مقالاتمقالات مختارة

العلمانية بين الإضلال والإفساد

العلمانية بين الإضلال والإفساد

بقلم عبد المنعم إسماعيل

قال تعالى : إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ.

العلمانية كمنهج تمثل خلاصة الفكرة الجاهلية في إقصاء حاكمية دين الله عن الحياة فهي تنازع الربوبية والألوهية في أحد صفاتها وهي حق الأمر والنهي للمخلوق، ومن ثم نقول العلمانية منهج جاهلي حمل راية الإضلال للبشرية بعيدا عن موروث السماء ونصوص الوحيين.

العلمانية العربية أصل نشأتها الإقتداء بالعلمانية الغربية والتي نشأت نتيجة الانحراف الشامل لرجالات الكنيسة الأوروبية حين حرمتهم من العلم والتعلم بعد أن حرمتهم من حقيقة التوحيد وحقيقة رسالة المسيح عليه السلام ومن ثم فجريمة العلمانية جريمتين.

الأولى حراسة الإضلال المتعمد الذي وقع فيه قساوسة النصارى ، والجريمة الثانية معايشة الإفساد الذي أتت به العلمانية الغربية كأصل والعربية كفرع في آن واحد.

العلمانية والإضلال العقدي

عمدت العلمانية إلى معايشة الخصومة مع العقيدة الإسلامية خاصة ومن ثم فهي تسعى جاهدة على تجريف بقايا الاعتقاد ومسخ دلالات العقيدة الصحيحة في حياة المسلمين خاصة في جانب الولاء والبراء بالسعي إلى ما يعرف بخلط الأوراق بين المختلفين عقائديا حتى لا تستقر لعقيدة تميز خاص بها ومن ثم يقع شر الإفساد وهو الإفساد العقدي حين نسوي بين العقيدة الصالحة والعقيدة الفاسدة مثل الدعوة للمساواة بين عقيدة يهود أو عقيدة التثليث عند النصارى مع عقيدة التوحيد الخالص عند المسلمين.

إن من أشر أنواع الخيانات تلميع المنحرفين عقديا حين نسعى بوعي أو بدون وعي إلى ترسيخ وتبرير انحرافهم العقدي وتسويقه للمجتمع على أنه حرية شخصية أو حرية عقدية فإذا كان له حق الحرية في اختيار عقيدته صواب أو خطأ فليس لنا أن نقوم بالدعوة إليها وجعلها حجرا في زاوية استقرار المجتمع فليس من العقل الزعم بأن التأسيس لأوكار يكفر فيها بالله عز وجل سوف تصبح في المستقبل أحد أركان الاستقرار المجتمعي فالمجتمعات تستقر حين تدرك حق الله عز وجل لا حين تجحد أو تكفر بحق الله أو تزعم بأن له صاحبة أو ولدا.

العلمانية وتسويق الخراب

ارتبط المد العلماني بتسويق الخراب العقلي والعلمي والقيمي في المجتمعات العربية مما احدث انقلابا فكريا في واقع الحركة البشرية داخل المنطقة العربية خاصة والإسلامية عامة.

فعهود المد العلماني شاهدة على عصر التبعية والانزواء الحضاري، بل وتسويق الفقر المعرفي وجعله خيارا موظفا لتنشئة جيل من الدهماء يسهل توجيههم سائرين خلف منهجية صناعة الاستخفاف بالشعوب ومن ثم يسهل إعادة تشكيل عقولها حسب الرؤى الوظيفية للأنظمة الغريقة في تيه التبعية للقطب الأمريكي أو الغربي بجذوره الماسونية وفروعه التغريبية العلمانية المعاصرة.

حملت العلمانية في حقبة الاشتراكية الخراب للبلاد التي حكمتها حيث غلب شكل الحكم الشمولي عليها ومن ثم وقفت في موقف العداء للدين ورجالاته ثم قامت على تجفيف وعي وعقول الجماهير من المعرفة الحقيقية بالله والقرآن والسنة وتركت قليلا من مظاهر التعبد الرسمي لتخدير الشعوب عن حقيقة الانتماء لهذا الدين.

العلمانية العربية شاهدة ضياع فلسطين واستهلاك قوى العراق بل وتسليمه للكيان الصفوي الخميني ثم تهيئة الواقع لما عرف بالربيع العربي عقب حالات الفشل الاقتصادي وتزايد الفجوة المجتمعية داخل الأوطان العربية بين الأغنياء والفقراء ثم قامت العلمانية بما يعرف بالثورة المضادة لإرادة الشعوب وقمعتها بشتى سبل القمح حتى أصبحت العلمانية العربية تعيش الكذب منهجا حين ادعت كذبا أنها خلف أوروبا وفي الحقيقة أنها لم تؤمن بحرية الشعوب في تحديد من يحكمها يوما واحدا فعمدت العلمانية إلى التسويق للديكتاتورية بكل صورها وقد أصبح الواقع العربي بين نارين أو بين مطرقة العلمانية وسندان الفوضى الهدامة.

العلمانية والإفساد الفكري للعقل العربي

عمدت العلمانية العربية المعاصرة على منهجية الإفساد الفكري للعقل العربي بتدمير أدوات الفهم عامة واللغة العربية خاصة حتى يصبح العقل غير مدرك لطبيعة الخطاب الشرعي بسبب عجمة العقول عن الفهم للمفردات.

العلمانية العربية وتبني التبعية للمنظمات الكنسية أو التنصيرية من خلال تعميم تأسيس الكنائس حول العالم الإسلامي بمزاعم الحرية في الاعتقاد وما هي إلا استسلام للشركات العابرة للقارات بعد خسارة العمق المجتمعي والظهير الإسلامي السني بعد عشوائية الصدام أو التجارب الإصلاحية المعاصرة التي أورثتنا ضحايا ولم تترك لنا مخرجات توازي حجم التضحيات التي وقعت.

العلمانية العربية واسر العقل العربي في ذكريات التاريخ أو انتكاسات الواقع وعدم وجود رؤية للمستقبل القريب أو البعيد ومن ثم أصبح اقرب الحلول هو قبول التغريب وعلمنة الأجيال مع التبعية الاقتصادية للنظم العالمية المعاصرة وجعل الشعوب مجرد سوق خدمي للشركات العابرة للقارات ثم رعاية الإعلام الغريق في التسويق للرؤى الأحادية سواء لعقول الأفراد أو للجماعات أو للقادة ومن توابع هذه الأحادية هدر الإبداع مع التعدد في زوايا الرؤيا حين يتم الاستثمار له لمصلحة الدولة والأمة.

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى