العلماء ورثة الأنبياء (3-6)
بقلم د. زغلول النجار
من دوافع اهتمام المسلمين الأوائل بتحصيل العلم:
انطلاقا من هدي القرآن الكريم، واتباعا لسنة خاتم المرسلين ﷺ، دأب المسلمون الأوائل على الاهتمام بتحصيل العلوم النافعة، وعلى إقامة جميع المؤسسات اللازمة لتحقيق ذلك، وحرصوا على تكريم العلماء وتقديرهم وإجلالهم. فكان هؤلاء المسلمون أول من أقام المراكز لتحفيظ القرآن الكريم، والمدارس النظامية والجامعات على مستوى العالم، وذلك من مثل كل من جامعة الزيتونة بتونس (737م)، وجامعة القرويين بالمغرب (859م)، جامعة الأزهر الشريف بمصر (892 م)، والجامعة النظامية بالعراق (1065م). وكان علماء المسلمين أول من أكد على ضرورة تحصيل العلوم النافعة في مختلف مجالاتها للرقي بالمجتمعات الإنسانية، وأكدوا على أهمية ذلك إنطلاقا من القرآن الكريم الذى نزلت أولى آياته أمرا بالقراءة والكتابة، وتعظيما لأدواتهما فقال ربنا تبارك وتعالى:
– {اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (العلق: 1-5).
ثم نزلت الآيات القرآنية الكريمة تترى مؤكدة على فضل العلم، وعلى مكانة العلماء عند رب العالمين، و منها أقواله تعالى:
– {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} (آل عمران: 18).
– {..قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} (الزمر: 9).
– {..يرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُون خَبِيرٌ} (المجادلة: 11).
وقد تخيل كثير من الناس أن العلماء الذين يرثون الأنبياء هم علماء الدراسات الإسلامية وحدهم -وذلك لفضلهم ولأهمية دورهم- ولكن القرآن الكريم يؤكد على تكامل المعرفة الإنسانية، ويعلمنا أن كل علم نافع، وقائم على أساس من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، يدخل حملته في زمرة هذه الوراثة، وذلك بدليل قول ربنا تبارك وتعالى:
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (فاطر: 26-27).
فالعلماء المقصودون في هاتين الآيتين الكريمتين هم المتخصصون في العلوم التجريبية (من مثل علماء كل من المناخ، والنباتات ومحاصيلها، والأرض وصخورها، والأحياء وتصنيفها، والمعارف المتعلقة بدراسة الإنسان). وذلك لأن المعارف النافعة في الإسلام كل لا يتجزأ. ومثل هذه المجالات إذا لم يدخلها الإنسان بعقيدة راسخة فقد تكون سببا في فتنته، وبعده عن الحق. من هنا تأتي ضرورة التكوين العقدي الصحيح للإنسان – أيا كان تخصصه – حتى يتمكن من الحكم الصواب على الأشياء، وحتى يصبح جديرا بالائتمان على ميراث النبوة.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)