العلماء المسلمون وكفاحهم من أجل الحرية
بقلم د. محمد أجمل
الاستقلال الذي نالته الهند في 15 أغسطس 1947م كان نتيجة كفاح طويل ساهم فيه العلماء المسلمون مساهمة رائدة.
في حين أن زعماء الحرية مثل باغات سينغ وسوباش تشاندرا بوس والمهاتما غانذي يحصلون على نصيبهم من الفضل والكمال، فإن المساهمة التي قدمها العلماء المسلمون في الكفاح للاستقلال في الهند، يتم تجاهلها إلى حد كبير.
بعد فشل ثورة 1857م أصبح العلماء الذين كانوا قوة رائدة في الثورة، مستهدفين للاضطهاد البريطاني. استشهد ما مجموعه مأتي ألف رجل وامرأة في ذلك الوقت. من بين هؤلاء حوالي واحد وخمسين ألفا ومائتين كانوا من العلماء. وشُنق خمسمأية من هؤلاء العلماء في دلهي نفسها.
بعد عشرين عامًا من حرب الاستقلال الأولى للهند، شكل الشيخ مولانا محمود حسن الديوبندي الملقب بـ “شيخ الهند” في عام 1877م منظمة يُدعى “ثمرة التربية” التي كان هدفها التحضير للتمرد المسلح ضد البريطانيين. كافحت هذه المنظمة ضد البريطانيين لما يقرب من ثلاثة عقود، وفي عام 1909م أعيد تنظيمها تحت اسم “جمعية الأنصار” وتولى الشيخ مولانا عبيد الله السندي مسؤوليتها.
في عام 1913م بعد أن تم الحظر على جمعية الأنصار، تم تشكيل “نظارة المعارف” لطرد المستعمرين البريطانيين من البلاد. وشهد العام نفسه حركة للحرية أصبحت تُعرف باسم “حركة الرسالة الحريرية” تحت قيادة العلماء مثل الشيخ محمود حسن الديوبندي ومولانا عبيد الله السندي ومولانا أبو الكلام آزاد. وهدفت الحركة إلى تحرير الهند من الحكم البريطاني بمساعدة تركيا وإمبراطوريتي ألمانيا وأفغانستان.
ومع ذلك، تعرضت حركة الرسالة الحريرية للحكم البريطاني من خلال الاستيلاء على رسائل كتبها مولانا عبيد الله السندي على قماش حريري في عام 1916م. وفي أعقاب فشلها، اعتقل البريطانيون مأئتين وإثنين وعشرين من العلماء في جميع أنحاء الهند.
والعلماء البارزون الذين ألقي عليهم القبض في محاولة تحرير الهند كانوا أمثال الشيخ مولانا محمود حسن الديوبندي ورفاقه مولانا وحيد أحمد الفيض آبادي ومولانا عزيز غول وحكيم سعيد نصرت حسين والشيخ مولانا حسين أحمد المدني في مكة المكرمة، وتم إرسالهم إلى مالطا حيث ظلوا محتجزين لفترات طويلة. ثم جاء تأسيس جمعية علماء الهند في مارس 1919م.
إنها حقيقة منسية تقريبًا أنه في الوقت الذي كان العديد من الهنود يدعمون الاستعمار البريطاني، ويطالب حزب المؤتمر الوطني الهندي بالحرية الجزئية، تجرأت جمعية علماء الهند على رفع المطالبة بالحرية الكاملة للهند.
وتم رفع هذا الطلب في شهر يناير 1924م من قبل الشيخ مولانا سيد حسين أحمد المدني في كوكنادا وفي مارس 1926م تم اتخاذ قرار بهذا المعنى لأول مرة في كولكاتا. وفي عام 1928م عارضت الجمعية “تقرير نهرو” الذي سعى إلى الحكم الذاتي في ظل الحكم البريطاني لأنه كان ضد مطالبة الجمعية بالحرية الكاملة. وأوقفت دعمها لحزب المؤتمر لمجرد هذا السبب حتى عام 1929م. وفي جلسة انعقدت في مدينة لاهور الشهيرة لحزب المؤتمر الوطني الهندي في ديسمبر 1929م صوت حزب المؤتمر لصالح الجمعية واعتمدت المطالبة بالحرية الكاملة للهند، وهذا جاء بعد خمس سنوات قام العلماء برفعها في الأصل.
كانت الجمعية قد بدأت أيضًا معارضة “لجنة سيمون” بكامل قوتها في عام 1926م، والتي تبنها حزب الكونجرس لاحقًا في عام 1927م. وفي النهاية، اضطرت لجنة سيمون العودة إلى بريطانيا ولكن دون جدوى في غايتها.
في عام 1929م قدم العلماء دعمهم الكامل لدعوة الزعيم الهندي غاندي لمسيرة داندي، نتيجة لذلك، تم اعتقال العديد من العلماء المسلمين كمولانا أبو الكلام آزاد ومولانا حفظ الرحمن السيوهاروي ومولانا فخر الدين ومولانا سيد محمد ميان ومولانا بشير أحمد بهاتيا. وتم القبض على اثنين على الأقل من العلماء البارزين في العام التالي أثناء حركة العصيان المدني.
خلال “حركة العصيان المدني الثانية” في عام 1932م، قاد المفتي كفاية الله الدهلوي أكثر من مأئة ألف رجل احتجاجًا وتم القبض عليه في حديقة آزاد في دلهي. وعقب اعتقاله جاء اعتقال الشيخ مولانا حسين أحمد المدني، ومولانا أحمد سعيد الدهلوي، ومولانا حفظ الرحمن السيوهاروي، ومولانا سيد محمد ميان الديوبندي، ومولانا حبيب الرحمن اللوديانوي وآخرين من العلماء في تتابع سريع. ومن بين تسعين ألف شخص اعتقلوا خلال حركة العصيان المدني الثانية كان حوالي 44.5 ألف من العلماء المسلمين المناضلين من أجل الحرية.
وفي عام 1940م أثار الشيخ مولانا حسين أحمد المدني مرة أخرى مسألة الاستقلال الكامل للهند في قرية باشراون، لذلك واجه عقوبة السجن لمدة ستة أشهر بعد اعتقاله في طريقه إلى مؤتمر الوحدة.
ثم أقر مجلس العلماء قرار “اتركوا الهند” في 5 أغسطس 1942م، تلاه إصدار حزب المؤتمر الوطني لنفس القرار في 9 أغسطس خلال جلسة بومباي. وقد أدى إلى اعتقال العديد من قادة حزب الكونغرس والعلماء وسجنهم لفترة طويلة.
على الرغم من أن البلاد أصبحت في نهاية المطاف منقسمة على أسس طائفية، يجب ألا ننسى أبدًا تضحيات ونضالات المسلمين رجالا ونساء، قاتلوا وماتوا من أجل الهند غير المقسمة.
وكتب جنرال بالجيش البريطاني تومسون الذي حارب المسلمين في ثورة 1857م، في مذكراته بعنوان رجال الدين المتمردون:
“إذا كان المرء يقاتل من أجل وطنه، فإن التخطيط للحروب والعقل المدبر لها ضد القوى المحتلة هي حب الوطن، فلا شك أن المولويين (العلماء) هم الوطنيون المخلصون لبلدهم وستتذكرهم الأجيال القادمة منهم كأبطال”.
صوًر الجنرال البريطاني تومسون حقًا الشخصية والوطنية من هؤلاء المسلمين والشيخ مولانا حسين أحمد المدني هو من أبرز المناضلين للحرية في الهند، إنهم المسلمون الأتقياء وخاصة العلماء منهم.
بالتأكيد كافح المسلمون كثيرًا لحرية الهند من الاستعمار البريطاني ما تشهده كل ذرة من البلاد. لكن تم التجاهل عليهم من المواطنين الهنود الهندوس، حتى يتجاهل المسلمون أنفسهم أكثر مما يتجاهل الهندوس عنهم، لذلك من اللازم أن يتم بدء حملة للتوعية بتضحية العلماء الهنود في تحرير البلد.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
- بقلم: د/محمد أجمل (الأستاذ المساعد، مركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهر لال نهرو – نيودلهي)