العلمانيون.. كورونا.. وعُقدة “الأضحية”!
بقلم سلطان بركاني
دأب العلمانيون خلال سنوات مضت على الاستهزاء بشعيرة ذبح الأضاحي في العيد، وارتفعت عقائرهم بالدعوة إلى إلغائها، متذرّعين بالرّأفة على الحيوانات المسكينة التي تنحر في ذلك اليوم لإشباع نهم البطون من اللّحوم! وهم الذين لا تتحرّك لهم جارحة ولا ينبسون ببنت شفة أمام آلاف المسلمين الذين تقطّع أوصالهم كلّ عام في أرض الله الواسعة، فضلا عن أن تتحرّك مشاعرهم المرهفة لأجل الثيران التي تَنفِق كلّ عام في مسابقات “مصارعة الثيران” في إسبانيا المتحضّرة، ولا عشرات الحيتان الكبيرة التي تُقتل بصورة همجية في جزيرة فاو الدنماركية خلال المهرجان السنوي الذي تصطبغ على إثره مياه البحر باللّون الأحمر!
من جهتهم، يتذرّع بعض العلمانيين لمطالبتهم بإلغاء شعيرة النّحر في يوم الأضحى، بالمظاهر السيئة التي ترافق ذبح الأضاحي في الشّوارع، من رميٍ للفضلات وإهراق للدماء في الطرق العامّة، وهي المظاهر التي يعلم العامّ والخاصّ أنّها ليست من لوازم هذه الشّعيرة، إنّما هي مرتبطة ببعض السلوكيات التي لا تختصّ بالأضحى، بل تعمّ التعامل مع المخلّفات المنزلية بصفة عامّة.
هؤلاء العلمانيون، وبعد أن فشلت مساعيهم في إسقاط وجوب صيام رمضان هذا العام، بسبب تفشّي وباء كورونا، ها هم هذه الأيام يستدعون معركتهم السّنوية مع شعيرة ذبح الأضاحي، ويزعمون أنّ إحياء هذه الشّعيرة في هذه الظّروف الخاصّة سيؤدّي إلى زيادة تفشّي وباء كورونا، بسبب التهافت على أسواق الماشية، وبسبب الخلطة التي تحصل بين الأقارب والجيران في ساعات النّحر!!!
العُقد العلمانية تجاه كلّ ما له علاقة بالدّين أنسى هؤلاء “المعقّدين” أنّ هذا الحلّ لم يخطر على بال المسؤولين في أكثر الدّول تمسّكا بالعلمانية، إذ لم تُتّخذ أيّ إجراءات جديدة لمحاصرة شعيرة التضحية زيادة على ما كان معمولا به في سنوات مضت، كما نسي هؤلاء أنّ اقتناء الأضحية لن يجرّ أيّ مخاطرة زائدة على ما يجرّه سحب الرواتب من مراكز البريد والبنوك واقتناء الحاجيات اليومية من المحلاّت، وكما يتمّ التعامل مع الاختلاط الحاصل في مراكز البريد والإدارات والمحلات بالدعوة إلى اتخاذ التدابير الوقائية، مع الإبقاء على تلك الفضاءات مفتوحة، فإنّه –كذلك- يمكن الاكتفاء بالدّعوة إلى لزوم التدابير الوقائية عند شراء الأضاحي وأثناء ذبحها.. أمّا التذرّع بأنّ الأضحية ليست من الضّروريات، فيردّه أنّ جُلّ ما يُخرج النّاس من بيوتهم ويختلطون لأجله في الأماكن العامّة، ليس هو من الضّروريات، إنّما هو من الكماليات، وربّما يكون من الملهيات؛ فهل نسمح بأن تكون شعائر ديننا أهون من هذه الكماليات والملهيات؟
عامّة المسلمين، قبلوا بالأمر الواقع، على مضض، عندما تعلّق الأمر بإغلاق المساجد، على اعتبار أنّ التقارب فيها يؤدّي إلى تفشّي الوباء، لكنّ تبنّي الدّعوة إلى إلغاء شعيرة ذبح الأضاحي، كان سيرسّخ لدى عموم المسلمين الشّعور بأنّ هناك
جهات تستثمر في الوباء لتنفيس عقد مستحكمة تجاه شعائر الدّين، لتزداد مخاوفهم من أنّ العلمانية قد تزحف على كثير من المؤسّسات وتطمع في تأطير المؤسّسة الدينية! وهو ما لم يحصل بفضل الله، بعد صدور بيان لجنة الفتوى بالتّأكيد على سنية الأضحية واستحباب الحرص على إحيائها في يوم الأضحى، مع مراعاة شرط السّلامة وتدابير الوقاية.
لقد أصبح لزاما أن تتوجّه أصوات العقلاء والغيورين على دينهم من علماء الأمّة ودعاتها وأئمّتها، بالنّكير على هؤلاء المتعلمنين، ليَلزموا حدودهم ويكفّوا عن استفزاز الأمّة في شعائر دينها، ويلزموا ما ألزموا به أنفسهم من شعارات طالما صدّعوا بها رؤوس المسلمين، حينما دأبوا على الزّعم بأنّ مشكلتهم ليست مع الدّين كعبادات فردية وعلاقة بين العبد وربّه، إنّما هي مع “تسييس الدّين”! فلْيلزموا مبدأهم هذا ويكفّوا عن تدخّلهم في قضايا لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
(المصدر: صحيفة بوابة الشروق الالكترونية)