بقلم فرج كندي
يرجع أصل العلمانية إلى حدة الصراع الضاري بين العلم والكنيسة في الغرب الأوربي الذي انتج لديهم فكرة تحرير الدولة من الدين والكنيسة ؛والانخلاع من ربقة الدين المتمثل في الكنيسة التي هيمنة فيها تفرد سيطرة رجال الدين من الرهبان بتفسير النصوص الدينية وفرض رقابة صارمة على العلوم الأخرى ووضعها تحت رقابة صارمة لرجال الكنيسة الذين يسلطون على كل باحث يخالف نصوص الكنيسة بإعلان الحرمان و تعريضه للتعذيب والقتل في أحيان أخرى .
مما افرد ردة فعل مضادة للكنيسة وللدين باعتبار ان الكنيسة ورهبانها هم من يمثل الدين وأن كل الفظاعات التي تمارسها الكنسية ورهبانها ضد فكرة التحرير والتنوير والعلم والعلماء كانت تصدر باسم الدين مما أفرز مفهوم جديد في الوسط العلمي والثقافي الأوربي وهو العلمانية المتضادة مع الدين .
وتوسعت حدة الصراع بين العلم والكنيسة في المجتمعات الغربية في أواخر العصور الوسطى التي عرفت في التاريخ بعصور الظلام حيث كان الجهل والتخلف هما العلامتان البارزتان في الحياة الأوربية إلى ان أشرقت فيها بوادر عصر التنوير عن طريق اتصال اوربا بالعالم الإسلامي عن طريق عدة منافذ أولها الحروب الصليبية التي شنتها اوربا بمباركة الكنيسة لاحتلال بيت المقدس وعن طريق هذه الحروب تأثر القادمون بما ودجوه تقدم حضاري ورقي انساني جعلهم ينقلون الكثير من المظاهر الحضارية التي وجدوها في هذه البلاد كما كان للقرب الجغرافي بين الاندلس وباقي اوربا اثر كبير في نقل مظاهر الحضارة الاسلامية وخاصة مع بداية مرحلة حركة الترجمة من اللغة العربية لغة الحضارة إلى اللغات الأوربية التي ساهمت في حركة التنوير الاوربية ؛ كما كان لحركة التجارة المتبادلة بين الممالك الأوربية والمدن الإسلامية المطلة على البحار دور بارز في نقل مظاهر الحياة المزدرة في العالم الإسلامي ومدى تأثر التجار الاوربيين بتلك الحياة ومحاولة محاكاتها في بلادهم .
إلا أن حركة التنوير كانت متأثره بصراعها مع الكنيسة فكانت ترى فيها العقبة الكؤود امام حركة التطور مما دفع إلى إعلان الحرب على الدين ؛ في حين أن الحضارة الإسلامية لم تسجل أي مظهر من مظاهر هذا الصراع لاعتبارات التكامل بين الحضارة والدين بل أن الدين أهم عامل في تأكيد مقومات الحضارة الاسلامية .
وفي أقل تقدير ترى النخب الغربية في مبداء فصل الدين عن الدولة ليس القضاء عليه تماماً بل يمكن أن يبقى بعد أن يتم تحجيمه – إلى حجمه الطبيعي – وحصره كحق فردي شخصي متعلق بمعتنقه ولا يتعداه إلي الجانب الاجتماعي أو الى باقي شئون الحياة .
واستبدال الموروث الاخلاقي اللاهوتي بقيم وأخلاق مصدرها العلم أو القيم الاجتماعية السائدة في مجتمعاتهم دون الرجوع الى كتابهم المقدس وكذل اعتمادكم في التشريع على القانون العام لعدائهم لكل ما هو ديني ولافتقار كتبهم – المقدسة – على قيم تشريعية يمكنهم الاقتباس منها.
ورغم ما تتمتع به الحضارة الاسلامية من سعة أفق وانفتاح كبير على الفكر العالمي والقدرة على استيعاب التجارب الانسانية والاستفادة منها تحقيقا للمصلحة ودرء للمفسدة واستيعاب كل ما هو صالح دون انصهار وضياع وكذلك دون انغلاق وتحجر.
إلا انها تعتمد على قواعد وضوابط شرعية ومنهجية في قبول الافكار الجديدة والمستوردة يحكمها العقل ولا تتعارض مع الشريعة الى تختلف في أصولها وشموليتها عن الموروث الديني الكنسي.
ويتمثل ذلك في أنها تمتلك أهم عاصم من عواصم الفكر الاسلامي المتمثل في قيامها على قواعد العقيدة والشريعة الإسلامية الموحاة من الله تعالى بكل أركانها وأصولها وعناصرها ومقوماتها وخصائصها وهو المصدر الوحيد المعصوم لتلك العقيدة والشريعة السليمة وهذا ما ميزها عن غيرها من العقائد والشرائع و التصورات والافكار والفلسفات البشرية التي ينشئها العقل البشري القاصر والغير المعصوم والمعرض لاحتمالية التحيز, و الخطاء والصواب أحيانا أخرى
فالشريعة الاسلامية تتميز بكونها شريعة إلاهية صحيحة ولم يعتريها تحريف وليست من صنع بشري تتصف بالسعة والشمول مع المرونة والصلاحية في كل زمان ومكان وهذا ما تفتقر له الشرائع الأخرى .
فهذه الخصائص التي ميزت الشريعة الاسلامية تجعل من الضروريات التمسك بها ولاقتباس منها وتقوية صلاحيتها وشرعيتها في التشريع والتدخل في كل مظاهر الحياة .
إلا ان هذه الأمة قد ابتليت ببعض أبنائها من الذين خلت عقولهم من التزود من علوم الشرعية ولم يتضلعوا في الأخذ من مناهل مصادرها الأصلية و تربوا على فتات موائد الغرب العلماني مع افتقارهم لقاعدة علمية قوية أو منهجية بحثيه علمية دقيقة وبعقول خالية فأصاب فراغهم فتمكن منهم دون عناء فأصابهم بتشوه في قبول العلمانية وتنوع تأرجحهم ومواقفهم تجاه العلمانية ما بين القبول الجزئي في بعض المظاهر والافكار والتصورات والمفاهيم دون الفصل الشامل ما بين الدين و الحياة وهو ما عرف بالاعتراف بالدين مع – حصره في مكانه الطبيعي – المسجد و الصلاة وجعلة حالة فردية تنحصر في العلاقة بين الانسان وربه دون ان يدخل الدين في السياسة وإدارة الدولة وهو ما عبر عنه احد الساسة بقوله ( الدولة لادين لعها ) والموقف الأخر الذي يرى في العلمانية بوصفها رؤية شاملة للكون والحياة وهي البديل للدين في إدارة الدولة في حين يوجد اتجاه ثالث يتأرجح بين المفهومين في عملية خلط مشوهة وغير واضحة المعالم و لم ستقر له رأي في تبني احدى الرؤيتين أو يخرج برؤية جديدة خاصة به نابعة من معتقده متأثرة بثقافته وبيئته الثقافية والاجتماعية فهو في منزلة بين المنزلتين في موقفه من العلمانية سواء كانت جزئية أو كلية .
وما يمكن أن نخلص إيه من نتائج هو أن هذه النبتة التي جي بها من من بيئتها الخاصة بها إلي بيئة أخرى لا تتناسب مع طبيعتها في محاولة يائسة من قبل اشخاص غير مؤهلين اخذهم الانبهار بما شاهدوه من اشياء اعجبتهم نظارتها الزائفة في تلك البيئة المختلفة فأرادوا ان يزرعوا هذه النبتة الغريبة في بيئتنا ( الإسلامية ) التي لا مكان لها فيها لا نها لا تستطيع أن تتكيف وتعيش في بيئة محصنة لها خصوصيتها وخصوبتها الخاصة الطيبة التي لا ينبت فيها إلا النبات الطيب الذي يخرج من أرضها الصالحة لإنبات نباتها وتنفث ما خالف زرعها الأصيل المسقي من نبعها العذب الزلال.
(المصدر: الاسلام اليوم)