العلمانية في الأردن.. أفكار نخبوية وحضور جماهيري باهت (1ـ 2)
بقلم بسام ناصر
تعاني العلمانية في الأردن، كما في غيرها من الدول العربية والإسلامية من ضيق انتشار أفكارها ورؤاها، واقتصارها على النخب الثقافية، لا سيما في مجتمعات محافظة بطبيعتها، مع وجود تيارات إسلامية فاعلة ومؤثرة، وقادرة على استقطاب الجماهير المتدينة بفطرتها، ما يشكل تحديات كبيرة أمام تقبل العلمانية وانتشارها في الأردن وغيره من الدول العربية الأخرى.
ووفقا لمراقبين فإن غالب العلمانيين في الأردن يتحاشون الدعوة إلى أفكارهم بصورة واضحة ومباشرة، وعادة ما يقدمون أفكارهم عبر تبني أفكار التيار المدني، ويبتعدون عن التصريح بمبدأ فصل الدين عن الدولة وفق ما تطرحه العلمانية، ويختارون عوضا عن ذلك التحذير من كل صور استغلال الدين وتوظيفه لمآرب سياسية وشخصية.
يرى العلمانيون أن “مصطلح العلمانية بالأردن تمت شيطنته في السنوات الماضية بوصفه منظومة إلحادية معادية للدين مما حولها إلى عبء على من يؤمن بفصل الدين عن السياسة والحريات، ومبادئ الدولة المدنية الديمقراطية الأخرى” حسب الإعلامي الأردني رمزي خوري.
ونظرا لذلك، تابع خوري حديثه لـ“عربي21”، “فضل الكثير ممن يعتبرون أنفسهم جزءا من التيار المدني الابتعاد عن الدعوة للعلمانية، وإنما بالحديث عن تفاصيل مبادئها مع الحذر عند طرح علاقة الدولة بالدين، فبدل المطالبة بفصل الدين عن الدولة على طراز (الدين لله والدولة للجميع) أصبحت المطالب تتعلق بعدم استغلال الدين لتحقيق مآرب سياسية وشخصية”.
وأكدّ على “وجود أحزاب يسارية وقومية بالأردن تعتمد في مبادئها بالأساس على علمانية الدولة، ولكنها تقهقرت وضعفت بعد سقوط الاتحاد السوفيتي الذي كان داعمها الرئيس في المنطقة ولعدة أسباب أخرى منها عدم قدرتها على تغيير صورتها النمطية لجذب الأعضاء الجدد، ومن الصور النمطية القاتلة حكم الحزب الواحد، وطريقة تعامل هذا الحزب مع شعبه عندما حكم بالماضي أو ما زال يحكم اليوم”.
وشخَّصَ خوري طبيعة العلمانية في العالم العربي بأنها “لم ترتبط بمبادئ الحكم الديمقراطي بل ارتبطت بحكم الحزب الواحد الديكتاتوري الذي لا يقبل بتداول السلطة، على عكس السائد في العالم الديمقراطي الغربي.. وهو ما انعكس على التشبث بالمراكز القيادية من قبل أفراد بداخل الحزب الذي بات ضعيفا بصورة قيادته النمطية ومنفرا للشباب وإن كان بعضهم ميالا لفكر هذا الحزب أو ذاك، ولكنه يراه كمؤسسة لا يمارس أفكاره ولا يسمح للدماء الجديدة بالنهوض لتحمل المسؤولية والتغيير الإيجابي”.
وعن محاولة علمانيي الأردن التوجه لتأسيس إطار تنظيمي جامع، لفت خوري إلى أنهم “حاولوا مأسسة التيار لكن تجربتهم فشلت بامتياز على الأرض فلم تستطع الأحزاب العلمانية أن تستقطب قواعد كبيرة تنجحها في الانتخابات، أو كالأحزاب الناجحة في الغرب، عبر وضع برامج عصرية مقنعة للنهوض بالاقتصاد والمجتمع”.
وذكر أن “العديد من الأفراد بالأردن يؤمنون بأن تكون العلاقة بين الدولة والمواطن قانونية، ويرفضون حكم العسكر ورجال الدين بقدر الإيمان بالدولة المدنية الديمقراطية بمؤسسات ممثلة للشعب بأكمله فتمارس مبدأ المساواة بالمواطنة، وسيادة القانون وتحافظ على الحريات وحقوق الإنسان”.
وأردف: “هؤلاء بانتظار مأسسة هذا التيار عبر حزب يطبق هذه المبادئ على نفسه قبل المطالبة بتفعيلها بالدولة، فيكون مقنعا بمؤسساته الداخلية، وقادرا على وضع البرامج القابلة للتطبيق”.
يشار إلى أن وزير الخارجية الأردني الأسبق، مروان المعشر عمل مع مجموعة من المثقفين والناشطين الأردنيين لتأسيس تيار يتبنى فكرة الدولة المدنية ويدعو لها، وهو ما تكلل بتأسيس حزب التحالف المدني الأردني أواخر عام 2018، وهو أقرب ما يكون إلى العلمانية في مبادئه الأساسية، وتوجهاته السياسية.
لكن ذلك الحزب لم يلبث أن نشبت في صفوفه خلافات وانقسامات داخلية شديدة، أفضت إلى استقالات جماعية من الحزب في سبتمبر الماضي، كان من أبرز المستقيلين الدكتور مروان المعشر الذي قال في منشور إنه “منذ حوالي أربع سنوات، بدأتُ مع مجموعة خيرة بتأسيس حزب التحالف المدني إيمانا منا بأهمية تكوين إطار تنظيمي سياسي يحمل مبادئ الدولة المدنية الديمقراطية”.
وأضاف: “وقد ركزت مبادئ الحزب على سيادة القانون، والمساواة في المواطنة دون تمييز، وبناء نظام فصل بين السلطات، ونظام مدني ديمقراطي يضمن الوصول لحكومات برلمانية، واحترام التنوع والتعددية الفكرية السياسية، والالتزام بتطبيق اقتصاد اجتماعي يضمن تنمية المبادرات الفردية..”.
وتابع: “ومنذ انضمامي وثلة خيرة للعضوية عام 2018، مررنا بمخاص صعب حاولنا فيه رغم التدخلات السافرة أن نساهم في تحويل الفكرة إلى فرصة وبناء عمل لتحقيق رسالة ومبادئ الحزب، وحيث أنني ومجموعة من الأعضاء وجدنا أن بعض قوى التغيير داخل الحزب غير متوافقة ولا منسجمة، ولا تتعامل بشفافية، وبثقافة تعاونية مدنية ديمقراطية بناءة، فقد تقدمنا يوم أمس باستقالتنا الرسمية من الحزب”.
من جهته أوضح القيادي في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، جميل أبو بكر أن “الاتجاهات العلمانية تنادي بمدنية الدولة بمعنى فصل الدين عن الدولة، وإطلاق الحريات بشكل عام مع اهتمام خاص بالحريات الاجتماعية بعيدا عن العرف والتقاليد الإسلامية، وهي متباينة في ذلك، فهناك المتحرر كثيرا على النمط الغربي، وهناك الأقل درجة وربما هم الأغلبية”.
وأضاف: “نعم هناك وجود ملموس للعلمانية في الأردن بأشكال وصور عديدة، أحزاب، تيار، شخصيات سياسية وفكرية، فالأحزاب اليسارية بخاصة والقومية محسوبة على التيار العلماني، والتيار المدني الذي حاول أن يتمثل بحزب، ولكنه فشل نتيجة الانقسام إلى أكثر من تجمع أو حزب، وللتيار العلماني مفكرون وكتاب ومراكز بحوث ودراسات، وحضور إعلامي ربما فاق بدرجات فاعلية وجوده المنظم”.
وردا على سؤال “عربي21” حول اقتصار وجود الفكر العلماني على النخب الثقافية، أرجع أبو بكر ذلك إلى عدة أسباب منها “طبيعة الشعب الأردني المحافظة، ووجود تيارات وحركات إسلامية مؤثرة، إضافة إلى بعض المواقف للتيارات العلمانية المؤيدة لأنظمة وحكومات مستبدة، وبخاصة ما برز في الربيع العربي وقبله وبعده، كل ذلك أفقد التيار العلماني كثيرا من ثقة الجمهور به”.
وتابع: “يضاف إلى ذلك كله ثقافة التغريب التي يتبناها ذلك التيار، والاختلاف الكبير بينها وبين التيارات الإسلامية فيما يتعلق بالهوية، أو حتى مع الثقافة الشعبية السائدة في هذا الموضوع” على حد قوله.
يُذكر أن مجموعة من الأردنيين أنشأوا صحفة على الفيسبوك أطلقوا عليها اسم “أردنيون ضد العلمانية.. (درع)” خصصوها “للوقوف في وجه العلمانية، وتعريف المجتمع بخطرهم على الدين والمجتمع” وتتضمن منشورات المجموعة انتقادات شديدة لمبادئ العلمانية، وهجوما شرسا على أفكارها، كتب أحد مشرفي المجموعة، الناشط حاتم العرموطي منشورا جاء فيه “الإلحاد: عدم الإيمان بشرع الله، والعلمانية: عدم الإيمان بتطبيق شرع الله.. وجهان لعملة واحدة”.
(المصدر: عربي21)