مقالاتمقالات مختارة

العلماء والسلطة في التاريخ الاسلامي بين سلطة العلماء وعلماء السلطة

بقلم د. محمد خليل صبري خيري

تمهيد: مصطلح العلماء في التاريخ الاسلامى يقارب في المعنى مصطلح المثقفين في المجتمعات المعاصرة، وكما هو معلوم فإن المثقفين هم قادة حركة التطور الاجتماعي في كل المجتمعات، بمعنى ان المثقف يجتهد في وضح حلول للمشاكل التي يطرحها الواقع المعين، بينما يقوم – أو يجب أن يقوم- السياسي بتنفيذ الحلول التي يرى الشعب أو أغلبه أنها الحلول الصحيحة لهذه المشاكل، فالتغيير الفكري إذاً سابق على التغيير السياسي.

السلطتين الدينية والسياسية: يقوم الإسلام كدين على إسناد كل من السلطتين الدينية (الروحية) والسياسية (الزمنية) للجماعة (الشعب)، بموجب مفهوم الاستخلاف. فالسلطة الدينية (الروحية) (التي عبر عنها القران بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) مخولة بموجب الاستخلاف العام للجماعة ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر﴾، كما أن السلطة السياسية (التي عبر عنها القران بمفهوم الأمر) مخولة بموجب الاستخلاف العام أيضا للجماعة (وأمرهم شورى بينهم).

سلطه العلماء: ويترتب على التصور السابق للسلطة الدينية ان في الإسلام علماء بالدين وليس به رجال دين، والفارق بين المصطلحين ان المصطلح الاول يفيد التخصص،اى انه تتوافر لاى فرد ان يصبح عالم بالدين مادامت شروط الاجتهاد متوافرة فيه ،وبالتالي لا يتناقض مع كون السلطه الدينية مخوله أصلا للجماعة، قال تعالى(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) [آل عمران: 104].بينما المصطلح الثاني يفيد انفراد فرد او فئة بالسلطة الدينية دون الجماعة اى الكهنوتية، وهو ما يتناقض مع كون هذه السلطه مخوله أصلا لها، و الكهنوتية مرفوضة في الإسلام لأنها تعنى ان هناك  وسيط بين الإنسان وخالفه (وإذا ساْلك عبادي عنى فاني قريب أجيب دعوه الداعي إذا دعاني)، قال تعالى(واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله )، الأكثرون من المفسرين قالوا ليس المراد من الأرباب أنهم اعتقدوا أنهم آلهة العالم ،بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم.

 وطبقا لهذا فان العلماء هم طليعة المجتمع المسلم قال تعالى( يرفع الله الذين امنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)( سورة المجادلة :11)
ومضمون دور العلماء الطليعى فى المجتمع المسلم هو الموقف النقدى القائم على بيان اوجه الصواب والخطاْ فى المجتمع، وبالتالى اخذ  وقبول الصواب، ورد ورفض الخطا، ويتضمن نقد السلطه لتقويمها اى بهدف الكشف عن أوجه قصورها عن أداء دورها كنائب وكيل للجماعه لها حق تعيينها ومراقبتها وعزلها.

هذا الموقف النقدى عبر عنه الفقه السياسى الاسلامى بمصطلح التقويم ، يقول ابوبكر الصديق (رضى الله عنه) (إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني). والتقويم يعبر عن موقف يتجاوز كل من موقفى الرفض المطلق والقبول المطلق الى موقف نقدى قائم على اخذ  وقبول الصواب، ورد ورفض الخطا،  فهو نقد للسلطه لتقويمها، اى بهدف الكشف عن أوجه قصورها عن أداء دورها .

كما عبر عنه الفقه السياسي الاسلامى بمصطلح النصح لقوله (صلى الله عليه وسلم)(لدين النصيحة ، قيل : لمن يا رسول الله !؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم ) يقول الباقلاني بعدما ذكر فسق الإمام و ظلمه … بل يجب و عظه و تخويفه ، و ترك طاعته في شيء ممّا يدعو إليه من معاصي الله)(التمهيد 186).
ونجد في التاريخ الاسلامى الكثير من المواقف التي تعبر عن هذا الموقف النقدي للعلماء من السلطة، فعن سفيان  الثوري رضي الله عنه قال( أدخلت على أبي جعفر المنصور بمنى، فقال لي: ارفع إلينا حاجتك، فقلت له: اتق الله فقد ملأت الأرض ظلما وجورا، قال فطأطأ رأسه، ثم رفعه، فقال: ارفع إلينا حاجتك، فقلت: إنما أنزلت هذه المنزلة بسيوف المهاجرين والأنصار، وأبناؤهم يموتون جوعا، فاتق الله وأوصل إليهم حقوقهم، فطأطأ رأسه، ثم رفعه فقال: ارفع إلينا حاجتك، فقلت: حج عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال لخازنه: كم أنفقت؟ قال: بضعة عشر درهما وأرى ههنا أموالا لا تطيق الجمال حملها، وخرج) .

ولضمان قيام العلماء بهذا الموقف النقدى من السلطه نصح كثير من علماءالسلف والخلف بقطع اى علاقه سياسيه او اداريه او وظيفيه او اقتصاديه… مع الحكام:

يقول حُذَيْفَةُ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) إيَّاكُمْ وَمَوَاقِفَ الْفِتَنِ قِيلَ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ : أَبْوَابُ الْأُمَرَاءِ يَدْخُلُ أَحَدُكُمْ عَلَى الْأَمِيرِ فَيُصَدِّقُهُ بِالْكَذِبِ وَيَقُولُ : مَا لَيْسَ فِيهِ(.ويقول ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه( إِنَّ عَلَى أَبْوَابِ السُّلْطَانِ فِتَنًا كَمَبَارِكِ الإِبِلِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تُصِيبُونَ مِنْ دُنْيَاهُمْ شَيْئًا إِلا أَصَابُوا مِنْ دِينِكُمْ مِثْلَيْهِ ).ويقول الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ ( رُبَّمَا دَخَلَ الْعَالَمُ عَلَى السُّلْطَانِ وَمَعَهُ دِينُهُ فَيَخْرُجُ وَمَا مَعَهُ مِنْهُ شَيْءٌ . قَالُوا : كَيْفَ ذَلِكَ . قَالَ : يَمْدَحُهُ فِي وَجْهِهِ وَيُصَدِّقُهُ فِي كَذِبِهِ).ويقول أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ (وَمِنْ صِفَاتِ عُلَمَاءِ الْآخِرَةِ أَنْ يَكُونُوا مُنْقَبِضِينَ عَنْ السَّلَاطِينِ ، مُحْتَرِزِينَ عَنْ مُخَالَطَتِهِمْ )، ويقول ايضا فى  كتاب السر المصون ( أما السلاطين فإياك إياك ومعاشرتهم فإنها تفسدك أو تفسدهم وتفسد من يقتدي بك , وسلامتك من مخالطتهم أبعد من العيوق , وأقل الأحوال في ذلك أن تميل نفسك إلى حب الدنيا ).

وقد قام قطاع كبير من العلماء بهذا الدورالمبين اعلاه، طوال التاريخ الاسلامى ،منذ عهد النبوة والخلافة الراشدة.

حدود سلطه الحكام:. كما يترتب على التصور السابق للسلطة السياسيه ان الحاكم  فى الفقه السياسى الاسلامى نائب ووكيل عنها لها حق تعيينه ومراقبته وعزله ، يعرف الماوردي البيعة بأنها ( عقد مرضاة واختيار لا يدخله اكراة ولا إجبار)(الأحكام السلطانية، ص 7 ).ويقول أبو يعلي أن الخليفة ( وكيل للمسلمين ).

حكام السلطة غير المحدودة: وإذا كانت الدولة الاسلاميه في عهدي النبوة والخلافة الراشدة تجسد التصور السابق للسلطة السياسية وما يترتب عليه بقيامها على مبادىْ الشورى والعدل والمساواة، فانه بعد عهد الخلافة الراشدة بداْ بالتدريج الانحراف عن هذا التصور، فتحول الحكم إلى الاستبداد بالسلطة دون الجماعة،واحتكار السلطة لجماعه معينه دون غيرها… وقد تنبأ الرسول صلى الله عليه وسلم بظهور هذا النوع من أنواع الحكم في التاريخ الاسلامى في مراحل تاليه،فقد قال صلى الله عليه وسلم ( تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون , ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة , فتكون ما شاء الله أن تكون , ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها , ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن تكون , ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها , ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون , ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها , ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ،ثم سكت (
(قال الهيثمي في ” المجمع “( 5 / 189 ) : ” رواه أحمد و البزار أتم منه و الطبراني ببعضه في ( الأوسط ) , و رجاله ثقات) .

علماء السلطة: كما انه ظهر فى مراحل تاليه قطاع اخر من العلماء، لم يقوموا بدورهم كعلماء بالدين،لهم دور طليعى فى المجتمع المسلم،مضمونه الموقف التقويمى النقدى من هذا المجتمع والسلطه الحاكمه فيه كما سبق بيانه، بل تحولوا الى رجال دين(اى فئه تحتكر التحدث باسم الدين عقيده وشريعه واجتهادا..)،هم نخبه متميزه وظيفيا واقتصاديا واجتماعيا عن المجتمع المسلم، اتخذوا موقف القبول المطلق للسلطه، وعرف هذا القطاع من العلماء  بعلماء”او فقهاء” السلطان. وقد ظهر كافراز لامتداد الحياه فى ظل تخلف النمو الحضارى (السياسى ، الاجتماعى، الاقتصادى…) للمجتمعات المسلمه نتيجه لعوامل داخليه(كالتقليد، والاستبداد،والبدع…)وخارجيه(كالغزو والاحتلال المغولى والصليبى والاستعمارى…)متفاعله،وفى ذات الوقت فانه كان احد اسباب استمراره .

وقد تنبأ الرسول صلى الله عليه وسلم بظهور هذا القطاع من العلماء في التاريخ الاسلامى في مراحل تاليه، فعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ تِسْعَةٌ ؛ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعَةٌ ؛ أَحَدُ العَدَدَيْنِ مِنَ العَرَبِ وَالآخَرُ مِنَ العَجَمِ ، فَقَالَ: (اسْمَعُوا، هَلْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ؟ فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْبِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَيَّ الحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَيَّ الحَوْضَ)(رواه النَّسَائِيّ (4207،4208) وَالتِّرْمِذِيّ (2259) وأحمد (18126) . وقال صلى الله عليه وسلم (إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع ) … ) (صحيح مسلم رقم 4907).

كما تعرض كثير من علماء السلف والخلف بالنقد لهذا القطاع من العلماء:

فعن سفيان الثوري رضى الله عنه قال (إذا رأيت القارئ يلوذ بالسلطان فاعلم أنه لص , وإن لاذ بالأغنياء فمراء , وإياك أن تخدع فيقال : لعلك ترد عن مظلمة أو تدفع عن مظلوم , فإن هذه خدعة من إبليس اتخذها فجاز القراء سلما .(
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ( إذَا رَأَيْتُمْ الْعَالِمَ يَغْشَى الْأُمَرَاءَ فَاحْذَرُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ لِصّ)

 وقال ابن عبد البر : في كتاب بهجة المجالس (شر الأمراء أبعدهم من العلماء وشر العلماء أقربهم من الأمراء . )( ص: 483 ) .
العلماء وقضايا الشرعيه والتغيير: ويمكن التمييز بين قطاعي العلماء السابق ذكرهم، من خلال مواقفهم المتباينه من عدد من القضايا التى اثارها الفقه السياسى الاسلامى، واهمها قضايا الشرعيه والتغيير وانماطه تحت مسميات حكم خلع السلطان الجائر واماره الغلبه والصلاه خلف البر والفاجر… فالقطاع الاول من العلماء يرى ان اى سلطه لم تجىْ من خلال بيعه صحيحه باعتبارهاعقد اختيار لم يدخله اجبار، وتستبد بالسلطه دون الجماعه، بدلا من ان تكون نائب ووكيل عنها، لها حق تعيينها ومراقبتها وعزلها، فهى غير شرعيه، ويجب تغييرها.لكن انقسم هذا القطاع من العلماء بعد ذلك حول اسلوب التغيير الى مذهبين:

المذهب الاول: ياخذ بالثوره”التى عبر عنها الفقهاء بمصطلح خلع السلطان الجائر” كاسلوب للتغيير يتصف بالفجائيه والكليهيقول الإمام الجصاص  وكان مذهبه رحمه الله ( أي الإمام أبي حنيفة) مشهوراً في قتال الظلمة وأئمة الجور)( أحكام القرآن للجصاص 61 ).و ذكر ابن العربي  من أقوال علماء المالكية ( إنما يقاتل مع الإمام العدل ، سواء كان الأول ، أو الخارج عليه ، فإن لم يكونا عدلين ، فأمسك عنهما إلا أن تراد بنفسك ، أو مالك ، أو ظلم المسلمين فادفع ذلك )( أحكام القرآن) وقد ذكر أبن أبي يعلى في ذيل طبقات الحنابلة عن الإمام أحمد في رواية ) من دعا منهم إلى بدعة فلا تجيبوه ولا كرامــة ، وإن قدرتم على خلعه فافعلوا )( طبقات الحنابلة)،ومن علماء الحنابلة الذين ذهبوا إلى القول بخلع الجائر ، ابن رزين ، وابن عقيل ، وابن الجوزي (الإنصاف للمرداوي 10 \ 311). ويجب ملاحظه ان هذا المذهب رغم هذا لا ينفى الاصلاح كاسلوب للتغيير.

المذهب الثانى: برفض الثوره كاسلوب للتغيير يقول الامام ابن تيمية ( والصبر على جور الأئمة أصل من أصول أهل السنة والجماعة)( مجموع الفتاوى ، 28 ) . ويقول الامام الأشعري( و يرون الدعاء لأئمّة المسلمين بالصلاح و أن لايخرجوا عليهم بالسيف)( مقالات الإسلاميين  323). لكن فى ذات الوقت ياخذ بالاصلاح كاسلوب للتغيير يتصف بالتدرج والسلميه والجزئيه، وياخذ اشكال عده اههما التقويم والنصح كما سبق ذكره، يقول الباقلاني بعدما ذكر فسق الإمام و ظلمه وعدم جواز خلعه بالسيف(… بل يجب وعظه و تخويفه ، و ترك طاعته في شيء ممّا يدعو إليه من معاصي الله)(التمهيد 186).

ومن الواضح ان الاخذ باحد اسلوبى التغيير فى المذهبين يرحع الى تصور كل مذهب لامكانيه او عدم امكانيه التغيير من خلال النظام القانونى المعين ، فالمذهب الاول يتحدث عن نظام قانونى لا تتوافر فيه امكانيه التغيير من خلاله،والثانى يتحدث عن نظام قانونى تتوافرفيه امكانيه التغيير من خلاله. كما ان كلا المذهبين مبنى على قاعدته سد الذرائع وفتحها، فالمذهب الاول يقوم على فتح الذرائع ، اى ترجيح المصلحه المتحققه من خلع الحاكم الجائر على المفسده التى قد تلزم  من خلعه ، والمذهب الثانى يقوم على سد الذرائع اى ترجيح المفسده التى قد تلزم من خلعه على المصلحه التى قد تتحقق منه.والمذهب الذى نرجحه ، والذى يجمع بين مضمون المذهبين السابقين ، هو تقسيم الحكم على خلع الحاكم الجائر الى: اولا: حكم اصلى هو الايجاب بدرجاته حسب درجه امكان الجمع بين جلب المصلحه التى قد تتحقق خلعه ، ودرء المفسده التى قد تلزم منه، دون المنع، بالالتزام بجمله  من الضوابط التكليفيه والتكوينيه اشاراليها الفقه السياسى الاسلامى . وحكم فرعى هو المنع بدرجاته حسب درجه استحاله الجمع بين جلب المصلحه التى قد تتحقق من خلعه ، ودرء المفسده التى قد تلزم من ذلك،وذلك عند استحاله الالتزام بهذه الضوابط ( وهو ما يعنى باصطلاح علم اجتماع الثوره انه لم تتوافر الشروط الذاتيه للثوره رغم توافر شروطها الموضوعيه).

اما القطاع الثانى من العلماء(علماء السلطان) فيرى شرعيه السلطه التى لم تجىْ من خلال بيعه صحيحه، باعتبارهاعقد اختيار لم يدخله اجبار، وتستبد بالسلطه دون الجماعه، بدلا من ان تكون نائب ووكيل عنها، لها حق تعيينها ومراقبتها وعزلها ،ويرفض التغيير بانماطه المختلفه (الاصلاح والثوره). ويستند هذا القطاع من العلماء فى موقفه هذا الىعدد من الادله اهما النصوص الداله على وجوب طاعه اولى الامر كثقوله تعالى (واطيعوا الله ورسوله واولى الامر منكم)،غير ان  طاعه اولى الامر فى الايه وغيرها من النصوص ليست مطلقه كما يلزم من  مذهبهم ، بل هى مشروطه بعدم معصيه الله تعالى، كما في الحديث( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) يقول الطوفي الحنبلي في كتابه (الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية2/28) فـ( الأمر في هذه الآية عام مخصوص بما إذا دعوا الناس  إلى معصية أو بدعة لا تجوز طاعتهم للحديث: ” إنما الطاعة في المعروف ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق”. وقد امتنع كثير من أئمة السلف من إجابة الخلفاء إلى المناكر والمفاسد والبدع. وهم في ذلك قدوة، والآية المذكورة حجة لهم ) .والقول بالطاعه المطلقه للحاكم يتنافى مع مفهوم التوحيد والذى بلزم منه اسناد الحاكميه -السياده (السلطه المطلقه ) لله تعالى يقول الإمام الغزالي ( الحاكم هو الشارع ، و لا حكم إلا لله تعالى لا حكم غيرة،وأما استحقاق نفوذ الحكم فليس إلا لمن له الخلق والأمر، فإنما النافذ حكم المالك علي مملوكه ولا مالك إلا الخالق، فلا حكم ولا أمر إلا له، أما النبي ( صلى الله عليه وسلم) والسلطان والسيد و الأب والزوج فان أمروا أو أوجبوا لم يجب شئ بإيجابهم، بل بإيجاب الله تعالى طاعتهم)، كما ان هذا القول يقارب مذهب الثيوقراطيه (واهم ممثليه نظريتى العنايه الالهيه والحكم بالحق الالهى) وهومذهب مخالف للاسلام.

وهذا الموقف فى تصورنا يفارق موقف اهل السنه بمذهبيهم، ويقارب موقف فرقه المرجئه المبتدعه، والتى تفصل بين الإيمان والعمل،فترجي (تؤخر) عقاب العصاة إلى يوم القيامة، وتقول ( لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة)،أي أن المؤمن يظل مؤمناً مهما ارتكب من المعاصي كما يظل الكافر كافراً مهما  قام بأعمال صالحة، وتقول (إن الإيمان اعتقاد، وان من أعلن الكفر بلسانه وعبد الأوثان أو لزم اليهودية والنصرانية في دار الإسلام وعبد الصليب وأعلن التثليث في دار الإسلام ومات على ذلك فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله عز وجل ومن أهل الجنة).

(المصدر: موقع د. صبري خيري)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى