حصوننا من داخلها؟!

ولا زالت أساليبهم الماكرة تستغل العلم… ولا زالت دعواتهم للانفتاح والتسيب باسم (العلم الذي يفهمونه) تلاحق المسلمات في كل مكان!!

• والعلوم المحمودة قسمان:

الأول: محمود إلى أقصى غاياته وكلما كثر كان أحسن وأفضل، وهو العلم بالله تعالى وبصفاته وأفعاله وحكمته في ترتيب الآخرة على الدنيا.

والثاني: العلوم التي لا يحمد منها إلا مقدار مخصوص وهي من فروض الكفايات.

والتقي من يشتغل بما يصلح نفسه قبل غيره، ويشتغل بإصلاح باطنه وتطهيره من الصفات الذميمة قبل إصلاح الظاهر. ومن ثم يشتغل لفروض الكفايات…

وإلا فإن مهلك نفسه في طلب صلاح غيره سفيه. ومثله مثل من دخلت العقارب تحت ثيابه وهو يذب الذباب عن غيره)[7].

• (نوال) نالت من العلم الدنيوي درجة لا بأس بها. فكانت طبيبة بارعة في مهنتها، تقول إنها تعمل ذلك ابتغاء الأجر عند الله تعالى. أما في واقع الأمر فكانت لا تتورع عن زيارة الأضرحة تقربًا لها! تتمسح بقبور ((الأولياء)) وتتوسل بهم، وتظن أن ذلك يرفع درجتها ويعلي منزلتها عند الله!

أوليس أول واجباتها تنقية عقيدتها من الشرك لتكون حركاتها وسكناتها لله وحده لا شريك له؟!

فأي علم أفادت وهي لم تتعلم ما تحفظ به دينها وإيمانها؟!

وحسبنا القرآن شفاء، وهدى الرسول صلى الله عليه وسلم ضياء ((يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم))[8].

فأعلى الهمم في طلب العلم طلب علم الكتاب والسنة، والفهم عن الله ورسوله نفس المراد وعلم وحدود المنزل. وأخس همم طلاب العلم من قصر همته على تتبع شواذ المسائل ما لم يتنزل ولا هو واقع، أو كانت همته معرفة الاختلاف وتتبع أقوال الناس، وليس له همة إلى معرفة الصحيح منها، وقل أن ينتفع واحد من هؤلاء بعلمه)[9].

فطالب العلم يبتدئ أولًا بكتاب الله العزيز فيتقنه حفظًا، ويجتهد على إتقان غيره… فإنه أصل العلوم وأمها وأهمها…

ولا يشغل بعلم عن دراسة القرآن وتعهده، وملازمة ورده منه في كل يوم أو أيام و جمعة. وليحذر من نسيانه بعد حفظه. فقد ورد فيه أحاديث تزجر عنه)[10].

تقرأ المسلمة الصالحة القرآن الكريم بتدبر وتفهم، مما يبعث على الطمأنينة فلا تزال معاني القرآن الكريم تنهض العبد إلى ربه بالوعد الجميل، وتحذره وتخوفه بوعيده من العذاب الوبيل، وتهديه في ظلم الآراء والمذاهب إلى سواء السبيل، وتصده عن اقتحام طرق البدع والأضاليل. وتبعثه على الازدياد من النعم بشكر ربه الجليل. وتبصره بحدود الحلال والحرام وتوقفه عليها لئلا يتعداها فيقع في العناء الطويل. وتثبت قلبه عن الزيغ والميل عن الحق والتحويل. وتسهل عليه الأمور الصعاب والعقبات الشاقة غاية التسهيل. وتناديه كلما فترت عزماته وونى في سيره: تقدم الركب وفاتك الدليل.

فاللحاق اللحاق، والرحيل الرحيل. وتحدو به وتسير أمامه سير العليل. وكلما خرج عليه كمين من كمائن العدى أو قاطع من قطاع الطريق نادته: الحذر الحذر!! فاعتصم بالله واستعن بالله، وقل حسبي الله ونعم الوكيل.

وفي تأويل القرآن وتدبره وتفهمه أضعاف أضعاف ما كرنا من الحكم والفوائد[11].

وهكذا لا يكون الحفظ على حساب الفهم، فالأولوية للفهم لأن ذلك سبيل للعمل والاستجابة. ويكون همنا مع الحفظ الفهم والتدبر، لا الاستكثار فحسب، وإلا كان كالنخالة كثيرة وعديمة الفائدة.

ولما للمشاركة من أثر فعال، ولما للجماعة من تحفيز لأفرادها. فإنه يحسن الانتماء لحلقات تحفيظ القرآن.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده))[12].

وفي ذلك الجمع المبارك تلاقي الدارسة من التشجيع للحفظ والفهم، مع المراجعة الدائمة لما تم حفظه حتى تجيده تمامًا وتتقنه ولا تنساه بإذن الله.

فذلك كله مما يساعد على الحفظ وعلى المداومة والاستمرارية. ولا ننسى الإخلاص لله تعالى وحسن النية في طلب العلم:

(فالعلم عبادة من العبادات وقربة من القربات، فإن خلصت فيه النية قبل وزكا ونمت بركته. وإن قصد به غير وجه الله تعالى حبط وضاع وخسرت صفقته. وربما تفوت طالب العلم تلك المقاصد ولا ينالها، فيخيب قصده ويضيع سعيه)[13].

وبحسن النية، ينشرح الصدر، وتعلو الدرجات، هذا إذا قصد بالعلم الله والدار الآخرة. أما إذا كان الباعث عليه الحرص على التزين في المجالس، والذكر بأنه عالم. فذلك أول من تسجر به النار يوم القيامة.

كما أنه على المتعلم أن يكون ذا همة عالية في طلب العلم فلا يكتفي بقليل العلم مع إمكان كثيرة. ولا يقنع من ميراث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم بيسيره، ولا يؤخر تحصيل فائدة تمكن منها أو يشغله الأمل والتسويف عنها. فإن للتأخير آفات، ولأنه إذا حصلها في الزمن الحاضر حصل في الزمن الثاني غيرها.

ويغتنم وقت فراغه ونشاطه، وزمن عافيته وشرخ شبابه ونباهة خاطره، وقلة شواغله، مثل عوارض البطالة أو موانع الرئاسة[14].

وبالجد والصبر والمصابرة على طلب العلم يحصل المقصود بإذن الله.

فالشيخ الألباني رحمه الله: تحول من عامل لإصلاح الساعات إلى محدث للعالم الإسلامي، تستفيد من علمه أجيال وأجيال.

وأحمد ديدات: كان يعمل صبيًا عند بقال، وتحول إلى واحد من أشهر مناظري القرن العشرين ودعاته. وذلك حينما تعلم وصبر على العلم، يحدوه الإخلاص لله تعالى والشعور بالحاجة للمناظرة لأن حانوته كان على مقربة من جامعه اللاهوت الكاثوليكية.

والمرأة العاقلة تتعلم من أي مصدر مشروع ومتاح، تتعلم من الكتب، من الأشرطة السمعية أو البصرية لمن لا تعرف القراءة، من الكمبيوتر… بل نتعلم من خطئنا وصوابنا فلا نعاود الخطأ ثانية…

أما إن اختلط التعليم بالحرام فسد الذرائع أولى: كأن تكون مشاهدة القنوات الفضائية إحدى وسائل التعلم، إلا أن السلوكيات المنحرفة والمجون الذي قد يتخلل البرامج يجعل المصلحة الراجحة تكمن في ترك مشاهدتها سدًا للذرائع.

فعند طلب يجب البعد عن أسباب الغواية بشتى صورها، لتعيش المسلمة حياة طهر ونبلًا وسموًا، وصدق الله العظيم: ((إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولًا)).

• تعلم الأهم فالمهم لأمور ديننا ودنيانا:

وإذا تعددت الدروس قدم الأشرف فالأشرف والأهم فالأهم: فيقدم تفسير القرآن ثم الحديث ثم أصول الدين ثم أصول الفقه ثم المذهب ثم الخلاف أو النحو أو الجدل…[15]

فيجب شغل الفكر بما ينفع من العلوم، وما يلزم من التوحيد وحقوقه وما يكون زادًا لما بعد الموت، وما يؤدي إلى دخول الجنة والبعد عن النار والتعرف إلى آفات الأعمال وطرق التحرز منها… قال شقيق بن إبراهيم: أغلق باب التوفيق عن الخلق من ستة أشياء: اشتغالهم بالنعمة عن شكرها، ورغبهم في العلم وتركهم العمل، والمسارعة إلى الذنب وتأخير التوبة، والاغترار بصحبة الصالحين، وترك الاقتداء بفعالهم، وإدبار الدنيا وهم يتبعونها، وإقبال الآخرة عليهم وهم معرضون عنها[16].

أما ما نجده اليوم – وفي المجتمع النسائي خاصة – أن حاملة الشهادة العليا وقد تزين اسمها بحرف (د) ومع ذلك قد نجدها – للأسف – ربما تجهل أبسط الأمور الفقه التي تهمها كمسلمة تحرص على صحة عبادتها…

قد تجهل أمور الطهارة، وفقه العبادات، وما يهم المرأة من العدة وما فيها من أحكام…

وهنالك أمثلة كثيرة حول هذا التقصير:

(س) شابة أنهت الدراسة الثانوية، وجدت أنه لا بد لها من الاستفادة من وقتها… وهذا أمر حسن، لكن ماذا فعلت؟ لقد سجلت في دورة لتعلم المكياج وأصول التجميل!

أين منها تعلم أمور دينها والتفقه فيها؟!

علام تبحث عما لا يضرها جهله، وتترك ما يجب عليها عمله؟!

أما إنها لو طبقت الأولويات في حياتها لسعت إلى التفقه في الدين أولًا، ومن ثم توازن بين طلب العلم والعبادات والتطوعية. ومن ثم تلجأ إلى التحسينات…

و(ع) كانت طالبة تسهر الليالي للدراسة والحفظ الجيد، وذلك لنيل الشهادة العلمية. وإن بقي فضلة من الوقت في الإجازة الصيفية، قضته في تعلم اللغة الأجنبية… وهي التي تجهل واجبات الصلاة، بل لا تعرف أركان الإيمان!

أوليست تلك المعرفة أولى من الشهادة العلمية؟!

• أما إن كانت المرأة ذات صفة مهنية مثلًا كأن كانت طبيبة، معلمة، خياطة…

فواجبها أن تتعلم ما يخصها في مهنتها وتنمي ثقافتها في ذلك… لابد لها من تعزيز قدراتها المهنية لتعمل بكفاءة أكثر واقتدار أفضل كما أن من المحتم أن تعرف الأحكام الشرعية التي تلزمها…

وتتبحر في ذلك -بالشروط المشروعة (من عدم الاختلاط والخلوة..)- فقد يكون ذلك في حقها من فروض العين، وهو أولى من التبحر في فروض الكفاية…

وذلك حتى لا نبقى عالة على غيرنا لاسيما في الطب النسوي، حتى لا نكاد نجد إلا الندرة من الطبيبات المتدينات.

ورحم الله الإمام الشافعي إذ قال: لا أعلم علمًا بعد الحلال والحرام أنبل من الطب، إلا أن أهل الكتاب قد غلبونا عليه!

فلا يصح أن تدفن الكفاءات تحت ركام الكسل. ولا أن تعيش المسلمة بسذاجة فكر وسطحية معلومات. بل يجب أن تنمي المواهب وتوجه الطاقات. فتبحث المرأة عن العلم النافع المفيد، ولا تذهب العمر في أمور لا فائدة منها أو يتعذر أن تتقنها:

فلا تكون الأزياء وتقليعات الموضة هي أولوياتها كشأن بعض النسوة لئلا تزل إلى حضيض التقليد.

وماذا عساه أن يفيدها متابعة آخر صيحات ((الرجيم)) لتنزل بضع غرامات من وزنها الذي أثقله الترهل والترف؟!

وماذا ينفعها لو تعلمت الغرائب والعجائب في القديم أو الحديث؟!

هلا انتفعت بذكائها ونباهتها فتعلمت ما به تذب عن السنة وتوضح العلم الشرعي وذلك بتعليم غيرها العلوم النافعة وزادها في ذلك إنما هو العلم والتعمق فيه فالجاهل لا يصلح أن يكون معلمًا.

وبهذا العلم الواعي نتمكن من ((فلترة)) ما يأتينا من معلومات من الشرق الملحد أو الغرب الكافر. فلا يتحكم أعداؤنا في ثقافتنا، وبوعينا الرشيد نرد عليهم ترهاتهم وأباطيلهم.

فالصالحة دائمًا عالمة ومتعلمة، ولها في نساء السلف قدوة صالحة:

عن أم المؤمنين ((عائشة)) رضي الله عنها قالت: نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء من التفقه في الدين)) متفق عليه.

• وليس من الأولويات تقديم مصالح الدنيا على ما نقدمه للآخرة:

فلا يصح اعتبار مصلحة دنيوية تخل بمصالح الآخرة. فمعلوم أن ما يخل بمصالح الآخرة غير موافق لمقصود الشارع، فكان باطلًا[17].

فلو أرادت امرأة تكملة علومها، ونيل درجات علمية دون إذن وليها، أو أرادت الامتناع عن الزواج لتكملة العلم، لأنها ترى أن فيه مشغلة بسبب الانغماس في أعباء الحياة الأسرية، فذلك غير جائز. لأن الزواج سنة المرسلين. وديننا ينهى عن الرهبانية. ولو أرادت العلم -ولو كان ذلك هو العلم الديني- وكان على حساب سترها أو الخلوة مع السائق أو السفر دون محرم، فلا يحل لها ذلك. لا يحل لها أن تعيش باسم العلم في أجواء الضياع والمهانة والتهور.

فالتعليم إذا لم يقترن بالإيمان فإنه يكون شرًا على صاحبته ولن يجلب لها إلا الكبر والغرور ومن ثم الفشل.

لأن آفة العلم عدم مطابقته لمراد الله الديني الذي يحبه الله ويرضاه. وذلك يكون من فساد العلم تارة ومن فساد الإرادة تارة أخرى.

ففساده من جهة العلم، أن يعتقد أنه يقربه إلى الله وإن لم يكن مشروعًا، وأما فساده من جهة القصد فأنه لا يقصد به وجه الله والدار الآخرة بل يقصد به الدنيا والخلق.

وهاتان الآفتان في العلم والعمل لا سبيل إلى السلامة منهما إلا بمعرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في باب العلم والمعرفة، وإرادة وجه الله والدار الآخرة في باب القصد والإرادة)[18].

• الأولويات في طريقة التعلم:

لقد تنبه الإمام الشاطبي رحمه الله إلى القواعد الأساسية لطرق التعليم التي يتبعها الناس في أيامنا هذه. وأول ما يبدأ من ذلك أن يضع هذه القاعدة: البدء بالبسيط من المعرفة قبل المركب فيقول:

ولا يذكر للمبتدئ من خط المنتهي من العلم. بل يربي الصغار بصغار العلم قبل كباره. ثم ينتقل إلى قاعدة أخرى هي ما نسميه بقاعدة البدء بالسهل قبل الصعب. وهي مكملة للقاعدة السابقة. ويقول فيها: لا يعلم الغرائب إلا بعد إحكام الأصول.

وينبه إلى أن مخالفة هذه القاعدة تؤدي بالمتعلم إلى النفور من العلم أو إلى الوقوع في الخطأ بسبب سوء الفهم.

والواقع أن الظن يتجه بكثير من رجال التربية اليوم، إلى أن هاتين القاعدتين من إنتاج الفكر التربوي المعاصر، لولا هذه النصوص التي تثبت أنها من تراث الإسلام)[19].

وهكذا، فالمرأة التي نريد:

تنمي ثقافتها في الأمور الدينية، وتتفقه ولاسيما في الأمور التي تخص الأسرة، ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا، على أن لا يكون ذلك على حساب العقيدة.

وتجتهد لمعرفة الأمور الحياتية التي تفيدها كأم لتربية أولادها، أو كزوجة للتعامل مع الزوج وأهله، أو تعلم الفنون المنزلية وذلك لزيادة كفاءة ربة المنزل، والارتقاء بالحياة الأسرية.

ولتعزيز قدراتها المهنية – إن كانت ذات مهنة – وذلك في حدود الشرع الحنيف وعدم تجاوزها.

وبتعليم المرأة، مربية الأجيال:

نكون قد مشينا خطوة إلى تقدم المسلمين ليعودوا أساتذة للبشرية لا تلامذة. وأن يصبحوا سادة وقادة لا عالة، وبناة مجد، وصانعي حضارة لا مستهلكي مخلفات الحضارة!


[1] مجموع الفتاوى لابن تيمية، 14/ 212.

[2] تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم، 36-37، لابن جماعة الكناني، تحقيق السيد محمد هاشم الندوي، ط2، 1416هـ، نشر الرمادي، الدمام، والمؤتمن، الرياض.

[3] تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم، 36-37، لابن جماعة الكناني، تحقيق السيد محمد هاشم الندوي، ط2، 1416هـ، نشر الرمادي، الدمام، والمؤتمن، الرياض.

[4] مجالات المرأة الدعوية، ص56، تأليف: خولة درويش ، نشر دار المحمدي، جدة ، ط1.

[5] تهذيب مدارج السالكين 485، كتبه الإمام ابن القيم رحمه الله، وهذبه عبد المنعم صالح العزي، نشر دار السوداي، جدة، ط1، 1412هـ.

[6] الاتحاد العدد 29/ 3/ 1422هـ.

[7] مختصر منهاج القاصدين، ص20.

[8] سورة المائدة، الآية 16.

[9] الفوائد 61.

[10] تذكرة السامع والمتكلم 168 لابن جماعة الكناني.

[11] تهذيب مدارج السالكين، ص114.

[12] أخرجه الإمام أحمد ومسلم، ينظر صحيح الجامع الصغير، 2/ 1281.

[13] تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم، 114.

[14] تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم: ص190.

[15] تذكرة السامع والمتعلم، 71.

[16] الفوائد/ 177، تأليف شمس الدين ابن قيم الجوزية، نشر مكتبة الرياض الحديثة، الرياض.

[17] الموافقات للإمام الشاطبي، 1/ 387.

[18] الفوائد لابن القيم رحمه الله، 85.

[19] الشاطبي ومقاصد الشريعة، 257.

(المصدر: شبكة الألوكة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى