بقلم د. رأفت المصري
دع عنك العلمانية الفاجرة التي كشَّرتْ عن أنيابها!!
ثم اذهب “قريباً” حيث امتعاضُ بعضهم من ذكر الأدلة الشرعية في الأمر العام والمسائل السياسية .. وهذا بالغ الغرابة !!
وليس هذا غريبا بطبيعة الحال من العلمانيين الذين يقوم فكرهم على مبدأ طرد الدين من الحياة !
لكنه حقاً بالغ الغرابة إذا صدر ممن ينتسبون إلى الحالة الإسلامية ويشكِّلون أحد ألوانها!
وهذا يدلّ- فيما يدلّ عليه- على قصورٍ في الفهم ..
أو
لوثة فيه:
إنها “علمانية ملثمة”؛ آن لها أن تكشف اللثام!
ويسوق بعضهم الكلام على وجهٍ من المبالغة يصوّر فيه المسألة مسألة توزيعٍ للناس على الجنة والنار !!
ليُنفّر من اللجوء إلى الشريعة لاستقاء التوجيه منها!
أو لينفِّس عن ذلك الامتعاض المذكور !!
لكن: لماذا؟
هل يعتقد صاحبنا أنه ليس لله حكم في هذه المسائل؟
أو أن الشريعة لا ينبغي أن تدخل إلى ساحات السياسة؟
ولا تشملها أحكامها؟
أو أنه ليس للعلماء والمتدينين أن يتدخّلوا في السياسة؛
فلعلها مقصورة على “قليلي الدين” !!
فأقول له:
هل ترى الشريعة قد بيّنت أحكام الاستئذان وآداب دخول الخلاء؛ وتركت الناس هملاً من غير توجيه في كبريات الأمور ومهماتها؟!
إن قلت: نعم تركتْهم كذلك؛ فقد أعظمتَ الفِرية على الشريعة!
وكانت علمانيتك علمانية سافرة واضحة؛ وليس هذا الكلام بالمسوق لأجل هذا النوع من “الخلْق”!
وإن قلتَ: لا؛ لم تتْركْهم بل بيّنتْ لهم، ساغ- أيها الكريم- أن تستمرّ لتوضح كيف يكون ثمة حكمٌ لله في المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها وما أشبه؟؟
قررت الشريعة لنا الأصول، واستقرّ عمل الفقهاء والأصوليين على اعتبار المصلحة مصدراً من مصادر التشريع ..
فإذا ما كانت المصلحة في المشاركة ودرء المفسدة فيها: كان حكمُ الله مشروعيةَ المشاركة ..
وإذا كانت المصلحة في المقاطعة، ودرءُ المفاسد في ذلك: كان هو الحكمَ الشرعيَّ فيها!
وبناء عليه؛
ما بُني من الأحكام على ما مثل هذا دليله: فيسوغ أن يَختلف باختلاف المصالح والمفاسد حسب الزمان والمكان ..
فيكون مشروعاً حيناً ..
وممنوعاً حينا آخر؛ إذا اختلفت “المدخلات”..
أين العجب ؟ وأين وجه الغرابة؟ ومن جهل شيئاً عاداه!
وإذا قيل: كونوا مع المؤمنين المتقين؛ وانصروهم في موقف سياسي أو غيره؛ والله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا وكونوا مع الصادقين)، قال:
لا تعطوا “صكوك الغفران” ولا تحكموا للناس بالجنة أو النار!! فبئس ما قال!
وبعضهم- يا ويحه- يُسرع إلى النكير الممزوج بالهُزء من هذا “الخطاب الديني”!
وإنما كان الأجدرُ به أن يقف للتأمل والسؤال إذ لم يعلم فـ “إنما دواء العيِّ السؤال” ..
إذا لم تكنْ من أهل العلم فعليك أن تسأل العلماء لتفهم ..
وليس لك أن تقف- متعالياً متعالماً- تأنف من السؤال- لتنكر على العلماء!
لا في الدين فحسب بل في كل علم وفنٍّ وصنعة !!
(المصدر: رابطة العلماء السوريين)