بقلم د. أحمد ولد امحمد سيدي
إن المتصفح لكتب التراث التي تم تحقيقها يلاحظ أن التعريف بالأعلام الموريتانيين يتم دائما بصورة موجزة الشيء الذي يدفعنا للتعريف بأعلامنا ولذلك سعيت إلى أن أدلي بدلوي في هذا المجال من خلال اختيار شخصية العلامة عبد الله بن الحاج حماه الله المتوفى 1209هـ حيث لاحظت أن الذين تعرضوا لتحقيق مؤلفاته من خارج الوطن أو داخله لم يوفونه حقه من التعريف مع ما لهذا المجال من الأهمية حيث يمكن الباحثين من الإطلاع على مؤلفاته وأماكن تواجد المخطوطات منها والبحث عنها لتحقيقها وهو ما سعيت إليه حيث قمت بترقيم بعض مؤلفاته التي لا تزال في خزانات المخطوطات وقمت بالإشارة إلى أماكن تواجد مجموعة منها.
نظرا لقلة المراجع التي ترجمت له فقد حاولت قدر المستطاع استغلال ما توفر لدي من معلوما وجمع ما تناثر منها ومحاولة استنطاقها حتى أضع له صورة متكاملة، وأعرف به تعريفا موجزا فأقول:
هو العلامة الفقيه عبد الله بن أحمد بن الحاج حمى الله بن أحمد بن الحاج المصطفى بن محمد بن أحمد بوي الغلاوي الشنقيطي ثم الحوضي ويتصل نسبه بمحمد غل الجد الجامع لقبيلة الأغلال، وضبطها بالغين أصوب كما نص عليه محمد الهيبة بن الطفيل، وكما نجده في الجناس لدى النابغة الغلاوي رحمه الله حيث يقول:
يقـول بادئا بحمد الله من بعد الابتداء بسم الله
محمد نابغة الأغلال وقاهم الله من الأغلال
لكن كثيرا من القبيلة يفضل القاف على الغين، والقبيلة مشهورة، وينتهي نسبها إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه باتفاق مؤرخي البلاد الشنقيطية وعلمائها مثل: سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم في صحيحة النقل، والمختار بن حامد في موسوعته وأشعاره، وأحمد أمين في الوسيط، وبدي بن سيدنا العلوي حيث يقول:
عليكم سلام آل شنقيط من مصر من آل علي أو من آل أبي بكر
والعلامة عبد الله ابن بي حيث يقول في قصيدة له:
أجدك ما هاج المنازل من بعد غرامي ولا برق يلوح على نجد
ولا ذكر أيام الصبابة والصبـــا يهيج لي من بعدما سلوة وجدي
ولكن وفـــــــدا من كرام وسادة نماهم أبو بكر فيا لك من جـــــــد
ومثل سدات بن باب الأبياري والشيخ سيديا وابنه هارون وغيرهم كثير وقد نظم عبد الله نفسه سلسلة آبائه فقال:
يا رب عبد الله نجل سيدي عــــاملهما بلفـــظك المســـدد
نجل حمى الله سليل أحمد والمصطفى محمد بن أحمد
إلى أن يقول:
وذا ابن عبد الله نجل أحمد وذا ابن عبد الله ذا السهرودي
سعيد القاسم محمد أبي بكر رضي الله عن كل أبـــي
ولقد ولد عبد الله ونشأ بمدينة شنقيط الموريتانية التاريخية أوان ازدهارها بالمعارف والعلوم الإسلامية والعربية، وتربى في وسط علمي وديني بين أبوين هما أحمد المذكور، وقد كان خبيرا بالحديث، وعلوم التفسير، والنحو، وعلم القضاء، متوسطا في غير ذلك.
وأما أمه فهي خديجة بنت الفاضل اليعقوبية.
وقد أتاحت له ظروف أسرته العلمية ومدينته الثقافية أن يتصدر في مختلف المعارف وخصال الخير، وقد درس القرآن على محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الغلاوي المساوي، ودرس الحديث على خاله سيدي عبد الله بن الفاضل اليعقوبي المتوفى سنة 1209هـ كما أجازه العلامة سيدي مالك بن الحاج المختار الغلاوي المتوفى سنة 1201هـ في صحيح البخاري وكتاب الشفا للقاضي عياض وغيرهما، كما درس النحو والمنطق على العلامة ابن بونه الجكني المتوفى 1220هـ ومن أشياخه البخاري بن مولود بن بارك الله.
وقد ارتحل عبد الله من مدينة شنقيط بعد أن تزوج بها ورزق الأولاد، حيث اتجه إلى أرض الحوض، وقد ترك لأولاده بشنقيط حديقته التي وقف ريعها على مصلحة مسجد شنقيط، وقال لهم: تركت معكم شريكا لا يتكلم فأنصفوه. ولما وصل إلى أرض الحوض استقر به المقام فيه حتى توفي رحمه الله سنة 1209هـ يوم الجمعة لليلة بقيت من ربيع النبوي وقبره بولاية الحوض الشرقي بموريتانيا بمكان يعرف بالظليل وتجملا لت غربي مدينة النعمة على بعد 150 كلم تقريبا منها.
وقد كان رحمه الله شديد الفهم والذكاء قوي الذاكرة.
روي أنه كان يحفظ من حكايتين، وأن أمه نهته ذات يوم عن استعمال الرغوة وهو صغير في بداية سن الدراسة فأجابها قائلا:
وليس في الرغوة ضد يوجد لقـــــوله جــــل فـــــأمــــا الــــزبــــد
وقد جاء في فتح الشكور أن والده عبد الله مشى به إلى شيخه محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الغلاوي المساوي، لبدأ له في لوحه، ولم يكن كتب التهجي، فكتب له الفاتحة حتى كتب له آمين، فأرادت أمه محو ذلك حتى يعرف الحروف والتهجي، فقال والده عبد الله: والله لا امحوا ما كتب شيخي، فنال منه بركة والحمد لله، حتى إن شيخه المذكور كان يضربه وهو صغير حرصا على إخفاء فهمه.
وقد أتى يوما مدينة ولاته بإبله يريد سقيها، فلما وجد التلاميذ يحرسون البئر ذهب إلى ألواحهم وغسلها جميعا، وكان لا يترك من الدرس إلا كلمتين الأولى والأخيرة، ولما سأل التلاميذ عن الفاعل أجابهم عبد الله أنا الذي فعلت ، وإن شئتم اسقوا لي إبلي أعد لكم كتابة الألواح، فلما علم شيخهم بذلك قال: لا أعلم أحدا بهذه البلاد يقدر على هذا سوى ابن الحاج حمى الله الغلاوي، وأمر بالسقي له وبإكرامه، وقد اتصل عبد الله بكثير من علماء عصره مقابلة ومراسلة كسيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم العلوي المتوفى سنة 1233هـ والقصري محمد المختار بن عثمان بن الكصري الإديلبيي، ولمجيدري بن حبيب الله وغيرهم من علماء زمانه، وتبادل معهم المعلومات والىراء حول العديد من من قضايا عصره المطروحة آنذاك.
وقد نال إعجاب وتقدير العديد من علماء عصره وغيرهم، وشهدوا له بالفضل وطول اليد في نختلف العلوم، والراعة في الفهم، ومن هؤلاء على سبيل الخصوص شيخه: سيدي مالك بن المختار الغلاوي الأحمدي، والمختار بن بونه ومحمد حبيب الله بن الجكني، والشيخ سعد بوه بن محمد فاضل، ومؤلف فتح الشكور، والمختار بن حامد وغيرهم كثير.
وبحكم ما أخذ عبد الله من علوم شتى فقد ساهم في نشر الثقافة الإسلامية والعربية وأمه طلاب العلم لينهلوا من معين عرفانه ومن بين طلابه: ابنه محمد البار وابنأخته النابغة الغلاوي وأحمد بن الطالب ،وغيرهم.
مؤلفاته:
ظهر نبوغ عبد الله فيما خلفه من آثار كثيرة وهامة شملت مختلف الفنون. وهي آثار تبين منحتها في التأليف وتتضح فيها شخصيته القوية.
وهذه قائمة بما وجدنا من تلك الآثار مع ذكر نماذج مما عثرنا عليه منها:
في علوم القرآن:
1 ـ نظم في الحذف نحو مئة بيت
2 ـ نظم في المتشابه من القرآن
3 ـ تأليف في القراءات السبع
4 ـ نظم في اختصار ابن بوي على ما به الأخذ وشرحه
5 ـ نظم في إعراب منصوبات القرآن
6 ـ شرح ابن بوي في المقرأ, موجود في المعهد الموريتاني للبحث والتكوين في مجال التراث تحت رقم: 350.
في علوم الحديث:
7 ـ تعليق على البخاري
8 ـ نظم صغير في السلسلات
في العقائد والتصوف:
9 ـ تقرير السنة في إضاءة الدجنة
10 ـ نظم في التوحيد في أحد عشر بيت يقول في آخره:
والمؤمن المؤمن بالقرآني:
والمسلم العامل باللذ فيه وذا من التوحيد قد يكفيه
11 ـ شرح منظومة لابن البناء في التصوف
12 ـ شرح التثبيت للإمام السيوطي مخطوط
في الفقه وأصوله:
13 ـ نظم مختصر الأخضري وشرحه حيث يقول فيه :
عبد الإله الشنقيطي يشتري بعقده المنظوم تبر الأخضري
14 ـ نظم الرسالة وشرحه، مخطوط في المعهد الموريتاني للبحث والتكوين في مجال التراث تحت وقم: 1746 يقول في أوله:
قال أبو محمد عبد الإله لينظم النثر الذي جلا حلاه
إلى أن يقول:
ولم أكن جذيل هذ الفن وما علي لومه لأني
شغلت بالنحو وبالبيان وإن هذان لساحران
إلى أن يقول في صفة نظمه:
وربما أخلت فيه الناظرا أني شاعرا ولست شاعرا
فتارة أرقص من تذكيري بابن نباتة وبالحريري
طورا أخو جد وطورا عابث حتى كأني للأنام وارث
15 ـ تحفة ابن عاصم : موجود في المعهد الموريتانى للبحث والتكوين في مجال التراث تحت الرقم: 1641.
16 ـ تأليف في الزكاة
17 ـ تأليف في جامع الإيمان
18 ـ نظم في رد مقالات لمجيدري بن حبيب الله اليعقوبي
19 ـ نظم في الردة يقول في أوله:
حقيقة المرتد من خرج من إسلامه للكفر مختارا زكن
إلى أن يقول:
إذا انتفى التكفير بالمقالي دون اعتقاد ظاهر في الحال
20 ـ اختصار خليل يأتي بالمستعمل في البلاد ويذكر ما صوبه الشراح بدلا من نصه.
21 ـ تأليف فيما وافق الرسالة من نص خليل، يعتبر نص الرسالة متنا ويضع تحته نص خليل كالشرح، وإذا أفتى بمسألة فيه يتمثل بقول الشاعر: وإنكار مع العدلين عار.
22 ـ نظم في الرخص: ومنه قوله:
ومن تعود وجود بلل بعد انقطاع بوله والغسل
لم يلتفت لذا إذا أضره إذا أتــــاك كـــــل يوم مرة
23 ـ نظم سماه دفع الضرر في تحريم الطرر، في ذك الإكثار والمراء، منه قوله:
فإنهم يطررون الأخضري للمبتدي بطرر المختصر
24 ـ شرح نظم أصول ابن عاصم
25 ـ شرح نوازل الشيوخ الأربعة:
ـ محمد بن محمد بن عبد الله الوزازي الفاسي ت 1166هـ
ـ الطالب محمد بن الأعمش العلوي
ـ الشريف حمى الله التيشيتي ت 1169هـ
ـ سيدي عبد الله بن محمد بن القاضي (رازك) ت 1144
يقول في أول نظم هذه النوازل:
يقول عبد الله وهو ابن حماه لازال في ذمته وفي حماه
الحمد لله مجيب السائل ناظم نثر النعم السوائل
وبعد فالقصد بذا جمعي لما نظمت من فتوى شيوخ العلماء
مكتفيا بالحاصل الصـــواب من الســــــؤال ومــــن الجـــــواب
في نحو ألفي بيت، وشرحه مرتبا على الأبواب الفقهية، وبابه الأخير في نوازل اللغة والنحو، وهو في المعهد الموريتاني للبحث والتكوين في مجال التراث تحت الأرقام: 3106 ، 2516 ، 655.
26 ـ نظم سماه: قصد السبيل: أوله:
الحمد لله الذي ما جعلا في دينه من حرج ثم علا
وقال يسروا ولا تعسروا منه صلاة وسلام عـــــــــطر
وهو نحو50 بيتا، في المعهد الموريتاني للبحث والتكوين في مجال التراث تحت رقم: 2917.
27 ـ نظم بيوع ابن جماعة: منه قوله:
لأنه من خمسة تنبهم ولا اختلاطها الجميع يحرم
كمحرم من نسوة أو نسيا مبـــــانـــــــة ومــــــــا لغــــــير ذكـــــيا
وفي اللغة والأدب:
28 ـ رجز يسمى الرباني في الإعراب محاذيا به نص الألفية، وشرحه.
29 ـ نظم في النحو في بحر الرمل.
30 ـ نظم جمع فيه كثيرا من أحكام المغني
31 ـ تعليق على الشواهد
32 ـ شرح الكفاية.
33 ـ شرح الألفية.
34 ـ مقدمة في النحو للمبتدئين سماها الإستعانة
35 ـ تأليف كبير، وآخر صغير على بانت سعاد
36 ـ شرح لامية العرب
37 ـ ذخر المعاد على بانت سعاد
38 ـ منظومة في المديح، ضمن كل بيت منها شطرا من الألفية
39 ـ شرح فائية سيدي عبد الله الملقب (بابن رازك) ت 1244هـ والتي يمدح بها نعله صلى الله عليه وسلم ومطلعها:
غرام سقى قلبي مدامته صرفا ولما يقم للعذل عدلا وصرفا
قضى فيه قاض الحب بالجهر مذ غدا مريضا بداء لا يطب ولا بشفى
40 ـ شرح حائية ابن رازك التي يمدح بها سيدي محمد بن ملاي اسماعيل ومطلعها:
دع العيس والبيداء تذرعها شطحا وســــمها بحورا الآل تسبحها سبحـــــــــــــــا
ولا ترعــــــــــــــها إلا الذميل فطـــــــــالما رعت ناضرا القيصوم والشيح والطلحا
41 ـ شرح مرثية ابن رازك لأحمد بن يوسف البوحسني والتي مطلعها:
هو الأجل الموقوف لا يتخلف وليس يرد الفائت المتأسف
42 ـ شرح على اليوسية التي مطلعها:
عرج بمنعرج الهضاب الورد بين اللصاب وبين ذات الأرمد
43 ـ شرح في البلاغة لنظم ابن رازك لتلخيص المفتاح المعروف بالسيدية:
44 ـ نظم النقاية وحققه المرابط بن محمد الأمين
45 ـ نظم الخزرجية المسمى بالحوار يقول فيه:
الحمد لله على تخريج مســــــــائل العــــــــــــلوم بالتدريج
ثم الصلاة والسلام الوافي لساكن القروض والقــــــــــــــواف
46 ـ نظم الأعاريض والضروب
47 ـ شرح الخزرجية
48 ـ نظم في المنطق
بخصوص آرائه وفتاويه التي صدرت في حياته فلم تعثر على شيء مكتوب من ذلك، وإن كانت بعض تصانيفه توحي بما يحدد نوع نظره للواقع الذي يعيش فيه آن ذاك، كما يستشف ذلك من نظمه على الرخص، ونظمه في الردة، ونظمه دفع الضرر في تحريم الطرر، إلى غير ذلك مما يدل على وسع باعه وكثرة اطلاعه، والثقة بما لديه من المعرفة.
من ذلك ما يروى أنه كان يذهب في آوكار، وتحصل له فيه الجنابة مدة سكناه فيه، فإذا رجع إلى الأرض التي فيها الماء توضأ، ولا يغتسل اعتمادا على رفع الحدث بالتيمم. وقد أورد صاحب الوسيط أن مما نقم الناس عليه قوله:
ولم يجز لأحــــــــــــــــــد وعــــــــــــــــــــمم في الحوض مطلقا سوى التمــــــــم
ضرر ماء صح عن تجريب بخــــــــــــــــــبر العــــــــــــــالم والطبيــــــــــــب
ولكن القول الفصل في ذلك إن نسبته هذين البيتين له غلط كما نبه على ذلك: محمد يحي الولاتي ت 1330هـ حيث نسبهما إلى النابغة الغلاوي وأكثر في الرد عليهما، وكذلك نفاهما عنه أيضا الشيخ سعد أبيه ت1335هـ وذكر أن قائلها رجع عن قوله وقال: إن مراده بالحوض ولاته إذهي أعظم مدنه كما يقال: الحج عرفة.
وفاته:
توفي عبد الله بن الحاج حمى الله ظهر يوم الجمعة رحمه الله لليلة بقيت من ربيع النبوي سنة 1209هـ ودفن عند كثيب الظليل غربي مدينة النعمة (ولاية الحوض الشرقي) على بعد 150 كيلو متر تقريبا.
(المصدر: شبكة ضياء للمؤتمرات والدراسات)